
عائد من المشرحة(الحلقة الرابعة)”قصص الفرار من السجن المركزي بالقنيطرة”
رصد المغرب/احمد الحو
السجن المركزي هو أحد أشهر السجون المغربية، وإلى عهد قريب كان أكبر سجن في المغرب وفي شمال إفريقيا، ومنذ عهد الاستعمار كان مخصصا للمحكومين بالإعدام والمؤبد ولأصحاب الأحكام الطويلة الأمد، وكان المكان المثالي لاعتقال رجال المقاومة،وكان ولا زال سجنا للمعارضين السياسيين من كل المشارب خصوصا اليساريين والاسلاميين ومعتقلي الانتفاضات الاجتماعية، وحاليا هو أحد أهم السجون التي تضم المدانين في قضايا الإرهاب. ورغم أن القبضة الأمنية بهذا السجن كانت محكمة إلا أن أشهر عمليات الفرار وأكثرها نوعية قد وقعت به، ولم تكن قاطنته تعني بكلمة )الزموامبي( الدولة الإفريقية المعروفة، بل كانت تعني يبن السجناء عمليات الفرار، والفرار بهذا السجن يستمد جذوره من عهد الحقبة الاستعمارية،فقد شهد في خمسينيات القرن الماضي هروب مجموعة من قادة المقاومة يتقدمهم السيد محمد الخصاصي وعبد السلام الجبلي ورحال المسكيني وآخرون، بمساعدة سجناء الحق العام الذين كانوا محط ثقة إدارة السجن؛ فهم من يسّروا لهم صنع مفاتيح تمكنهم من فتح الزنازن،بالإضافة إلى الذين كانوا يُؤَّمِّنون الوسائل اللوجيستيكية لايواء الفارين والتستر عليهم خارج السجن خصوصا رجال المقاومة وعائلات الفارين. ففي ليلة 20 شتنبر 1955 تمكن الفارون من فتح الزنازن وانقضّوا على مجموعة من الحراس وعلى رأسهم رئيس المعقل، الذي جّردوه من كل المفاتيح الخاصة ببوابات السجن، حيث شدّوا وثاقهم وقد تمكنوا من اجتياز الأبواب السبعة للسجن، وقد بلغ عدد الفارين أزيد من ثلاثين سجينا، وما هي إلا دقائق حتى بدأت صفارات الإنذار، وقد جندت سلطات الاستعمار كل الوسائل من كلاب مدربة وجنود ودرك ومروحيات، مكنتها من اعتقال العديد من الفارين الذين تفرقوا إلى عدة مجموعات، ومنهم من نهشتهم الكلاب كما هو الحال بالنسبة للمقاوم الشهيد الصباغ، الذي مزقت الكلاب أطرافه، وبعد حمله إلى السجن المركزي وهو عار يحتضر تم نقله إلى غابة المعمورة هو وأحد رفاقه لإعدامهما تنفيذا للحكم الصادر في حقهما.
في 13 أكتوبر 1979 قام ثلاثة سجناء من مجموعة السرفاتي بمحاولة فرار، وهم الذين أحيلوا من طرف إدارة السجن المركزي على الطابق الخاص بالسجناء بمستشفى ابن سينا بالرباط لإصابتهمبأمراض مزمنة، وكان من المقرر أن يفروا بواسطة حبل صنعوه من أغطية الأسِرَّة إلا أن الشهيد جبيهة رحال وهو الذي كان مصاباً بمرض القلب،ألمّت به أزمة قلبي ة وهو يحاول النزول من الطابق الخامس، فسقط فلقيّ مصرعه مما اضطر الاثنان الآخران إلى اللجوء إلى سلاليم الإغاثة لمغادرة المستشفى، وقد توجها صوب مدينة المحمدية وجنّدت السلطات قوات الأمن العلني والسري والدرك والقوات المساعدة، والمراقبة المدقّقة للطرقات، ومداهمة بيوت العائلة والأقارب واعتقالهم والتّنكيل بهم، ولم يسلم من ذلك حتى عائلة المرحوم جبيهة رحال ولم يطلق سراحهم إلا بعد اعتقال الفارّيين والحكم عليهم بثلاث سنوات إضافية.
