سلفي فرنسي في المغرب (الحلقة الرابعة)

آخر الأخبار

سلفي فرنسي في المغرب (الحلقة الرابعة)

رصد المغرب/ادريس الكنبوري 

في إطار مساعيه للبحث عن معسكر تدريبي، ربط روبير في أواخر دجنبر من عام 2002 الاتصال بشخص يدعى”حسن”،

19-  تعني الدار في الاصطلاح القديم ما تعنيه الدولة اليوم، لكن مفهومي دار الكفر ودار الإسلام هما مفهومان اتفاقيان، اتفق عليهما العلماء نتيجة قراءاتهم للنصوص الدينية، ولم يرد بهما نص قاطع لا في القرآن ولا في السنة النبوية، واختلف العلماء فيهما اختلافا بعيدا، من مثل هل يجوز اعتبار الدولة الكافرة التي للدولة الإسلامية معها معاهدة أو اتفاقية دار كفر، وهل تعد دار الكفر التي فيها مسلمون كذلك بالفعل، وهناك من الشواذ، أمثال الجهاديين، الذين يلحقون دار الإسلام بدار الكفر، قال الشوكاني”وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية”.

فأخبره هذا الأخير بأن هناك إخوة آخرين في مدينة فاس ينتمون إلى نفس التيار، أي السلفية الجهادية، واقترح عليه مرافقته للتعرف عليهم. وفعلا تمت الزيارة، وتعرف روبير على أفراد الخلية الجديدة، وتم التطرق لموضوع التدريبات العسكرية وتقنيات القتال، بقصد القيام بعمليات جهادية في الخارج، خصوصا في فرنسا. وبسط روبير، مرة ثانية، خطته القاضية بضرب أهداف فوق التراب الفرنسي، وعرض خرائط للمواقع المرشحة لذلك، استخرجها من شبكة الأنترنت. لكنه ووجه بالرفض من قبل أفراد الخلية، بينما أيده في خطته شخص واحد، حسب أقواله، هو المدعو “جلال.م”. وعند مرحلة البحث عن موقع لإجراء التداريب، اقترح هذا الأخير مدينة فاس كمكان مناسب لذلك، بالنظر لوجود كهوف متوارية عن الأنظار، خاصة بمنطقة الكيفان القريبة من حي بنسودة الشعبي.

خلال لقاءاته في مدينة فاس بعناصر الخلية الجديدة، تحصلت لدى روبير قناعة بتنفيذ عمليات جهادية في المغرب، بعدما فشل في الحصول على مصادر كافية لتمويل خطته في فرنسا، وكذا لكونه كان مقتنعا “بضرورة الجهاد في جميع بقاع العالم ضد المصالح الأمريكية والدول المتحالفة معها”. إثر ذلك بدأت عناصر الخلية في إجراء  التداريب العسكرية في الموقع الذي تم الاتفاق عليه، أي منطقة الكيفان، والذي أطلقوا عليه تسمية”معسكر أسود خلدن”، تيمنا بمعسكر خلدن في بيشاور الذي تدرب فيه روبير. وكان برنامج التداريب على النحو التالي: صلاة الفجر، قراءة القرآن من طرف أحد عناصر الخلية، درس نظري حول طريقة استعمال المسدسات يقوم روبير شخصيا بتلقينه، ثم صلاة الظهر وتناول وجبة الغذاء والقيلولة، بعد ذلك أداء صلاة العصر وتلقي دروس تتعلق بالمتفجرات يلقنها روبير نفسه لأفراد الخلية، ثم صلاة المغرب وتناول وجبة العشاء، تليها دروس في الفقه ثم صلاة العشاء.

هناك بعض الانعطافات في هذه الرواية، ففي الحوار يقول روبير ريشار إن سفره إلى فاس كان بتوجيه من بعض الإخوة السلفيين في طنجة من أجل زيارة بعض تلامذة محمد بن عبد الوهاب رفيقي، الملقب بالشيخ أبو حفص(20)، بغرض البحث عن زوجة ثانية بعدما قرر مغادرة البيت وتطليق زوجته. وأمام هيئة المحكمة أقر بأنه التقى أبا حفص و حسن الكتاني، لكن لغرض واحد وهو طلب النصح والمشورة حول موضوع

