
عندما تنطلق الحرب النووية، تذكر22 أبريل 2025 (الجزء الأول)
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
ما بدأ هكذا في كشمير بطلة القصة قد يكون آخره الفناء ، وينتهي هكذا في سماء آسيا كلها ابتداء من الهند وباكستان ، وهذه الأخيرة تشير المحاكاة والنبوءة إلى أنها ستكون أول من يطلق صاروخا ، فضربة نووية من إسلام آباد صوب نيودلهي ، فهذان خصمان شرسان يحملان بين أيديهما مفاتيح الفناء، بما يقارب حوالي 300 رأس نووي تتوق إلى الإنطلاق ،حيث يطلقون العنان لها لتنهي شكل الأرض كما نعرفها، فهناك في زمن يسود فيه الخوف على الأرض، وهناك يكسر الصمت المخيف بأصوات الاشتباكات والقصف على حدود الجارتين المتخاصمتين.
فقريبًا ربما تتصاعد غيوم سوداء على شكل فطر قاتل فوق آسيا، ومن المحتمل هنا بين الهند وباكستان، سيرتفع صوت الأسلحة النووية وتنتشر الخطوط الحمراء، فلسنا بصدد احتمال بعيد، بل كابوس يتبلور تدريجيا نحو لحظة النهاية، فالأمر لا يحتاج إلا لخطأ بسيط في ظل استمرار تصعيد حرب الاشتباكات والقصف.
فالهجمات وقطع مياه الأنهار والانجراف نحو الشعور بالتهديد الوجودي لكل منهم وما يترتب على ذلك من إعلان حرب من شأنه أن يعيد ضبط العد التنازلي لنهاية العالم، و قبل الخوض في التفاصيل ، سنناقش سيناريو ومحاكاة حرب نووية بين باكستان والهند، وقوة جيشي البلدين، وندرس الأسباب التاريخية لذلك.
فالعداء رمزيته كشمير، بالإضافة إلى حرب المياه المتمثلة بمياه نهر السند، التي بدأت الهند تستخدمها سلاحا لتعطيش باكستان وإخضاعها، و قبل كل هذا، لا بد من الحديث قليلا عن منطقة كشمير,
فأصل القصة والقنبلة الموقوتة التي لا تنفك تدق بين الهند وباكستان، هو لطالما كانت هذه المنطقة الجبلية موضع نزاع ومطلبا مصيريا لكل من الهند وباكستان ، حتى تحولت إلى بؤرة صراع إقليمي عنيف بين البلدين لأكثر من 70 عاما، مما حول كشمير إلى واحدة من أخطر بؤر التوتر في العالم، لذلك نرى كيف يفصل خط السيطرة بين المنطقتين.
فتحت سيطرة نيودلهي وإسلام آباد، تشكل هذه الحدود الفعلية ، وعلى مدى العقدين الماضيين، خاضت جماعات مسلحة محلية معارك ضد قوات الأمن الهندية ، وذلك لتحقيق مطالب إما استقلال كشمير أو انضمام المنطقة إلى باكستان، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل عشرات الآلاف في أعمال عنف، وعل هذه الوثيرة ، يمكننا أن نعود بالذاكرة عندما اندلعت أعمال العنف قبل أن تسيطر الحكومة الهندية بشكل أكبر على المنطقة في عام 2019 وسط وجود عسكري مكثف وانقطاع الاتصالات لأشهر، لكن كل هذا ليس سوى جزء من الذاكرة الحديثة، ومع ذلك، إذا ضيقنا أسفارنا لرحلة أعمق وأكثر تعقيدا، فسنرى الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لـمنطقة كشمير، المعروفة في الجزء الشمالي من شبه القارة الهندية باسم جامو وكشمير، تحدها الصين شمالا ومنطقة التبت شرقا، وجنوبا تحدها ولاية البنجاب الهندية، بينما تحدها غربا باكستان، محتلةً بذلك موقعا استراتيجيا هاما على حدود هذه الدول النووية الثلاث، حيث تبلغ مساحة المنطقة حوالي 224 ألف كيلومتر مربع، الذي تسيطر الهند على الجزء الأكبر منها والذي يبلغ 48% من أراضيها، تليها باكستان بمساحة سيطرة تصل إلى 35%، في حين تسيطر الصين على17%، وحسب آخر الإحصائيات، يبلغ عدد سكان المنطقة حوالي 13 مليون نسمة، يمثل المسلمون حوالي 90% منهم، أي حوالي 10 ملايين نسمةمسلمون.
وبعد كل ذلك يمكن تقسيم منطقة كشمير إلى ثلاث مناطق رئيسية، هي منطقة تقع في الهند وتسمى كشمير وجامو، وهي المنطقة التي يسكنها أكبر عدد من السكان، ومنطقة تقع في باكستان تعرف باسم كشمير الحرة، بالإضافة إلى منطقة أصغر تقع في الصين تسمى شيامن، حيث لا يتحدث سكان المنطقة لغة واحدة، بل تنتشر فيها لغات عديدة، مثل الهندية والأردية والصينية.