لكن يبق المامون المعروف بـ”الفراشة المغربي” كناية عن (Henri Antonin Charrière) المعروف بالفراشة في أخطر سجن وهو سجن )ألكاتراس(، وهو أحد أشهر الفارّين في العالم، والمامون هو أشهر الفارّين من السجناء بالسجن المركزي،لذكائه ومحاولاته المتكررة للفرار، وكانت أول عملية فرار له عندما كان محل ثقة الإدارة، ولاحظ أن شاحنة المؤونة تدخل وتخرج دون أن يتم تفتيش مكان عجلات الإغاثة، فوضع رداءه ليقطع اليقين بالشك بجانب العجلة، فلما لاحظ أن الشاحنة خرجت وعادت ولم يتحرك رداءه من مكانه ركب عبر مخدع الشاحنة التي نقلته بدورها خارج السجن.. وكالعادة في جرائم العَوْد، قام بارتكاب جريمة أخرى، فاعتقل وعاد إلى السجن، لكن هذه المرة تم وضعه تحت المراقبة المركزة..وكانت من أشهر عمليات الفرار الجماعي التي قام بها عندما كان بحي »هاء «.ولأن الزنزانة كانت تضم أزيد من 30 سجينا، فلم يختر منهم سوى بضعة أشخاص للفرار معه، وكان العائق الأكبر أمامه هو كيف يقطع حديد النافذة دون أن يكتشف أمرهم عند باقي السجناء بالزنزانة،خاصة إن منهم مخبرين وضعتهم الإدارة لمراقبة المامون، فاهتدى إلى طريقة ماكرة، حيث طلب من أحد أصدقائه الذي كان يجيد الحَكِيّ،أن يقوم بدور الحَكَواتي وفي كل مرة كان يقول لسامعيه صلوا على النبي حتى يتأكد أن كل السجناء الآخرين قد ناموا بعدم سماع أصواتهم ترفع بالصلاة على النبي،حينئذ كانوا يبدؤون بقطع قضبان نافذة الزنزانة، واستمر ذلك لأيام، وعندما جاء اليوم الموعود خرجوا منها وصعدوا إلى سطح السجن،الذي كان مطلياّ بصباغة بيضاء حتى تكون أيّ تحركات مريبة فوقه مكشوفة، خصوصا مع وجود مصابيح قوية تجعل الرؤيا واضحة، لكن عبقرية المامون تفتقت عن وسيلة تتمثل في أن كل سجين يلتف بغطائه الأبيض حتى يتجاوز السطح، وعندما وصلوا إلى سور السجن أخرجوا قِطَع خشب طويلة وسميكة كانوا قد طمَروها بالقرب من الجدار،وكان رفاق المامون من قبل قد استطاعوا تهريبها من مخزن الخشب بالسجن، واستعملوها سلالم أوصلتهم إلى قمة الجدار، في تلك اللحظة تنبّه لفرارهم الحارس بالُبرج، فبدأ يطلق الرصاص ورغم انه لم يصب أحدهم نظرا لتقادم السلاح المُستعمل،لكن مع انطلاق صفارة الإنذار بدؤوا يقفزون من أعلى الجدار مخافة القبض عليهم وسقطوا بين قتيل وجريح انكسرت أطرافه،لكن المامون وبدهائه المعهود نجح في الفرار، ولم يعد إلى السجن إلا بعد سنوات، حينما أقدم على ارتكاب جريمة أخرى أعادته إلى زنزانته، لكن هذه المرة كهلا لا يقوى على الفرار.إلا أن ذكاءه لم يفتر، واستطاع أن يطمئن الإدارة بعزوفه عن الفرار، بمقابل أن يتمتع بحرية وبمجموعة مكتسبات، مَكَّنته أن يجعل من زنزانته مختبرا لصنع ماء الحياة وبيعه للسجناء الراغبين في شربه.
إرسال التعليق