20- أبو حفص محمد عبد الوهاب بن أحمد رفيقي، ولد بفاس عام 1971، خريج الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ومدرس وخطيب بمدينة فاس، كان من أوائل من أعلنوا مباركتهم لتفجيرات 11سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية على المنبر. اعتقل عام 2002 قبل تفجيرات الدار البيضاء وقضى ستة أشهر سجنا ، ثم أعيد اعتقاله بعد التفجيرات وحكم عليه بثلاثين سنة. قاتل والده في أفغانستان مع تنظيم القاعدة، واعتقل في المغرب بعد تفجيرات الدار البيضاء حيث حكم عليه بعشر سنوات سجنا، وأفرج عنه لظروفه الصحية في 18 مارس 2008. ويعتبر أبو حفص أحد الأربعة الذين تطلق عليهم تسمية “شيوخ السلفية الجهادية”، إلى جانب حسن الكتاني ومحمد بن محمد الفيزازي وعمر بن مسعود الحدوشي وعبد الكريم الشاذلي، وجميعهم يقضون عقوبة سجنية على خلفية ملف الإرهاب، بوصفهم “منظري” التيار، وإن كان هو يرفض أن يصنف باعتباره واحدا من شيوخ السلفية، حسب حوار شخصي أجري معه.

تطليق زوجته. ووفق التحقيقات التي أجريت معه فور اعتقاله، فإن روبير ريشار اتصل بحسن الكتاني، الذي كان وقتها خطيبا بإحدى مساجد مدينة سلا، وطلب منه فتوى  حول مدى شرعية القيام بالعمليات الاستشهادية ضد المصالح الأمريكية والفرنسية، إلا أن الكتاني أخبره بأنه غير مؤهل للإجابة على ذلك، ووجهه إلى أبي حفص، غير أن  هذا الأخير، في تصريحات خاصة للمؤلف، أكد واقعة زيارة روبير ريشار له في فاس، لكنه قال إنه لم يقره على أفكاره المتطرفة، ونفى أن يكون قد منحه أي فتوى بالفعل. وبالرجوع إلى محضر الضابطة القضائية، نجد رواية أخرى. لقد حصل اقتناع روبير ريشار بتنفيذ عمليات تفجيرية ضد المصالح الأمريكية والغربية في المغرب إثر سماعه بفتوى أصدرها الشيخ”عبي الزمزمي”، إمام مسجد”هدي الرسول بطنجة”، كانت ـ حسب روايته ـ كالتالي:”إذا لم تستطع الجهاد بنفسك فبمالك، وإذا لم تستطع ذلك فبمقاطعة المنتجات الأمريكية والدول الغربية بصفة عامة، والمشاركة في المسيرات الشعبية”.

من الواضح أننا هنا أمام معطى هام يضيء لنا جانبا من جوانب ما يسمى بتيار السلفية الجهادية في المغرب. لقد كان هدف روبير يشار هو الحصول على ما يبررـ شرعيا ـ قناعاته المترسخة لديه سلفا، وهو ما حصل لديه من خلال الرأي الشرعي المذكور. وهذا يبين حقيقة التيار السلفي بالمغرب، فهذا الأخير ليس تنظيما متكاملا يجمع بين القيادات الشرعية والسياسية والعسكرية، بل شتات من الأشخاص يجمع بينهم عنصر تكفير المجتمع والرغبة في التدمير الذي يرونه جهادا، ويبحثون بالتالي عن أي غطاء شرعي له، يمكن أن يجدوه في فتاوى يصدرها فقهاء قد لا يجمعهم معهم الشيء الكثير، وقد يأخذون فتاوى صادرة في أي مكان آخر من شبكة الأنترنت. وهذا يظهر أحد أوجه الخلل في ضبط مجال الفتوى بالمغرب وانتشار التسيب، بحيث كان كل شخص يأنس في نفسه القدرة على الإفتاء يصدر الفتاوى من غير ضابط(21).

العمالة للمخابرات الفرنسية

خلال محاكمته، صرح روبير ريشار أنه على علاقة بالمخابرات الفرنسية، لكن باريس سارعت لتوها إلى نفي ذلك. وقال روبير للمحكمة أنه في غضون سنة 1998، قبل تنظيم كأس العالم لكرة القدم بفرنسا، اتصل به المسمى “لوك ” من المخابرات الفرنسية وطلب منه القيام بتحريات حول الإسلاميين

21- تم إحداث الهيئة العلمية للإفتاء التابعة للمجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه الملك محمد السادس شخصيا، لتنهي حالة الفوضى في مجال الفتاوى، ولتكون مؤسسة تصدر رأيها “فيما يتعلق بالنوازل التي تتطلب الحكم الشرعي المناسب لها، قطعاً لدابر الفتنة والبلبلة في الشؤون الدينية”، حسب الخطاب الملكي في يوليوز 2005. وفي أول اجتماع عقدته الهيئة، بعد فتوى الدكتور يوسف القرضاوي التي أجاز فيها للمغاربة الاقتراض من البنوك من أجل السكن، جاء في بيانها أن” الفتوى في المملكة المغربية موكولة إلى مؤسسة علمية ولم يعد بإمكان أي جهة أخرى، أفرادا وجماعات، أن تتطاول عليها”.

