آخر الأخبار

صفقة “الـ80 مليون” بمقاطعة اليوسفية… حين يتحول المال العام إلى غنيمة انتخابية

صفقة “الـ80 مليون” بمقاطعة اليوسفية… حين يتحول المال العام إلى غنيمة انتخابية

رصدالمغرب / نعيم بوسلهام


في مشهد جديد يكرس العبث المالي ويفضح هشاشة الحكامة المحلية، تفجّرت بمقاطعة اليوسفية بالرباط فضيحة صفقة اجتماعية مشبوهة، قُدّرت قيمتها بـ 80 مليون سنتيم، بعدما تم تحويلها من مخصصات موجّهة للأسر المعوزة إلى جمعيات محدودة يُثار حولها أكثر من سؤال. الفضيحة التي دوّت في أروقة المقاطعة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت كنتيجة طبيعية لمنطق “الزبونية الجمعوية” وغياب أدنى شروط الشفافية في تدبير المال العام.

فبحسب معطيات دقيقة نشرتها جريدة الأخبار، تم توزيع المبلغ المذكور على جمعيتين لذوي الاحتياجات الخاصة ومؤسستين تستفيدان أصلًا من دعم مجلس العمالة ومجلس المدينة، في تجاوز صارخ لمبدأ تكافؤ الفرص، وإقصاء متعمّد لعشرات الأسر الفقيرة التي كانت تنتظر نصيبها من الإعانات الاجتماعية. الأخطر من ذلك أن العملية تمت دون علم أو استشارة مستشاري المقاطعة، ما يكشف عن نهج انفرادي في التسيير، يضرب في العمق روح الديمقراطية المحلية ويحوّل العمل الجماعي إلى ملكية خاصة.

لكن ما يزيد الملف تعقيدًا هو أن إحدى الجمعيات المستفيدة يرأسها شخص يُعرف في كواليس العاصمة بـ “عرّاب المنتخبين”، وهي تسمية تختزل شبكة العلاقات والمصالح التي تربط بعض الفاعلين الجمعويين بمنتخبين ومسؤولين داخل المجالس المحلية. الأمر هنا لم يعد مجرد “خطأ إداري” أو “سوء تقدير”، بل هو ترتيب مدروس يعكس رغبة في توجيه الدعم العمومي لخدمة أجندات محددة مع اقتراب نهاية الولاية الانتدابية الحالية.

مصادر من داخل المجلس لم تُخفِ استياءها، معتبرة أن ما وقع يشكل استغلالًا سياسيًا للعمل الاجتماعي، ويمثل نموذجًا فجًا لما يمكن تسميته بـ “الريع الجمعوي”، حيث تتحول الإعانات العمومية إلى أداة انتخابية مقنّعة بدل أن تكون وسيلة لتخفيف المعاناة عن الفئات الهشة. فهل نحن أمام تضامن اجتماعي حقيقي أم أمام توزيع “هبات انتخابية” مغلفة بشعارات إنسانية؟

النتيجة المأساوية لهذه الصفقة، وفق ذات المعطيات، كانت إقصاء أكثر من 150 أسرة معوزة سبق أن استفادت من برامج الدعم الاجتماعي بالمقاطعة، من بينها مبادرة “ختان الأطفال” التي كانت تُدرج سنويًا ضمن أنشطة القرب الموجهة للأسر محدودة الدخل. حرمان هؤلاء دون مبررات واضحة ليس مجرد إخلال إداري، بل جريمة أخلاقية وسياسية في حق ساكنة تنتظر من مؤسساتها المحلية الإنصاف لا التلاعب.

في المقابل، يُطرح سؤال جوهري حول غياب لجنة تقييم أو مسطرة شفافة لاختيار الجمعيات المستفيدة: من يقرر؟ وبأي معايير؟ وهل يمكن لمجلس يدّعي خدمة الساكنة أن يوزع أموالها بهذه العشوائية؟

الجواب، على ما يبدو، يكمن في الصورة الأوسع: منظومة دعم عمومي مثقوبة تفتقر إلى المراقبة، وتُستغل فيها الجمعيات كجسور سياسية وأذرع انتخابية. حين تُحجب المعطيات عن المستشارين، وتُمنح الأموال لمقربين دون محاسبة، فذلك يعني أن العمل الجمعوي فقد روحه، وتحول إلى سوق مغلق تديره المصالح.

إن ما حدث باليوسفية ليس حادثًا عرضيًا، بل هو عرض من أعراض مرض أعمق ينخر بنية التدبير المحلي في عدد من المقاطعات المغربية، حيث تتقاطع المصالح السياسية مع الحسابات الانتخابية في غياب آليات الرقابة والمساءلة. لذلك، فإن دعوات المستشارين إلى فتح تحقيق شفاف ليست كافية ما لم تواكبها إرادة حقيقية من السلطات الوصية لتطهير المشهد المحلي من عبث “العلاقات الرمادية” بين المنتخبين وبعض الجمعيات التي تحولت إلى أدوات انتخابية بلبوس خيري.

في النهاية، تبقى هذه الصفقة المشبوهة جرس إنذار آخر يقرع بقوة، ليذكرنا بأن المال العام ليس غنيمة تُوزع على المقربين، وأن العمل الاجتماعي ليس واجهة لتلميع صور انتخابية باهتة. وما لم يتم القطع مع هذه الممارسات، فإن “الشفافية” ستظل مجرد شعارٍ جميل يُرفع في الخطابات، بينما تُنهب الإعانات في صمتٍ تحت غطاء “العمل الإنساني”.

إرسال التعليق