معاوية نموذجًا: كيف أظهرت “دراما رمضان” الإخوان بخوارج العصر؟

آخر الأخبار

معاوية نموذجًا: كيف أظهرت “دراما رمضان” الإخوان بخوارج العصر؟

رصد المغرب/أسماء دياب 

تعرضت الحلقة الخامسة عشر من مسلسل معاوية ضمن دراما رمضان ٢٠٢٥ لقضية الخوارج، )الخوارج- هم فرقة بدأ تأثيرهم خلال أحداث الفتنة الأولى، أهم عقائدهم تكفير المسلمين بالذنوب والمعاصي، واستحلال الجهاد ضد المسلمين واستحلال أموالهم ونسائهم(. فقد تطرق المسلسل منذ الحلقة ١٣ لدور الخوارج في إثارة  الفتنة والتحريض ضد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان، مرورًا بدورهم في تأجيج الصراع بين المسلمين خلال أحداث الفتنة، ثم تناول دورهم في رفض التحكيم خلال الحلقة ١٥ والتحريض ضد الإمام علي، وصولًا للتآمر والتخطيط لقتل كل من معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب، ولم يفلحوا إلا في قتل علي بن أبي طالب نهاية الحلقة الخامسة عشر.

لقد أحيت دراما رمضان ٢٠٢٥ من خلال مسلسل (معاوية) أحداث فترة تاريخية مهمة، وما يُثير الاهتمام منها في سياق هذا التحليل؛ هو الإجابة عن هذا السؤال: كيف شكل الخوارج بداية تكوين فرق ضالة ما يطلق عليه بمصطلحات العصر الجماعات الإسلامية المتطرفة؟. وعليه، وفي هذا السياق؛ يسعى هذا التحليل إلى توضيح أوجه الشبه بين الخوارج وجماعة الإخوان المسلمين، وبيان ما هيه المفاهيم التي تأسست منذ زمن الخوارج واستمرت ضمن أيديولوجية الإخوان حتى عصرنا. كما يحاول هذا التحليل الإجابة عن سؤال حديث وقديم في نفس الوقت، وهو: لماذا أسس الخوارج لسياسة الاغتيالات وهو ما تفعله الجماعات المتطرف حتى حينه؟

لمحة تاريخية:

تحمل راية الخوارج عبارة “لا حكم إلا لله” وهي نفس سياسة استخدام الشعارات الدينية الذي تستخدمه الجماعات المتطرفة على رأسها الإخوان المسلمين حتى حينه. حيث برر الخوارج قتل المسلم المخالف معهم في الفكر واقاموا الحجج على شرعية أفعالهم الإجرامية، من الوقائع الشهيرة الشاهدة على ذلك في التاريخ الإسلامي، هو قتل شخص يدعى عبد الله بن خباب، حيث عندما سألوه عن رأيه في علي بن ابي طالب، وعندما مدحه على خلاف رغبتهم، قاموا بقتله وشق بطن زوجته الحامل، مدعين أنهم يتقربون إلى الله بهذا الفعل الإجرامي، وهو ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين، فقد أكد المرشد السادس لجماعة الإخوان “مأمون الهضيبي” نصًا بقوله “نحن نتقرب إلى الله بعمليات التنظيم السري”.

بدأت نشأة الخوارج في سياق فتنة مقتل عثمان، وكان لهم الدور الأبرز في تأجيج الصراعات واحتدام حدة الفتن والتحريض في زمن عثمان، ثم استمرت خططهم على التحريض لخلق الفتنة في زمن على، وهذا برفضهم التحكيم واستخدام الآية الكريمة: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، ورد عليهم الإمام على بن أبي طالب بقوله: “القرآن بين دفتي المصحف لا ينطق، وإنما يتكلم به الرجال”. بذلك أعلنوا الخروج علي الإمام علي، بزعم أنه خالف كتاب الله، وساروا بين الناس بتكفيره ومن معه، والدعوة إلى قتاله. فمن وقائع التاريخ التي تعرض لها المسلسل مناظرة الخوارج وإقامة الحجة عليهم، لكنهم أصروا على بغيهم بالخروج على الإمام وتكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وهو نفس المسار الذي اتبعته جماعة الإخوان وأخواتها حتى الآن.

مفاهيم فكرية متجذرة:

أخبر النبي عن الخوارج وأوصى بطريقة التعامل معهم فقال (ص): سيخرج في أخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية.. يقتلون أهل الإسلام.. قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فسيقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة (لئن أدركتهم لأقتنلهم قتل عاد)”. مما سبق يتضح؛ أن الخوارج يحملون عقيدة تشتمل على تكفير المسلمين والخروج على الحاكم، تلك العقيدة تشمل عدة مفاهيم فكرية باطلة رسخ لها الخوارج، وامتدت أثارها في عقيدة الجماعات التكفيرية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان حتى حينه، وتتمثل أهم تلك المفاهيم التي تشاطرها الإخوان مع الخوارج، فيما يلي:

(*) مفهوم التكفير،- يعد الخوارج أول من أسسوا لمفهوم التكفير في التاريخ الإسلامي، حيث اعتمدوا مبدأ تكفير المسلمين بالذنب، وتكفير كل من يخالفهم الرأي، فقد تعرض المسلسل لهذه القضية بتجسيد من أشخاص خرجوا وكفروا على ومعاوية لقبول التحكيم، وعارضوا وقف القتال وحقن دماء المسلمين. وهو ما تفعله جماعة الإخوان بتكفير الحكام العرب، ومن يعاونهم والشعوب العربية والدعوة لقتالهم. فقد أسس حسن البنا للتكفير بشكل مباشر وغير مباشر في عدة رسائل منها: “نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج (منهج الجماعة) ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له من الإسلام”. وأكد على عقيدة التكفير سيد قطب من بعده بقوله: “ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد لا إله إلا الله.. إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم، قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله ولا المجتمع الإسلامي”.

(*) الحاكمية،- أسس الخوارج لمفهوم الحاكمية باستخدام الآية {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقد رد عليهم الإمام علي بن ابي طالب كما أشارنا سابقًا، وهي نفس الآية التي استخدمتها جماعة الإخوان، وكل الجماعات المتطرفة، كحجة على مفهوم الحاكمية وفق رؤيتهم. وقد أصل البنا لمفهوم الحاكمية في رسائله بقوله: “مهمتنا تفصيلًا: هي أن يكون في مصر بحكم أنها في المقدمة.. نظام داخلي يتحقق به قول الله تبارك وتعالى: “وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذروهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله”. ثم رسخ قطب لمفهوم الحاكمية بقوله: “والذين لا يفردون الله بالحاكمية في أي زمان وفي أي مكان هم مشركون، لا يخرجهم من هذا الشرك أن يكون اعتقادهم أن لا إله إلا الله مجرد اعتقاد، ولا أن يقدموا الشعائر لله وحده”.

(*) الخروج على الحاكم،- الخوارج أول من دعوا للخروج على الحاكم والجهاد ضده، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وسعوا لإثارة الفوضى بين المسلمين، وبث الفتن والشائعات وتقليب الناس. ما دفع الإمام علي لقتالهم في معركة “النهروان” ما نتج عنه أن من بقي الخوارج تشتت في الأمصار. تلك الأحداث التاريخية تتشابه مع ما تقوم به بعض الدول العربية في مواجهة عناصر جماعة الإخوان، التي قامت بإحداث المخططات لوقوع الفتن والقلائل وارتكاب أعمال عنف. وقد أصل البنا لهذا المفهوم في رسالة التعاليم ضمن أركان البيعة (الركن الرابع): “الجهاد… بقول كلمة حق في وجه سلطان جائر أو الجهاد الفعلي أي القتال في سبيل الله”. ورسخ قطب لهذا المفهوم في قوله: “إن الحركة هي قوام هذا الدين، ومن ثم لا يفهمه إلا الذين يتحركون به ويجاهدون لتقريره في واقع الناس وتغليبه على الجاهلية بالحركة العملية.. لا تقوم الأمة الإسلامية إلا من خلال تجمع عصبة مؤمنة.. تقوم مقام الطليعة التي تقود المجتمع نحو الدولة ثم الأمة الإسلامية التي تقود البشرية”.

(*) التقية،- أباح بعض الخوارج استخدام مبدأ التقية مع المسلمين الذين يحكمون عليهم بالردة لمخالفتهم، وبعضهم رفض المبدأ من الأصل، وهو ما تبقى عليه الجماعات المتطرفة في الوقت الراهن، حيث يجيزها البعض ويرفضها البعض الأخر. فقد أسس حسن البنا لمفهوم التقية في عدة رسائل منها: “إيثار الناحية العملية: ما كان يخشاه الإخوان من معالجة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عنهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية”، حيث دعا البنا في رسائله اتباعه للتعامل وفق مبدأين أحدهم ظاهر والأخر باطن كنوع من الخداع. على الجانب الأخر رفض قطب العمل بصفه شخصية بمفهوم التقية وقال: “لا يجوز أن يعمل القائد بالرخصة” واباح جواز أن يعمل بها الاتباع. يجدر الإشارة إلى تلازم مفهوم التقية مع مفهوم التكفير، بحيث يدورا معًا وجودًا وعدمًا، فإباحة الجماعات التكفيرية للتقية نتيجة لتكفير المجتمعات المسلمة.

في النهاية، وتأسيسًا على ما سبق، يمكن التأكيد على أن الخوارج، هم من بدأوا اعتماد سياسة اغتيال الحكام والمعارضين، فقد قاموا بعدة اغتيالات منذ أحداث الفتنة الاولي وأحداث الفتنة الثانية، وصولًا إلى اغتيالات حدثت بتخطيطهم وبأيديهم في عهد الدولة العباسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سياسة الاغتيال التي تبررها وتؤصل لها جماعة الإخوان وأخواتها، ما هي إلا امتداد وصدا لما بدأه الخوارج عبر التاريخ الإسلامي. فقد شهد التاريخ على مئات حوادث الاغتيال لسياسيين ومعارضين حتى طالت الاغتيالات عناصر إخوانية، حاولت معارضة الجماعة في فترات تاريخية مختلفة.

إرسال التعليق