
مرضى السرطان في المغرب: سباق مرير نحو العلاج في ظل غلاء الأدوية وغياب الدعم
رصد المغرب /عبد العالي بريك مراسل من فاس
في المغرب، يخوض مرضى السرطان معركة مزدوجة: معركة ضد المرض نفسه، ومعركة أشد قسوة ضد الفقر، غلاء العلاج، ونقص الأدوية. فالسرطان، الذي يُعتبر من أكثر الأمراض فتكاً وانتشاراً، لا يرحم جسداً أنهكه المرض، ولا أسرةً أرهقتها التكاليف الباهظة.
أدوية مفقودة وأسعار صاروخية
يعاني العديد من المرضى من غياب أدوية ضرورية في السوق، خصوصاً العلاجات الكيماوية وبعض أنواع المسكنات والمكملات التي تُعد أساسية في خطة العلاج. وفي حال توفرت، فإن أسعارها تُحلق عالياً خارج متناول أغلب الأسر المغربية. فدواء واحد قد يتجاوز راتب موظف متوسط الدخل، في حين تتطلب خطة العلاج عدة أشهر أو سنوات.
الكرامة مقابل الحياة
في مشهد مؤلم، نسمع عن مرضى أو عائلاتهم يضطرون لبيع أثاث بيوتهم، أو سياراتهم، أو حتى طلب “السلف” من الغرباء، فقط ليستطيعوا شراء دواء يُمكن أن ينقذ حياة أحبائهم. لم تعد قصص بيع الذهب أو العقار للعلاج قصصاً نادرة، بل باتت من يوميات الأسر التي ابتُلي أحد أفرادها بالسرطان.
غياب شبه تام للجمعيات الداعمة
رغم وجود بعض الجمعيات الخيرية التي تبذل جهوداً مقدّرة، فإن وجودها يبقى محدوداً جداً ولا يغطي الكم الهائل من المرضى المحتاجين للدعم، سواء النفسي أو المادي أو اللوجيستي. كما أن الدعم الحكومي، رغم المبادرات الملكية مثل “مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان”، لا يصل لجميع الفئات خصوصاً في المناطق القروية والهامشية.
صرخة من الهامش: من ينقذنا؟
المرضى اليوم لا يحتاجون فقط إلى دواء، بل إلى منظومة صحية عادلة وإنسانية، تُراعي هشاشة الوضع الاجتماعي وتُوفر تغطية صحية ناجعة. هم بحاجة إلى سياسة دوائية واضحة، تُشجع تصنيع الأدوية الجنيسة محلياً، وتُراقب أسعار الأدوية، وتُيسر سبل الولوج إلى العلاج المجاني أو المدعوم.
كما أن المجتمع المدني مدعو للانخراط الفعّال، سواء من خلال تأسيس جمعيات جديدة، أو تقوية قدرات الجمعيات القائمة، لتلعب دور الوسيط والداعم والسند في هذه المعركة.
معركة مرضى السرطان ليست قدراً فردياً، بل مسؤولية جماعية. فالدولة، والمجتمع المدني، والإعلام، والقطاع الخاص، كلهم مدعوون لإعادة الاعتبار لحق الإنسان المغربي في العلاج، في الكرامة، وفي الحياة.
ولا تقتصر مسؤولية وزارة الصحة والمشرفين عليها والمؤسسات الاستشفائية على تقديم الدواء فحسب، بل يجب أن تقوم على مبدأ الإنصاف والرحمة. فحين تُرغم الإدارة مريضاً معدماً على أداء واجب نقدي لا يملكه، فإنها عملياً تخيره بين أمرين: “ادفع أو مُت”. هذا المنطق القاسي لا يليق بدولة تسعى للعدالة الاجتماعية، ولا بمؤسسات يُفترض أن تكون في خدمة المواطن لا عبئاً على آلامه.
إرسال التعليق