
عملية شبكة العنكبوت الأوكرانية توجه أعمق ضربة في قلب روسيا وتعيد رسم معادلة الردع
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في اختراق غير مسبوق في العمق الروسي، وهو سابقة لم يشهدها التاريخ الحديث منذ الغزو المغولي لروسيا، نفذت أوكرانيا في الأول من يونيو 2025 عملية عسكرية نوعية سميت بعملية “شبكة العنكبوت”، استهدفت خلالها خمس قواعد جوية استراتيجية داخل العمق الروسي، من بينها قاعدة “بيلايا” في سيبيريا، على بعد أكثر من 4,300 كيلومتر من الحدود الأوكرانية، حيث هذا الاختراق الجغرافي غير المسبوق لم تبلغه حتى أعظم الغزاة التاريخيين كـنابليون وهتلر، وهو ما يضع العملية في مصاف التحولات الاستراتيجية الكبرى.
فهذه العملية تميزت باستخدام تكتيك مبتكر تمثل في تهريب الطائرات المسيرة داخل أسقف أكواخ خشبية نقلتها شاحنات إلى محيط القواعد الجوية الروسية، لتطلق بعد ذلك عن بعد، في خطوة تعكس تطورا نوعيا في تكتيكات الحرب الأوكرانية، واختراقا أمنيا ولوجستيا معقدا.
وأما بالنسبة للخسائر والتأثير العسكري، فقد أسفرت العملية عن تدمير أو تعطيل أكثر من 40 طائرة عسكرية، بينها قاذفات استراتيجية من طراز Tu-95 وTu-22M3، بالإضافة إلى طائرات الإنذار المبكر A-50، أي ما يعادل نحو 34% من أسطول القاذفات الاستراتيجية الروسية، حيث قدرت الخسائر المادية بنحو 7 مليارات دولار، ما يشكل ضربة قوية للبنية التحتية العسكرية الروسية، وتحديدا لقدرات الردع النووي الروسي التي تتكئ على هذا النوع من القاذفات.
وأما التداعيات الاستراتيجية، فقد تم اختراق استخباري وتشويش في معادلة الردع، بحيث أن العملية كشفت عن هشاشة غير متوقعة في الدفاعات الجوية الروسية، لاسيما في التصدي للطائرات المسيرة، إلى جانب ضعف في الأجهزة الاستخبارية التي عجزت عن رصد أو إحباط عملية استغرقت قرابة عام ونصف من التحضير.
وبينما لم تعلن كييف رسميا عن تلقيها دعما مباشرا، فإن دقة العملية وتنسيقها المعقد يفتح الباب أمام فرضيات مشاركة استخباراتية غربية، خصوصا وأن العملية استهدفت جانبا حيويا من “الثالوث النووي الروسي”، الأمر الذي يخلخل ميزان الردع التقليدي لصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ولذلك فبعد عملية “شبكة العنكبوت”، هناك أوراق تفاوض جديدة، فقد تزامن الهجوم مع انطلاق محادثات وقف إطلاق النار في إسطنبول، مما ألقى بظلاله على مسار المفاوضات، حيث أظهرت أوكرانيا موقعا تفاوضيا أقرب إلى المنتصر، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس فولوديمير زيلينسكي الذي رفع سقف مطالبه، من ضمنها انسحاب روسي من أراض تحت سيطرتها، وهو مطلب لا يطرحه عادة إلا طرف يشعر بثقة ميدانية ومكاسب استراتيجية واضحة.
لحظة مفصلية في الحرب
وعملية “شبكة العنكبوت” ليست مجرد ضربة عسكرية، بل هي لحظة مفصلية في الحرب، وهي أيضا نقطة تحول في الحرب الأوكرانية الروسية، حيث تعيد رسم حدود الصراع ومفاهيم الردع، لأن روسيا باتت مكشوفة في عمقها، وأوكرانيا أثبتت أنها قادرة على خوض معركة استراتيجية لا تقتصر على الدفاع، بل تمتد إلى قلب العدو.
إرسال التعليق