مقتطف من كتاب عاشقات الشهادة لأبورمان وحسن ابو هنية

آخر الأخبار

مقتطف من كتاب عاشقات الشهادة لأبورمان وحسن ابو هنية

رصد المغرب 

إيمان مصطفى البُغا.. التنظير الأيديولوجي والفقهي

مقدمة

 

لم يكن اسم إيمان البغا معروفاً على نطاقٍ واسع قبل إعلان هجرتها إلى الموصل في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2014. لكن ما كان معروفاً، هو أنّ والدها أحد أبرز علماء الدين في دمشق، ممن أعلنوا تأييدهم مبكّراً لبشار الأسد، في خطبة جمعة شهيرة، وأنّ لها أشقاء وشقيقات معروفون بأنّهم حاصلون على شهادات الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وفي مقدمتهم شقيقها محمد حسن البغا، الذي كان عميداً لكلية الشريعة، وهو الآخر من المؤيدين للرئيس الأسد.

كيف يمكن أن نقرأ هذا “النموذج”؛ أستاذة شريعة من بيت “أساتذة الشريعة”، وابنة عالم دين مشهور ومعروف في أوساط العلماء تختار الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، والهجرة إلى الموصل، بينما تعلن العائلة بصورة غير رسمية التبرؤ منها، وعدم قبولها بما فعلت.

وكانت من يطلق عليها “شاعرة الجهاد”، في أوساط التنظيم ومؤيديه، أحلام النصر (15 عاماً) قد أعلنت بأنّها وصلت إلى “أرض الخلافة”، وتم عقد قرانها على أحد الجهاديين المعروفين هناك، وهو أبو أسامة الغريب، نمساوي من أصل مصري، ليتداول الإعلام لاحقاً أخباراً وتقارير تقول بأنّ هذه الفتاة الشاعرة هي ابنة الدكتورة إيمان البغا، ثمّ تواردت الأنباء عن زواج شقيقتها الأصغر منها من أحد المقاتلين في تنظيم الدولة، لكننا لم نستطع في هذه الدراسة التأكد بصورة قطعية ومثبتة من أنّ “أحلام النصر” هي ابنة إيمان البغا[1].

وفي شهر يونيو/ حزيران من العام 2016، تم الإعلان عن مقتل ابن إيمان البغا، الذي كان يلقّب نفسه بـ”أبو الحسن الدمشقي” (قرابة 15 عاماً، وكان عمره 13 عاماً عندما هاجر إلى الموصل) في إحدى المواجهات التي خاضها تنظيم الدولة.

ثمّة مساحة مهمة لا بدّ من استكشافها هنا في حياة إيمان البغا وقرارها بالهجرة إلى الموصل، مع أبنائها، وأن نتفحّص ما إذا كان قرارها نتيجة لتحولات مفاجئة في آرائها الأيديولوجية أو نتيجة عوامل نفسية أو اجتماعية أم أنّه قرار نضج بهدوء وتراكم.

ولعلّ أهمية نموذج البغا لا يكمن في مستواها التعليمي فقط، ولا بخلفيتها الاجتماعية اللافتة، ولا حتى بموقعها المتقدم في الجهاز الشرعي والفقهي لتنظيم داعش، وفق تقديرات إعلامية، بل في أنّها يمكن أن تُعدّ الوجه النسائي الأبرز في التنظيم؛ فلها نشاط هائل، واستثنائي على مواقع التواصل الاجتماعي، مقارنةً بالآخرين الممنوعين من استخدام تلك الشبكات الإلكترونية وفق قرارات التنظيم. وقد باتت إيمان البغا مشهورة بوصفها المحامي الأيديولوجي والفقهي البارز عن تنظيم الدولة وأيديولوجيته ومواقفه السياسية. وفي الوقت نفسه، تقدّم صورة الحياة “المثالية” (وفق منظورها) من داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وتتصدى للرد على الانتقادات الموجهة له من الآخرين، فهي من أكثر الأصوات وضوحاً ونشاطاً من أبناء التنظيم، في المجال الإعلامي والثقافي العام.

من خلال هذا الفصل سنحاول الاقتراب أكثر من هذا النموذج، لتحليله، والبحث فيما وراء أسباب انضمامها إلى تنظيم الدولة، ومواقفها الفكرية والثقافية والسياسية، وتأثير عائلتها الكبرى (والدها وأشقائها) والصغرى (زوجها وأبنائها) عليها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-1-

العائلة والتنشئة الاجتماعية

الغريب في الأمر، أنّه بالرغم من أنّ عائلتها ووالدها مصطفى البُغا، معروفون في دمشق والشام، ومناطق أخرى من العالم العربي، إلاّ أنّ المعلومات المتاحة عن حياتهم الخاصة تكاد تكون شحيحة، وتزداد صعوبة البحث عندما نقترب من إيمان البُغا، وعائلتها الصغيرة، فيصبح الوصول إلى المعلومات الأساسية، أمراً صعب المنال، حتى لو تعلّق الأمر بمعرفة اسم زوجها، مثلاً![2]

لا يمنع ذلك من محاولة رسم صورة قريبة، بما توافر من معلومات ومصادر عن المحيط الاجتماعي وعن تنشئها، ثم عن تجربتها الروحية والفكرية، قبل انتقالها إلى أراضي تنظيم الدولة، إذ إنّها ستتكفّل، بعد تلك الهجرة، بالتعريف بأفكارها ومواقفها بصورة أكثر وضوحاً؛ من خلال منشوراتها على الفيس بوك والتويتر.