وتعود أصول الشعب الكشميري إلى الأعراق التركية والأفغانية والمغولية، و من الناحية السياسية، ووفقا للقانون الدولي ومراجع الأمم المتحدة، تعتبر منطقة جامو وكشمير ، منطقة متنازع عليها ، فمنذ أن ضمت الهند المنطقة إلى أراضيها في 2 أكتوبر 1947 وفرضت عليها حماية مؤقتة ، وبعد أن تعهدت للشعب الكشميري والأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير، وبالنظر إلى نص قرار مجلس الأمن رقم 47 الصادر في 1948، أكدت على منح الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير من خلال استفتاء حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن بسبب رفض الهند إجراء مثل هذا الاستفتاء، مما يعني اختيار المسلمين الانضمام إلى باكستان، وهذا يفسر الحروب المتتالية بين باكستان والهند حول كشمير.
لنبدأ بـحرب عام 1947، عندما اندلع قتال مسلح بين الكشميريين والقوات الهندية، والذي أدى إلى احتلال الهند لثلثي الولاية، ثم تدخلت الأمم المتحدة في الصراع، وأصدر مجلس الأمن قرارا في 2 غشت 1948، ينص على وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتحديد مصير المنطقة، ومنذ ذلك الحين، ترسخت قناعة المجتمع الدولي تدريجيا بأن الحل الوحيد لقضية كشمير يكمن في تقسيم الأرض بين الهند وباكستان ، فاقترحت الأمم المتحدة أن تضم الأجزاء ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان، خاصة وأنها تشترك مع باكستان في حدود واحدة تقدر بنحو 1000 كيلومتر، بالإضافة إلى انضمام الأجزاء الأخرى ذات الأغلبية الهندوسية التي تترك معها في حدود تبلغ 300 كيلومتر، فبقي القرار حبرا على ورق ولم يطبق على أرض الواقع حتى الآن.
ومع ظهورعام 1965 عادت التوترات بين البلدين، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين الكشميريين، لكن الأحداث خرجت عن السيطرة وتصاعدت بشكل دراماتيكي لتتخذ شكل القتال المسلح بين الجيشين الهندي والباكستاني النظاميين في سبتمبر 1965، لتمتد الاشتباكات على طول الحدود بين البلدين في لاهور وسيالكوت وكشمير وراجستان، ورغم أن الصراع العسكري استمر 17 يوما، لم يحقق منه أي من البلدين نصرا حاسما قبل انتهاء الجهود الدولية بمعاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين.
في أوائل سبعينيات القرن الماضي، استؤنف القتال بين الجارتين، وتجدد نفوذ باكستان بدعمها لمحاولة الهند فصل شرق باكستان آنذاك، وهي بنغلاديش اليوم ، حيث في هذه الحرب كان الميزان العسكري لصالح الهند، مما مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض، الشي الذي غير التفكير العسكري الاستراتيجي الباكستاني وأغرق البلدين في دوامة من التوترات ، أنتج عنه دخول الدولتين في دوامة سباق تسلح.
كان إعلان أن كل دولة تمتلك أسلحة نووية أهم المحطات، خاصة بعد حرب عام 1941، مما أدى إلى انفصال شرق باكستان عن باكستان لتشكيل جمهورية بنغلاديش، و في ذلك العام، دخلت الدولتان في مفاوضات سلمية أسفرت عن توقيع اتفاقية سميت باتفاقية شملا في عام 1972، الذي ينص على أن خط وقف إطلاق النار المتفق عليه بين الهند وباكستان في الأول من ديسمبر 1971، يعتبر خط هدنة بين البلدين بموجب الاتفاقية، فاحتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب عام 1971 في كربلاء وبونش، بينما احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت عليها في منطقة تشامب، ثم أدى سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 إلى تغيير خريطة التحالفات بين الهند وباكستان ، وأدى ظهور حركات التمرد الداخلية في المنطقة وظهور التنظيمات المسلحة المطالبة باستقلال المنطقة عن الهند إلى زيادة حدة التوتر مع ظهور السباق النووي بين نيودلهي وإسلام آباد، حيث لم يخف الجانبان صلة أسلحتهما النووية بما كان يحدث في كشمير.
وبحلول ماي 1998، أجرت الدولتان محادثات متزامنة مع تجارب التفجير النووي، مع أن الهند حصلت على القنبلة النووية قبل باكستان بوقت طويل، ومنذ ذلك الحين، ظل الصراع بينهما محكوما بسقف الردع النووي بينهما ، حيث لم تمر الحروب والتوترات والاشتباكات والهجمات والتفجيرات التي تلتها دون تكلفة بشرية باهظة، إذ تشير الإحصاءات إلى أن ما لا يقل عن 100 ألف كشميري قد لقوا حتفهم ، فقد قُتل خلال العقود الثلاثة الماضية في هذا الصراع، بالإضافة إلى اغتصاب أكثر من 10 آلاف امرأة، في حين قُتل 7 آلاف شخص تحت حكم السلطات الهندية.