الجزائريين بفرنسا والإسلاميين عموما ببلجيكا، مقابل تعويضات مالية. إلا أنه عندما سألته هيئة المحكمة عن علم المخابرات الفرنسية بسفره إلى المغرب رد بأنه لا يمكنه الإجابة على السؤال لعلاقته بأسرار الدفاع الفرنسي(22).

يمكن أن يكون ذلك بدافع الحصول على نوع من الحماية الفرنسية له في المغرب(23)، خاصة وأنه ظل حريصا، منذ اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد، على المطالبة بإكمال مدة محكوميته في بلاده، وكلف محاميا فرنسيا بالدفاع عنه للحصول على ذلك المكسب. إن جنسيته الفرنسية جعلته استثناء بين معتقلي السلفية الجهادية في المغرب، والظاهر أن ريشار حاول كثيرا استثمار هذا الاستثناء لفائدته دونما طائل. لقد حاول لعب ورقة الحماية الفرنسية ولكنه لم يفلح، ويبدو أن هذا الفشل دفعه إلى استثمار ذلك الاستثناء بحيث جعل منه بعدا أساسيا في تفسير اعتقاله و”الزج” به في ملف السلفية الجهادية. تحبل اعترافات روبير أمام الضابطة القضائية، وتصريحاته في قاعة المحكمة، وأخيرا أقواله في الحوار معه، بالكثير من التناقضات التي

ـــــــــــــــ

22- لقد تكررت نفس الرواية مع عبد القادر بلعيرج، المواطن المغربي ذي الجنسية البلجيكية الذي اعتقل في 18 فبراير 2008 بتهمة إدخال السلاح إلى المغرب والتخطيط لعمليات إرهابية، إذ صرح هو نفسه أيضا بأنه كان عميلا للمخابرات البلجيكية منذ عام 1990، حسبما نقلت يومية”لوسوار”(المساء)  البلجيكية يوم 3 مارس 2008، ونقلت تقارير إعلامية بلجيكية عدة أن بلعيرج عمل جاسوسا لصالح المخابرات البلجيكية ضد تنظيمات إسلامية في كل من الجزائر والمغرب وأفغانستان ودول عربية أخرى، وذكرت “لوسوار” نفسها يوم 8 مارس 2008 نقلا عن مصادر أمنية بلجيكية أن بلعيرج قدم للأجهزة الأمنية البلجيكية “معلومات هامة” لعبت دورا في منع حدوث تفجيرات إرهابية في دولة أوروبية، لم تسمها.

23- في الحوار يروي روبير أنه عندما التقى القنصل الفرنسي وتحدث إليه عن الفترة التي قضاها في سجن تمارة السري، رد عليه القنصل” الآن أنت تحت الحماية الفرنسية”.

تعكس الاهتزاز الداخلي الذي أصيب له بعد اعتقاله، ومدى الصدمة التي تعرض لها.

يرى ريشار أن كونه فرنسيا هو الذي دفع السلطات المغربية إلى اعتقاله وحشره في ملف التفجيرات الإرهابية للدار البيضاء في 16 ماي 2003، وهو يؤكد في الحوار بأن الدوائر الأمنية في المغرب أرادت من اعتقاله إرسال إشارة تقول فيها بأن ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة عالمية، وبأن منفذيها ليس من الضروري أن يكونوا فقط من المغرب. يقول:”في رأيي، وهذا تحليلي الخاص، أن بعض الناس يريدون أن يثبتوا أن الإرهاب ليس إنتاجا مغربيا وإنما هناك أجانب ومنهم فرنسيون يأتون بالإرهاب من الخارج، لذلك فإن محاكمتي كانت محاكمة سياسية وليس محاكمة قضائية… فالمسألة هي إظهار أن الإرهاب ليس خصوصية مغربية أمام العالم، ولذلك تم تضخيم ملفي بشكل كبير جدا”.

 

إرسال التعليق