قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي الحلقة الرابعة

قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي الحلقة الرابعة
رصد المغرب /عبد اللطيف راكز
ولد سعيد الجماني وأهميته:لم يكن خطري ذلك الإنسان العادي الذي تناولته الذاكرة الشعبية من خلال الحديث عنه وفي سياق طرائف فكاهية عدة. بل كان خطري رجل في منتهى الذكاء ويعرف كيف يلعب على حبل السياسة . ولكي تصوغ تحالفاته أمام خصوم يفوقونه قوة وحجما ، وكيف ينتقل من معسكر لآخر في اللحظة المناسبة . وإدراكا من ملك المغرب الحسن الثاني لخصوصية هذا الرجل وأهميته في الملف الصحراوي والنزاع حول الصحراء الغربية وقدرته على تمييل الكفة لصالح المغرب عمل الحسن الثاني على إحتوائه لأنه يشكل بانتمائه إلى قبيلة الرﯕيبات أقوى قبائل الصحراء وزنا هاما وثقيلا في إدارة الشأن الصحراوي ، ذلك ان قبيلة الرﯕيبات جمعت كل مصادر القوة بين يديها : كمؤسسها الشيخ أحمد الرﯕيبي الذي عاش ودفن في منطقة الساقية الحمراء في القرن السابع عشر . فهي إذن تتوفر على مكون الصلاح وتتوفر على مكون الشرف من حيث تنتمي نسبيا إلى عبد السلام بن مشيش من سلالة المولى إدريس. وهناك توفرها على مكون آخر وهو القوة الديمغرافية الكبيرة حيث هي اكبر تجمع قبلي بالصحراء وهي أقرب إلى تشكل كونفدرالية قبلية واحدة كما يقول رحال بوبريك مدير الدراسات الصحراوية في الرباط ” زمان”: ” في الواقع ن ما جعل الرﯕيبات قوية في ذلك الوقت هو وزنها الديمغرافي وطابع الممارسة الحربية التي راكمتها في أواخر القرن التاسع عشر وجعلتها تكتسح مجالا كبيرا. أما الشرف فتشترك فيه مع قبائل أخرى دون أن تمتلك نفس القوة. الشرف ينفع فقط إذا كان حامله قويا في الصحراء ،العامل الأساسي وراء مكانة قبيلة هو ما يعبر عنه بمصطلح ” الشوكة ” أي القوة الديمغرافية للقبيلة، وعدد افرادها الحاملين للسلاح “. ونظرا لكون الرﯕيبات قبيلة محاربة ، فقد مكنها وزنها الديمغرافي الكبير من تملكة قوة عسكرية لا تضاهى ، حسب ما جاء في مجلة “زمان” ملف الصحفي خالد الغالي. فالرﯕيبات ذات نفوذ ترابي يمتد على مساحة كبيرة تفوق كثيرا ما يسمى خلال الفترة الإستعمارية ” الصحراء الإسبانية “فهي تشمل مناطق شاسعة في تندوف وموريتانيا والساقية الحمراء ، وخلال فترة الإستعمار وجدت هذه القبيلة نفسها مقسمة على ثلاث دول : المغرب الجزائر وموريتانيا ، وخاضعة لنظامين مختلفين فرنسي وإسباني . واليوم توجد قيادات ركيبية في كل من المغرب على غرار خليهن ولد الرشيد ،محمد الشيخ بيد الله، وعمر الحضرمي وفي جبهة البوليساريو مؤسسها الراحل الولي مصطفى السيد. وفي موريتانيا يحتل أفراد من الرﯕيبات أماكن مهمة في الجيش
وقطاع الأعمال. وقد كان خطري ينتمي إلى البيهات المستقرة في إقليم الساقية الحمراء وهي أقوى فصائل الرﯕيبات. وكانت البيهات تخضع للإدارة الإسبانية، بحكم إستقرارها في حوض الساقية الحمراء. فيما خضع أقرب أبناء عمومتها ( داوود وابراهيم والفقرا )المستقرين في تندوف للإدارة الفرنسية . وهو ماكان يسمح لها أحيانا باللعب على حبل التنافس بين القوتين الإستعماريتين ، وفي هذه الظروف ولد خطري عام 1915 بمنطقة الأخصاص بين مدينتي تزنيت وكلميم نوكان لأبيه 12إبنا ، لذلك كان التنافس على المشيخة بين اولاد الشيخ أحمد الرﯕيبي . فأبو خطري أي سعيد لم يكن إلا أحد المتنافسين بدوره على المشيخة لذلك بعد وفاة أبيه الشيخ أحمد الرﯕيبي عام 1947 ، لجأ خطري للفرنسيين حيث نزل تزنيت وكلميم برسالة من أبيه إلى الفرنسيين كرد فعل اتجاه جماعته الصحراوية التي عينت صالح ولد حنيني في منصب المشيخة العامة للقبيلة والذي ساندته الإدارة الإسبانية يتمنى فيه أب خطري ووالده وأهله كباقي الرﯕيبات أن يصيحوا تابعين لمركزالجزائر، حسب رواية “أولفين فيرنيو” . وكانت هذه طريقته لخلق التوازن في وجه القبيلة والإدارة الإسبانية. ولما توفي سعيد ولد الحماني 1958 ولم تآل المشيخة لخطري ، وهو ابن 36 عاما أختار فضل اكتفاء لمدة 5 اعوام وهو في منافسة مع ولد حنيني إلى حين إستقلال المغرب عام 1956. ولعل تركيز الملك الراحل على خطري واهميته في دعمه في سياق تحقيق الوحدة الترابية يرجع إلى كون خطري ولد سعيد الجماني من أوائل شيوخ الصحراء الذين كان مع عدد من الشيوخ الذين أقسموا بالوفاء للسلطان محمد بن يوسف عام 1953 بعد خلعه عن العرش . ففي مؤتمر ” أم الشكاك” قرب العيون الذي عقد في مارس 1956 والذي تقرر خلاله الإمتناع عن أداء الضرائب للإدارة الإسبانية وإرسال وفد إلى الرباط لبيعة محمد الخامس، وتزعم حملة تحريض القبائل ، وشارك بالفعل في الوفد الذي أبلغ السلطان امتعاضه من معاملة المغرب للصحراويين وتخليه عنهم ، ورفض اداء الضرائب للإسبانيين وبدا يحرض القبائل ضدهم. وبايع محمد الخامس كما أنه عبر له عن رفضه للإتفاق المغربي الإسباني الذي عقد في أبريل 1956 والذي ترك منطقة الصحراء جانبا.
إرسال التعليق