لكن كل هذا لن يكون شيئا مقارنة بما قد يحدث ،إذا اندلعت الحرب بين البلدين مع تصاعد العنف من وقت لآخر في كشمير والعمليات المسلحة ضد الهند، مما يزيد من التوتر بين البلدين ، واحتمال وقوع صدام جديد بين الدولتين النوويتين. فقد ينبع أهمية ما يحدث بين الهند وباكستان من أنه قد يصبح درسا في التاريخ يوما ، إذا ما بقي البشر.
وإذ يعتبر شرارة حرب بين القوتين النوويتين الآسيويتين ، ما بدأ يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 بمقتل 26 شخصا في منطقة كشمير المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، عندما أطلق مسلحون النار على مجموعة من السياح في باهالغام، وهي وجهة سياحية شهيرة تقطنها أغلبية مسلمة وتجذب آلاف الزوار كل صيف.
فقد أعلنت السلطات الهندية عن ذلك ، ووجهت أصابع الاتهام فورا إلى القوات المسلحة الباكستانية لوقوفها وراء الهجوم، ثم خرج كبار الضباط والمسؤولين الهنود للحديث عن رد قوي وسريع، وكأنهم لم يسمعوا كلمة واحدة من نفي باكستان أي صلة لها بالحادث، خاصة وأن الهجوم تزامن مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جيدي فانس إلى الهند، فقد كان التوقيت محفوفا بالتساؤلات والشكوك، حيث تشير التقارير الاستخباراتية إلى أنها قد تؤدي إلى إشعال فتيل مواجهة عسكرية جديدة بين الهند وباكستان، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد التوتر بين البلدين.
الدولتان تمتلكان أسلحة نووية، وخاضتا حربين في الماضي، بالإضافة إلى صراع محدود آخر حول كشمير منذ عام 1947، و بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون، يجب علينا تسليط الضوء على بعض التفاصيل، بما في ذلك أن منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها، والتي تعاني منذ عقود من التمرد والمعارضة للحكم الهندي.
وموقع الهجوم هو جزء من وادي بيساران، الذي يمتد على مرج محاط بقمم جبلية لعدة أميال دون أي طرق للسيارات، ولا يمكن الوصول إليها إلا سيرا على الأقدام أو على ظهور الخيل، مما يؤكد أن الجناة يعرفون جيدا تضاريس المنطقة ومعالمها، وقادرون على التحرك بسلاسة ومعرفة مسبقة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجناة هم بالتأكيد من المنطقة الذين يعارضون رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، خاصة مع إعلان مجموعة تطلق على نفسها اسم جبهة المقاومة مسوليتها، لتتحدث عن تدفق 85 ألف مستوطن هندوسي إلى المنطقة، وتصفهم بالغرباء الذين استقروا فيها وأحدثوا تغييرا ديموغرافيا.
من هنا، يمكننا فهم الأسباب التي أدت إلى دفع الاستخبارات الهندية إلى اتهام القوات المسلحة الباكستانية بتدبير الهجوم ، فقد كان ينبغي اعتباره هجوما من باكستان الإسلامية على الهند الهندوسية، فعلى الرغم من أن منطقة الهيمالايا الخلابة، والتي تديرها جزئيا كل من الهند وباكستان، لا تزال موضع نزاع بين الجانبين، وتشهد من وقت لآخر أعمال عنف، ولكن، استغلت الهند حقيقة أن الهجمات هذه المرة استهدفت السياح، لتعتقد أن مرتكبيها أرادوا لفت الانتباه الدولي إلى كشمير، من خلال التخطيط للهجوم، ليتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي ديفانس إلى الهند وزيارة الرئيس الهندي مودي إلى السعودية، وأن الهجوم كان يهدف إلى تقويض قطاع السياحة في كشمير، إذ وقع قبل أسابيع قليلة من موسم الحج الهندوسي الكبير.
ولأن الهند لطالما اتهمت باكستان بإيواء جماعات إسلامية متطرفة تستهدف كشمير، وربما وجدت في الهجوم فرصة للتصعيد، وهو ما قد يكون غير محسوب هذه المرة بسبب إضافة عناصر إلى الحرب، منها على سبيل المثال قطع نهر السند عن باكستان، وهو تهديد وجودي قد يؤدي إلى حرب نووية هذه المرة.
وقبل الخوض في التفاصيل ، يجب أن نوضح أن التوتر والهجمات السابقة وكيف تم التعامل معها، حيث كانت الهجمات المسلحة في الماضي تؤدي دائما إلى تصعيد حاد في التوترات بين الجارتين النوويتين المتنافستين على السيادة في منطقة الهيمالايا، وربما كان الهجوم الأكثر توترا بين هذه الهجمات ، هو الهجوم الذي وقع عام 2019 وأسفر عن مقتل 40 شرطيا هنديا عندما شنت الهند غارة جوية على بعد اثني عشر يوما، استجابت القوات الجوية الباكستانية في اليوم التالي، وعندما استجابت الطائرات الهندية، تحطمت إحداها في الأراضي الباكستانية، لكن الطيار نجا وأُسر ثم أُعيد إلى الهند.
إرسال التعليق