
عائد من المشرحة(الحلقة الخامسة)”إعدام الكوميسير ثابت ”
رصد المغرب/احمد الحو
السيد محمد مصطفى ثابت المدعوبــــ الكومسير الحاج ثابت، كان يشغل منصب رئيس الاستعلامات العامة للأمن الوطني بالحي المحمدي بالدار البيضاء، وبعبارة أخرى فهو كان المسؤول الأمني عن معتقل درب مولاي الشريف السيئ الذّكر، التابع لنفس المنطقة،وبذلك فهو يدخل في المجال الترابي التابع له.وكانت تناط به مهام أمنية وطنية غاية في الأهمية من قبيل الإشراف المباشر على وضع الشيخ عبد السلام ياسين تحت الإقامة الإجبارية بسلا. كان متزوجا بامرأتين وله من الأبناء خمسة، وعرف عنه أنه، منذ نعومة أظافره، يحفظ القرآن عن ظهر قلب،وكان يحرص على أداء الصّلاة بالمسجد،كماأدّى مناسك الحج عدة مرات. بدأت ذيول قضية الكومسير تابت تتكشف في سنة 1990 عندما تقدمت سيدة بشكاية لدى مصالح الأمن بالحي المحمدي، تتهم فيها شخصا باستدراجها وبرضاها إلى شقة خاصة،لكنّها اكتشفت أنه كان يسجل كل ممارساته الجنسية معها. وبعد فتح تحقيق في الأمر من طرف شرطة حي المحمّدي، تبين أن الجاني ليس سوى رئيسهم السيد ثابت، مما حدا بهم إلى محاولة طمس القضية و التستر عن الأمر عبر محاولة إجراء الصلح بين الطرفين… وستأخذ القضية منحى تصاعديا عندما رأى أحد الشخصيات النافذة بالمهجر شريطا إباحيا، ليكتشف فيه أن أخته كانت من ضمن النساء اللواتي يظهرن في أوضاع مخلة بالحياء في الشريط، ليتم إبلاغ الراحل الملك الحسن الثاني بالأمر، الذي أمر رجال الدرك بالتحقيق في النازلة. وقد صرح الملك الراحل وقتئذ أنه يعرف كل الشخصيات المتورطة،لتُظهر التحقيقات أن المدعو الحاج ثابت كان يتوجه نحو المدارس والثانويات والكليات وبالشارع العام، ويعرض على ضحاياه مرافقته في سيارته والذهاب معه إلى شقته الخاصة بشارع عبد الله ياسين بالدار البيضاء.كثيرات من كنّ يمارسن الجنس معه برغبتهن،وأخريات كان يجبرهن على ذلك. كما انه كان في بعض الأحيان يمارس الجنس مع الأم وبنتها في سرير واحد. والغريب أنه واصل ممارسة مغامراته الجنسية رغم الشكاية المقدمة ضده في سنة 1990، لتستمر ثلاث سنوات بعد ذلك؛ مما يطرح سؤالا محيّرا: من كان يحمي مغامراته الجنسية وهو يتقلد مسؤوليات كبرى في جهاز الأمن؟خصوصا أنه كان يسجل كل ممارساته الشاذة مع ضحاياه، وقد تم العثور بشقته على أزيد من 118 شريطا مصورا توثق لمشاهد جنسية لأزيد من 1600 امرأة وقاصر. وقد كان يوثقها ويحتفظ بها في شقته، ويجعل منها تجارة تذر عليه الأرباح الجمة، والمثير أن الاشرطة قد تم استبعادها من النازلة وكان يحتج عن أسباب عدم إثباتها في المحاضر المنجزة، وظل المتهم يطالب بعرضها خلال المحكمة؛وخصوصا الشريطين رقمي 24 و 32. وحسب شهود عيان فقد كان يصيح أثناء إعدامه:أين هي الأشرطة المستبعدة من التحقيقات؟ويقال أنها كانت تشمل فضائح لشخصيات سياسية بارزة في البلاد صورها الجاني لابتزازها. ولا يخفى على أحد أن الأجهزة الأمنية تسجل العديد من فضائح الشخصيات النافذة وتحتفظ بها،بغية شراء صمتها ورفع الورقة الحمراء في وجهها إذا تجرأت على الاحتجاج على الأوضاع السياسية…
توبع الحاج ثابث ومن معه بترسانة من التهم على رأسها تهم الاغتصاب والاحتجاز والاتجار في البشر والفساد والخيانة الزوجية. وقد صرح أمام المحكمة انه تعرض للتعذيب الوحشي، وانه يُحاكم من أجل أفعال يقوم بها الجميع. وكان يطالب أثناء الجلسات بان يعرض على طبيب مختص مرددا بالحرف أمام القاضي:أريد أن يتيقّن أبنائي أن ماقمت به ليس عن طيب خاطر أو بإرادتي،بل لأنني شخص مريض. كما كانت ابنته بالمهجر تبكيه بحرقة، وتشهد أن أباها كان من أحنّ الناس وأطيبهم…وفي ليلة 15 مارس 1993 أصدرت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء حكم الإعدام في حقه وأحكاما في حق ثلاثة عُمداء شرطة وبعض الأطباء والمدنيين. وقد توبعوا بتهم كسر الأختام والتّستّر على جرائم وخيانة الأمانة، وتراوحت الأحكام بين العشرين سنة والخمس سنوات. وكانت آخر كلمة له أمام المحكمة صرّح فيها: أن جنِّيا أحمرا يسكنه يُحوّل له الألوان إلى لون أحمر، وان ذلك الجني هو من كان يمارس الجنس العنيف على ضحاياه، وقد برر لجوءه إلى التصوير بأنه كان يريد التعرف على الجني الذي كان يسكنه. والغريب أن المحكمة أصدرت قرارا بإتلاف الأشرطة المسجلة بسرعة،دون انتظار ممارسة الجاني لحقه في الطعن.
