عندما تتعثر المصالحة بين الحكم المدني والعسكري في الجزائر

آخر الأخبار

عندما تتعثر المصالحة بين الحكم المدني والعسكري في الجزائر

رصد المغرب / عبدالكبير بلفساحي


في خضم الخطابات السياسية التي تعج بها المنطقة المغاربية، تبرز سياسة “اليد الممدودة” التي أطلقها الملك محمد السادس اتجاه الجارة الجزائر، كواحدة من أكثر المبادرات إثارة للجدل والتأويل، حيث ما يثير الانتباه أكثر، ليس مضمون المبادرة المغربية في حد ذاتها، بل الانقسام الداخلي الذي كشفت عنه هذه الدعوة داخل دوائر الحكم في الجزائر، لا سيما بين الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة.

المغرب عبر خطابات الملك المتتالية، تبنى لغة فيها الكثير من الواقعية السياسية والحرص على عدم التصعيد، مذكرا بأواصر التاريخ المشترك بين الشعبين، ومؤكدا على أن الخلافات ليست قدرا، ومع ذلك تبقى الجزائر الرسمية صامتة أو رافضة لهذا النداء، مما يضعنا أمام سؤال محوري، وهو هل ترفض الدولة الجزائرية الحوار؟ أم أن هناك أكثر من “دولة” في الدولة؟

من يتابع الخطاب السياسي للرئيس تبون، يلاحظ محاولة جادة لتلميع صورة مدنية للدولة، والانفتاح على الداخل والخارج بمصطلحات مثل “المصالحة”، و”اليد الممدودة”، وحتى “الجزائر الجديدة”، ولكن على الأرض، لا يبدو أن تبون يمتلك هامش الحركة الذي يتيحه له الدستور، لأن الرجل محاط بظلال الجنرالات، وعلى رأسهم شنقريحة، الذي بات ينظر إليه باعتباره “صانع القرار الفعلي”، لا سيما في الملفات السيادية مثل الأمن والدبلوماسية.

شنقريحة لم يرفض مبادرة تبون بشكل علني، لكنه أعاد توجيهها باتجاه “المصالحة الداخلية” بدلا من الاستجابة للنداء المغربي، حيث هذا التحريف ليس بريئا، لأنه يعكس قراءة أمنية مغلقة للوضع الإقليمي، و ينظر إلى كل يد ممدودة على أنها فخ سياسي أو محاولة للهيمنة الناعمة.

وبين رغبة تبون في إظهار انفتاح وهمي، ورفض شنقريحة لأي اختراق في جدار الانغلاق الأمني، تبدو الدولة الجزائرية وكأنها تعيش شللا مؤسساتيا، يحول دون أي تحول حقيقي في مسار العلاقات المغاربية، لأن الوضع الحالي لن ينجح أي مبادرة تقارب، سواء كانت من المغرب أو من داخل الجزائر، إذا بقيت القيادة الجزائرية أسيرة ازدواجية القرار.

فالرئيس بلا سلطة تنفيذية فعلية، والعسكر لا يثقون في السياسة كآلية للتفاوض، بل يفضلون “توازنات الردع”، والنتيجة هي شعوب تنتظر الانفراج، ونخب تتحاور مع ذاتها في فراغ سياسي خانق، لأن “اليد الممدودة” ليست فقط مبادرة مغربية، بل هي مرآة تعكس هشاشة النظام الجزائري في صيغته الراهنة.

وبين رئيس يحاول أن يمسك بالخيط، وجنرال يشد الحبل إلى الوراء، تضيع فرص التقارب، ويزداد الشرخ بين شعبين تجمعهما اللغة والتاريخ، وتفرقهما السلطة والسلاح.

إرسال التعليق