“قارون” منطقة حدودية منسية بين أولاد زيان وتيزي وسلي تنتظر الإنصاف
رصدالمغرب / عبدالعالي بريك
تقف قارون اليوم كمنطقة فريدة من نوعها داخل الجغرافيا الريفية الممتدة بين أولاد زيان وتيزي وسلي، على تخوم عمالة تازة ضمن النفوذ الترابي لجهة فاس–مكناس، حيث رغم موقعها الاستراتيجي بين أهم الممرات التي ربطت تاريخيا الريف الشرقي بسهول فاس وتازة، إلا أنها تعيش اليوم حالة تهميش لا تليق بتاريخها ولا بوزنها الجغرافي.
فحدود قارون جغرافيا تربط الريف بالممرات التاريخية الكبرى، حيث تنتشر على مساحة واسعة تجمع بين الهضاب والمرتفعات، تحدها شمالا امتدادات الريف الجبلي المتاخمة لتيزي وسلي، وجنوبا نواحي أولاد زيان والممرات المؤدية نحو الناظور والحسيمة، وشرقا الواجهات القريبة من مسالك تازة التاريخية، وغربا الامتداد الطبيعي لسهول فاس ومولاي يعقوب
هذا الموقع الجغرافي جعل قارون نقطة التقاء طرق، وممرا للعبور، ومجالا سكنيا استقر فيه الرحل والفلاحون والمقاومون عبر حقب متعددة، ولأنها منطقة ريفية الهوية رغم ابتعادها الإداري عن الريف الرسمي ، ورغم أنها تصنف إداريا ضمن عمالة تازة بجهة فاس–مكناس، إلا أن لهجتها وعاداتها وتضاريسها وأنماط عيش ساكنتها، تعكس جميعها العمق الريفي التاريخي، خصوصا في ارتباطها بالجغرافيا الريفية الشرقية التي كانت امتدادا طبيعيا للنفوذ القبلي للريف أيام المقاومة، حيث جذورها التاريخي تمتد إلى زمن المقاومة الريفية بقيادة الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي.
وعندما يذكر اسم قارون في الذاكرة الشعبية القديمة، تذكر دائما باعتبارها إحدى المناطق التي مر منها المقاومون أو استقروا فيها خلال فترات معينة من مقاومة الاستعمار الإسباني والفرنسي، حيث كل الوثائق الرسمية تثبت تأسيسا إداريا مباشرا على يد المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، إلا أن الحضور الرمزي والتاريخي للمقاومة الريفية كان قويا في هذه المناطق، لأنها شكلت مراكز عبور بين الريف الشرقي وتازة، وملاذات للمقاومين عند اشتداد المعارك، وكذلك نقاط اتصال مع القبائل المتحالفة مع الخطابي، وأيضا محطات تموين ودعم لوجستي خلال مراحل المواجهة.
ويؤكد كبار السن في المنطقة أن قارون والقبائل المحيطة بها احتضنت مقاومين عبروا من وإلى الريف، وأن تأثير الخطابي وصل إلى كل الجغرافيا المرتبطة بالمقاومة سواء عبر التواجد المباشر للمجاهدين، أو عبر شبكات الدعم التي شكلها الريفيون في مواجهة الاستعمار.
إن ارتباط قارون بهذا الإرث يعد أحد العوامل الأساسية التي منحتها هوية خاصة، وقوة رمزية تستحق اليوم أن تحترم وأن تستحضر في أي برنامج تنموي يخص المنطقة، لأنها اليوم منطقة بتاريخ عريق وواقع مؤلم، حيث رغم كل هذا التاريخ، فالبنية التحتية ضعيفة والطرق غير مؤهلة والإنارة قليلة ومنعدمة في بعض الدواوير، وخصوصا دوار قارون، الذي يفتقد للماء والكهرباء، كما هو الشأن في مناطق كثيرة ، وكذلك غياب التهيئة الحضرية ، وخدمات صحية محدودة، ناهيك عن التعليم الذي يعاني والشباب يعيش بلا أفق.
العدالة المجالية ليست شعارا، بل حق يضمنه الدستور، لأن تجاهل قارون هو تجاهل لجزء من هذا الوطن، حيث المفروض أن تكون قضية رأي عام وليس منطقة منسية.
الساكنة اليوم لا تطلب المستحيل، بل إنهم يقولون للدولة والمسؤولين بصوت واضح، “نحن مواطنون نستحق العيش الكريم. لقد انتظرنا بما فيه الكفاية.”
فكيف لمنطقة بهذا العمق التاريخي والجغرافي أن تبقى خارج حسابات التنمية؟ حيث رسالة ساكنة قارون، “نحن أبناء تاريخ عظيم… ونستحق العيش الكريم”
واليوم تطالب الساكنة بحقوق مشروعة، وترفع صوتها قائلة:”لسنا منطقة هامشية… نحن امتداد لتاريخ المقاومة، وجزء من الريف، وقطعة من هذا الوطن،نريد العيش بكرامة فقط.”
إن إنصاف قارون ليس فقط استجابة لمطالب اجتماعية، بل هو واجب تجاه تاريخ المنطقة وذاكرة أبنائها، قبل أن يرحل منها آخر من يسكن ترابها ودافع عن جغرافيتها.
إرسال التعليق