في زوال يوم 15غشت 1993، كنت شاهد عيّان على أول حالة تنفيذ حكم إعدام في حياتي. وبما أنني كنت بمصحة السجن في فترة النقاهة بعد إضراب طويل عن الطعام، فقد لمحت وأنا قريب من مدخل باب المصحة جمعا غفيرا من الحراس يقودون االعميد الممتاز ثابت من داخل حي “دال” وهو الحي المقابل لحي المصحة وهو مخصص للعزلة. وقد وضع فيه الحاج ثابت لعزله تماما عن كل السجناء، إلا أن بعض رفاقي تمكن من الحديث معه داخل الحي المذكور أياما قبل إعدامه.لقد كان الرجل دائم الصّلاة، وعندما سُئل: كيف تصلّي وقد قمت بكل جرائم الاغتصاب البشعة؟ فكان يجيب انه فعلا مذنب، لكن لم يكن لوحده ويختم حديثه بهذه الآية“إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء“. في زوال يوم شديد الحر لمحته وهم يحملونه إلى حتفه. كان من عادته كلما نودي عليه للزيارة أن يمشي بخُيلاء وعنجهّية،قاسيّ النظرة قوي الشكيمة،لكنه في يوم إعدامه كان لا يكاد يمشي على رجليه و يكاد يسقط رغم قوة بنيته، ولم يصدق كل ما قيل له عن أن الأمر لايعدو أن يكون مجرد تنْقيل روتيني. أحسست يومها كأني أنا المساق إلى الموت، لا أكاد أشم إلاّ رائحتها من حولي، لم يعد بعد ذلك اليوم أمان، فقد أعدم يوم عطلة أسبوعية وهو يوم الأحد، وفي عِزّ النّهار،وهو ما يعني أن الموت لم يعد زائرا منتظرا في الليل فقط ، بل أيضا في عز النهار،ولم يعد الإعدام خاصّا فقط بقاطني حي الإعدام، بل يكفي أن تكون محكوما بالإعدام ولا يهمُّ أي حيّ سجن تقطنه. وحتى في أوقات الرّاحة والعطل كانت الحركة تتوقف في أيام السبت والآحاد وفي العطل ومع سكون الحركة تهدأ النفوس. لكن بعد إعدام الحاج ثابت ،انقلبت كل المعايير،بل إنه حتى مزاعم أن المغرب الذي لم يعد ينفذ عقوبة لإعدام بعد سنة 1981 قد تبخرت، فعاد الموت يرفرف علينا بأجنحته بقوة وأكثر مما مضى. ومرّت علينا ليال وشهور قاسية،حيث إنه بعد إعدام الكومسير المذكور، لم يعد للنوم أو الأكل طعم، فكلّ الآمال تبخرت وأصبح الموت قريبا بعد أن كان بعيدا عن حي الإعدام وعن المحكومين بهذه العقوبة…
وُوري جثمان الحاج ثابت الثرى بمقبرة الرحمة بالدار البيضاء، وقد مُنعت عائلته بالقيّام بمراسيم الجنازة، وكُلِّفت بذلك عناصر الدرك الملكي. أما زوجاته وأبناءه فقد تعرضوا لأبشع المضايقات والممارسات،حيث طردوا من السكن الوظيفي وتُركوا بلا مأوى،وتم الحجز على أموالهم وممتلكاتهم، وحُرموا من تقاعده خصوصا أنه كان يشتغل بسلك الأمن لمدة تجاوزت الثلاثين سنة، وأيضا حرموا من التّأمين على الحياة الذي كان يؤديه، بل زعم خصومه رفاق الأمس أنّه كان يملك الملايير، ولما افتحصوا حسابه البنكي لم يجدوا سوى بضعة ملايين تعد على رؤوس الأصابع.
إرسال التعليق