ظاهرة انحدار القيم في المغرب: الأسباب والتداعيات

آخر الأخبار

ظاهرة انحدار القيم في المغرب: الأسباب والتداعيات

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

 

في المغرب، كما في العديد من المجتمعات، تبرز اليوم ظواهر اجتماعية تنم عن تراجع قيمي مقلق، خاصة في تعامل الناشئة مع المقدسات مثل الذات الإلهية والوالدين، وفي فقدان الاحترام للكبار والمعلمين. هذه الظواهر كانت شبه منعدمة في الأجيال السابقة، مثل جيل الستينيات والسبعينيات، حيث كان للمربين والمعلمين هيبة كبيرة، وكان الجيران شركاء في التربية. فما هي أسباب هذا التحول؟ وما العوامل التي ساهمت في تفكك هذه الركائز الاجتماعية؟

فهناك تدهور المنظومة التربوية وتهميش دور المعلم في السابق، كان المعلم يعتبر شريكا أساسيا للأسرة في تربية الأطفال، وكانت المدرسة تحظى باحترام المجتمع. لكن اليوم، أصبح التعليم يعاني من إهمال الحكومات المتعاقبة، التي لم تضع سياسات تربوية متكاملة تحافظ على مكانة المدرسة كفضاء للتعلم والتهذيب. بل إن النظام التعليمي صار يركز على الكم بدل الكيف، مما أفقد المدرسة دورها التربوي.

كما أن المعلم تعرض للتهميش، والسبب أن هذا المعلم لم يعد يتمتع بالهيبة القديمة، بل أصبح عرضة للتنمر والاعتداءات الجسدية واللفظية، حتى وصل الأمر في بعض الحالات إلى الاعتداءات بالضرب أو القتل ، وكل هذا الانحدار يعكس أزمة ثقة بين الأسرة والمدرسة، حيث لم يعد الأهل يحترمون دور المدرس، بل يتدخلون أحيانا ضده بدل تأديب أبنائهم.

وهناك تفكك الروابط الاجتماعية وغياب دور الجار ، ففي الماضي، كان الجيران يشكلون عائلة ممتدة، يتشاركون في التربية والمناسبات والأفراح والأتراح. كان الكل يهتم بأبناء الحي، ويوجههم إذا أخطؤوا. أما اليوم، فقد دخلت النزاعات المادية والنفسية بين الجيران، وأصبحت العلاقات الاجتماعية تعاني من الجفاء والقطيعة. لم يعد الجار يثق بجاره، ولم يعد هناك ذلك التكافل الذي كان يضمن مراقبة أخلاقية للأطفال.

وأيضا هناك تأثير الإعلام والبرامج التلفزيونية ،  لأنه في العقود الماضية، كانت البرامج التلفزيونية المغربية تلتزم بخط تربوي، وتعزز القيم الأصيلة، مثل احترام الكبار والتضامن بين أفراد المجتمع. أما اليوم، فأصبحت الشاشات تعرض محتويات لا تراعي الخصوصية الثقافية، بل تروج لنمط استهلاكي فرداني، وتقلل من شأن الموروث الأخلاقي. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي أصبحا مصدرا للقيم السلبية، حيث يكتسب الشباب سلوكيات عدوانية أو غير محترمة دون رقابة.

وزد على كل ذلك ، فهناك غياب القدوات الأخلاقية وضعف التربية الأسرية ، لأن الأسر المغربية اليوم تعاني من انشغال الوالدين بالعمل وقلة الوقت المخصص لتربية الأبناء. كما أن بعض الآباء والأمهات تخلوا عن دورهم التربوي، إما بسبب الانشغال بالحياة المادية، أو بسبب جهلهم بأساليب التربية الحديثة. فضلا عن ذلك، لم يعد الشباب يجدون نماذج يقتدى بها في المجتمع، سواء على مستوى السياسة أو الفن أو حتى الدين، مما خلق فراغا قيميا خطيرا.

ورغم أن ما يقال كثير ، إلا أن الحال يبقى مطروحا ويزيد سوءا  فهل من حلول؟ لأن معالجة هذه الظاهرة تتطلب إعادة النظر في السياسات التربوية، وإعادة الاعتبار للمدرسة كمؤسسة تنشئة اجتماعية. كذلك تقوية الروابط الأسرية والاجتماعية، وإحياء قيم التكافل بين الجيران،  يمكن أن يساهما في استعادة جزء من الأخلاقيات المفقودة. كذلك، يجب على الإعلام أن يلعب دورا إيجابيا في تعزيز القيم بدل هدمها.

فالمجتمع المغربي، برغم التحديات، ما زال يحمل في طياته خيرا كثيرا، لكنه يحتاج إلى صحوة جماعية تعيد الاعتبار للتربية وللقيم التي كانت تميزه عن غيره.

تعليق واحد

comments user
علال الصغير

إن التحليل التاريخي والسوسيوثقافي للمجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة (على الأقل) يجعلنا نقر بأن المجتمع المغربي عرف،ويعرف،انتقالات عنيفة من مجتمع تقليدي تحكمه قيم محافظة ودينية وجماعية متضامنة،إلى مجتمع”معاصر” تحكمه قيم ليبيرالية رأسمالية(لكن مع الأسف في شكلها المتوحش) “الغاية تبرر الوسيلة” ولو كان ذلك على حساب الضوابط والمعايير المشروعة وغير المقبولة أخلاقيا، وتحقير العمل المشروع وقيم الاستحقاق والكفاءة والمسؤولية ،تفشي الثقافة المادية التملكية و الجسدوية اللذوية الغرائزية،و الاستلاب الاستهلاكي وتسليع المجتمع والعلاقات الإنسانية،تسطيح الوعي والعلم، الفساد السياسي والاقتصادي، تفكيك بنية الأسرة التقليدية ومفهوم الجماعة في الثقافة والمجتمع التقليديين إن هذه القيم الليبيرالية الرأسمالية المتوحشة تم ويتم ترسيخها عبر عدة وسائل ومؤسسات التنشئة المجتمعية والعمومية،التي لها تأثيرات دائمة وخطيرة على الفرد والمجتمع (وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التلفزيون، الفضائيات، الانترنيت، الأغاني، السنما…)،مما يجعل دور الأسرة والمدرسة يبقى ضعيفا أمام هذه الآلات الدعائية والتنشئوية الضخمة التي تصنع التمثلاث والاتجاهات والأذواق والقيم والسلوكيات في مجتمعاتنا المعاصرة،والتي تقف وراءها مصالح اقتصادية /أو سياسية لديناصورات وتماسيح ضخمة كما سماها بن كيران(مرئية او مخفية) لا يهمها سوى الربح بأي ثمن،وجعل الأفراد والجماعات الإنسانية مجرد “آلات حيوانية” يتم التحكم فيها عن بعد أو قرب

إرسال التعليق