
“صناعة العدو” تفكيك البنية النفسية والثقافية للعدائية في الفكر السياسي المعاصر
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
تشكل “صناعة العدو” إحدى أهم آليات إنتاج الهوية الجماعية، حيث توظف صورة “الآخر” المختلف أو المخالف، كعنصر تهديد يوحد الذات ويبرر ممارسات سياسية أو عسكرية بعينها، حيث ينطلق تزفيتان تودوروف في كتابه “صناعة العدو” من تحليل نقدي لآليات تمثل العدو، مركزا على البعد النفسي والثقافي لهذه الظاهرة، ومحذرا من استخدامها لتقويض الحريات وتعزيز السياسات الاستبدادية.
فكيف تبنى صورة العدو في المخيال الجمعي؟ وما هي الأبعاد النفسية والسياسية التي تجعل من الآخر المختلف تهديدا وجوديا؟ وهل يمكن تجاوز هذه الصناعة نحو رؤية أكثر إنسانية للعلاقات بين الشعوب والثقافات؟
ولتفكيك البنية النفسية والثقافية لصناعة العدو، لابد من تحليل توظيف هذه الصناعة في السياقات السياسية الغربية، وإبراز خطورة منطق “نحن/هم” على قيم التعايش والسلام.
أولا: هناك مفهوم العدو وتكوينه الرمزي حيث يرى تودوروف أن العدو لا يختزل في كيان مادي يهدد الوجود، بل يتشكل في غالب الأحيان ضمن الفضاء الرمزي والذهني للمجتمعات، ويستخدم هذا العدو لتحديد الهوية، ورسم حدود الذات، وتبرير سلوكها السياسي أو الاجتماعي.
ثانيا: صناعة العدو في السياق الأوروبي، حللها المؤلف تاريخيا من خلال استراتيجيات شيطنة الآخر، بدءا من الاستعمار وما رافقه من تسويغ أخلاقي لاحتلال الشعوب، مرورا بالحروب الأيديولوجية بين الليبرالية والشيوعية، وصولا إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
ثالثا: ما بعد الشيوعية وصعود الإسلاموفوبيا، يعني بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وجدت القوى الغربية نفسها أمام “فراغ عدائي”، سرعان ما ملأه الخطاب المناهض للإسلام، حيث يبرز تودوروف هنا كيف تحول الإسلام -بوساطة الإعلام والخطاب السياسي- إلى العدو الجديد، في إطار ما سمي بـ”الحرب على الإرهاب”.
رابعا: هناك نقد سياسي وأخلاقي لصناعة العدو، بحيث أن الكاتب يشدد على أن العدو المختلق يستخدم لتبرير السياسات القمعية والحروب، كما يعزز الانغلاق القومي والثقافي، ويؤكد على أهمية تجاوز هذا المنطق من خلال إرساء قيم التفاهم والحوار.
كل تلك الاشكالات تجعل أطروحة تودوروف تكشف عن دينامية معقدة في تشكيل صورة العدو، حيث تتقاطع الأبعاد النفسية والثقافية مع المصالح السياسية، مبرزا بذلك أن الخروج من هذه البنية يتطلب وعيا نقديا بالخطابات المهيمنة، واعترافا إنسانيا بوجود الآخر واختلافه.
إرسال التعليق