غنم تحت القبة: عندما تحوّلت جماعة تالسِنت إلى زريبة احتجاجية

غنم تحت القبة: عندما تحوّلت جماعة تالسِنت إلى زريبة احتجاجية

رصد المغرب /

في مشهد غريب لم تألفه حتى أغرب النشرات الإخبارية، حوّل سكان جماعة تالسِنت مقر جماعتهم إلى زريبة، لكن ليس حباً في العبث أو السخرية، بل في محاولة يائسة لجرّ أنظار المسؤولين إلى واقع أليم تعايشوه يوميًا… واقع يتجلى في “إرهاب” من نوع خاص: الكلاب الضالة.

لم يلجأ هؤلاء المواطنون إلى وقفة احتجاجية عادية، ولا إلى عريضة موقّعة، ولا حتى إلى مراسلة عبر القنوات الرسمية.
لقد تعبوا، “عياو” من الشكوى، من المطالبة، من الانتظار، ومن التسويف الإداري الذي يُغلفه صمت السلطة المحلية بـ”لا مبالاة بيروقراطية” أصبحت مألوفة أكثر من أي وقت مضى.

وبدل الشعارات والهتافات، دخل السكان مقر الجماعة وهم يقودون قطيعاً من الأغنام، في رسالة احتجاجية غير مسبوقة، بعد أن مزّقت كلاب ضالة في المنطقة خروفين من ماشيتهم.
كانت الرسالة واضحة: إذا لم تحموا مواشينا في البادية، سنأتي بها إلى حضنكم الحضاري دعوها تموت هنا أو احموها!

الغريب في الأمر، أن الكلاب الضالة لم تُهاجم فقط الخرفان، بل التهمت كذلك ما تبقى من ثقة المواطن في إدارة الشأن المحلي.
أسابيع من الاعتداءات المتكررة على الماشية، دون أن تُسجّل الجماعة أي تحرك فعلي.
لا لجنة تقصي، لا تنسيق مع المصالح البيطرية أو السلطة الإقليمية، ولا حتى تصريح صحفي يتيم.
هل من الطبيعي أن تبقى مؤسسة عمومية تتابع مسلسل الذبح الحيواني بصمت القبور؟قد يرى البعض في تصرف السكان سلوكاً همجياً أو غير حضاري، لكن الحقيقة أن هذا التصرف كان حضاريًا أكثر من تصرف من يفترض بهم تمثيل “المدنية”: المنتخبون المحليون الذين غابوا عن المشهد، والموظفون الذين اختاروا الصمت الإداري بديلاً عن التصعيد المؤسساتي.

أليس من المفارقات أن من يُطالب بحقوقه يُعتبر مخربًا، بينما من يتقاعس عن أداء واجبه لا يُسأل ولا يُحاسب؟

الكرة اليوم في ملعب السلطة الإقليمية، بل في ملعب كل من يحترم دور الجماعة الترابية في حماية الأرواح سواء كانت بشرية أو حيوانية.
ما حدث في تالسِنت ليس “نكتة محلية” تتداولها مواقع التواصل، بل ناقوس خطر. فإذا كانت الكلاب الضالة تفترس الخرفان اليوم، فمن يضمن ألا تنقضّ غداً على أطفال في طريقهم إلى المدرسة؟

ربما لم يتكلم الخروفان اللذان قضيا تحت أنياب الكلاب، لكن صمتهم أنطق جموع الماشية التي اقتحمت مقر الجماعة.
في بلد يُفترض أن يكون في طور الجهوية المتقدمة، لا تزال جماعاتنا رهينة “التسيير البارد” و”القرارات البطيئة”.
وإذا كان الغنم هو من أجبر الجماعة على النظر في المعضلة، فربما علينا إعادة النظر في معنى الاحتجاج… وفي معنى الإدارة أيضًا.

إرسال التعليق