شريط الموت في سلا: حين تصبح الأرواح رهينة الإهمال البنيوي والتقصير المؤسساتي
رصد المغرب / عبد الفتاح الحيداوي
في سيدي موسى، على شريطٍ ساحلي لا يتعدى طوله بضع كيلومترات، تختبئ فاجعة تتكرّر بصمت مميت ، هناك فقدت سيدة أربعينية حياتها اليوم بعد سقوطها من حافة غير محمية على الشريط الساحلي، لتنضم إلى قائمة طويلة من الضحايا الذين التهمهم البحر أو الأرض، لا بفعل القدر، بل بسبب غياب الحماية، وغياب الدولة، والأخطر من ذلك ، غياب أي إرادة للتغيير.
في مجتمعات تقاس حضارتها بمدى صونها لكرامة الإنسان، يصبح وقوع حادث بسبب خلل بنيوي أو إهمال إداري أكثر من مجرد مأساة ، إنها جريمة غير معلنة ، فالموت على شاطئ يفترض أن يكون متنفسا طبيعيا وساحة للراحة النفسية، يحول حياة أسر كاملة إلى مآتم مفتوحة.
كل فقد هنا يعري هشاشة العلاقة بين المواطن ودولته ، فهل نحن في وطن يصون الحياة؟ أم في مساحة جغرافية يترك فيها الفرد وحيدا في مواجهة الأخطار؟
فإذا ما تجاوزنا المشاعر إلى معطيات الواقع، فإن الكارثة الحقيقية تكمن في أن السلطات تعرف وتدرك تماما طبيعة الخطر ، هذا الشريط الساحلي ليس مكانا نائيا ولا بقعة معزولة عن أعين المسؤولين؛ بل هو نقطة مركزية ذات حركية عالية.
ومع ذلك ، لا وجود لإجراءات وقائية واضحة ،ولا حواجز ، و لا علامات تحذيرية ، ولا دوريات دائمة ، هنا نطرح سؤالا جوهريا ، فإذا كانت السلطة تعلم، وتملك القدرة على التدخل، فما الذي يمنعها؟ هل هو انعدام الإرادة السياسية؟ أم خلل في منظومة المحاسبة؟ أم هو الاستهتار المزمن بأرواح “الناس العاديين”؟
و من زاوية قانونية، فمسؤولية الدولة واضحة ، لأن حماية الأرواح في الفضاءات العامة ليست خيارا ، بل التزام قانوني صريح ، فالفصل 21 من الدستور المغربي ينص على الحق في الحياة والسلامة الجسدية، والدولة مسؤولة عن ضمان ذلك ، ووفقا لهذا المبدأ، لأن كل تقصير في اتخاذ تدابير الحماية يعد إخلالا بمسؤولية الدولة، ويستوجب المتابعة القضائية.
وعندما تتكرر الحوادث في نقطة بعينها، فإن هذا يرفع الواقعة من مستوى “الصدفة المؤسفة” إلى مستوى “الإهمال الجسيم” ، فغياب الحواجز وعدم تحذير المواطنين يعد إخفاقا في الالتزام بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالسلامة العامة، وقد يرتقي إلى مستوى المسؤولية الجنائية في حالات الوفاة المتكررة.
ومن التوصيات العملية ، هناك وجب التحرك من حالة الإنذار إلى الفعل والتطبيق ، فالتحرك المطلوب لم يعد ترفا أو مقترحا ، بل هو ضرورة عاجلة ، كالتحقيق القضائي ، و فتح ملف قضائي شامل لتحديد المسؤوليات ، بدءا من الجماعة المحلية إلى السلطات الإقليمية.
ومن الحلول الهيكلية ، بناء حواجز حديدية وقائية على طول الشريط، وتحديث البنية التحتية ، وكذلك التوعية الجماهيرية ، كإطلاق حملات إعلامية لتحذير السكان والزوار من مخاطر المنطقة ، ولا ننسى ربط المسؤولية بالمحاسبة ، وذلك بتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة ومحاسبة كل من تهاون في حماية الأرواح.
إن شريط الموت في سلا ليس مجرد نقطة جغرافية؛ إنه مرآة فاضحة لخلل بنيوي في علاقة الدولة بمواطنيها ، لأن الأرواح التي تفقد هناك تستصرخ ضمير الدولة والمجتمع على حد سواء ، وإذا لم تتحول هذه الفواجع إلى لحظة صحوة جماعية، فسيظل البحر يبتلع الضحايا، وسنظل نكتفي بالبكاء على الأرواح حين يفوت الأوان.
إرسال التعليق