إيمان، كما تشير مصادر مقرّبة من العائلة، في النصف الثاني من الأربعينات من العمر، تقريباً[3]. وُلدت وعاشت في كنف والدها، د. مصطفى البُغا، الذي تزوج أربع نساء، وأنجب العديد من الأبناء. عُرف منهم من أنهى الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، مثل د. محمد حسن البغا ( الذي أصبح عميداً لكلية الشريعة في جامعة دمشق لاحقاً، وهو أكبر أبنائه، وقد أنهى دراسة الدكتوراه في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية)، ود. أنس البُغا، الذي ينشط في الخطابة والدعوة برفقة والده، داخل سورية وخارجها، ود. حنان البُغا (تقيم مع زوجها د. محمد خلدون المالكي في السعودية، وهما مدرّسان للشريعة الإسلامية)، ود. سمية البُغا (وزوجها الدكتور بسّام الشيخ، وهما مدرّسان للشريعة أيضاً في جامعة دمشق) ود. أسماء البُغا  (وتقيم مع زوجها محمود فلاحة – الذي أنهى دراسة الشريعة ولم يكمل الدراسات العليا- في تركيا حالياً). بالإضافة إلى الأبناء، فإنّأصهار العائلة وأنسباءها معروفون في الأوساط الدمشقة بأنّهم “أساتذة” شريعة إسلامية، كما أنّ معظم الأنسباء السابقين من طلاب والدهم، د. مصطفى البغا، ومن مريديه[4].

والدها من مواليد (1938)، في حيّ الميدان في دمشق، وهو الحيّ الذي ترعرع فيه وعاش فيها عمراً طويلاً. تخرّج (في العام 1953) من معهد التوجيه الإسلامي، الذي أسسه أحد أشهر علماء الدين في دمشق، د. حسن حبنّكة، ثم درس البكالوريوس الشريعة في كلية الشريعة في جامعة دمشق، وأكمل دراسته للماجستير والدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر، ليعود إلى التدريس في كلية الشريعة بجامعة دمشق منذ العام 1978 وإلى العام 2000.

عُرف البغا باهتمامه بالفقه المذهبي القديم، وبتحقيق المخطوطات الفقهية والدينية، وهو أقرب إلى نموذج العلماء والمشايخ التقليديين، الذين لا يميلون إلى فكرة التجديد أو إلى المواءمة بين مستجدات العصر والتراث الإسلامي، فهو، كما يصفه بعض طلابه، مغرقٌ تماماً في العلوم الفقهية القديمة، ولا يهتم بالجوانب الفكرية ولا بقضايا التجديد الديني.

يعدّ البُغا من أبرز تلاميذ مشايخ الشام المعروفين، مثل حسن حبنكة الميداني، ومصطفى الخن، وكان من أساتذته في جامعة دمشق بعض العلماء المعروفين، مثل مصطفى السباعي، وعبدالفتاح أبو غدة، كما درس على يد الشيخ كريّم راجح (المعروف بشيخ قراء الشام للقرآن الكريم) وخيرو ياسين.

اشتهر كأحد الوعاظ والعلماء البارزين في دمشق، وكان خطيباً لمسجد الغواص في حي الميدان لفترة طويلة، ثم لجامع زين العابدين في الحيّ نفسه، ويملك”دار المصطفى” التي تطبع كتبه ومنشوراته التي يؤلفها ويحققها، ويقوم بتدريسها لطلابه في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

غادر في العام 2000 للتدريس في قطر، ثم إلى للتدريس في الأردن في جامعة اليرموك وجامعة العلوم الإسلامية، قبل أن ينتقل مؤخراً إلى داغستان، بناء على طلب رئيس الجمهورية هناك، للمساهمة في الدعوة والتعليم في الجمهورية، التي تواجه، هي الأخرى، نمواً للحركات الجهادية الناشطة في آسيا الوسطى[5].

ومن المعروف عن د. مصطفى البغا بأنّه أقرب في أرائه ومعتقداته الدينية إلى المذهب الشافعي، والعقيدة الأشعرية، وأنه قريب من الطرق الصوفية المعتدلة، بخاصة الطريقة النقشبندية، وقد درّس سابقاً في معهد الشيخ الخزنوي، في قرية معروف، في محافظة الحسكة، مادة الثقافة الإسلامية للثانوية العامة، ودرّس كذلك في محافظة السويداء[6].

تزوج أربع نساء، لكن لم تكن علاقاته الأسرية مستقرة تماماً، وقد تعرّض، في بعض الأحيان،إلى الإحراج من قبل إحدى نسائه في المسجد أمام المصلين أو في الكلية أمام الطلاب، وقد طلق إحداهن بسبب ذلك، وكان قد تزوج بعض طالباته. إلا أنّ علاقته غير المستقّرة بزوجاته لم تنعكس على علاقته بأبنائه المعروفين، فنجد أنّ بناته وأزواجهن (من أنهوا الشريعة) يفتخرون به، ويقدّرونه بصورة كبيرة على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي[7].

لم يحصل الدكتور مصطفى البغا على مكاسب سياسية أو اجتماعية من النظام السوري، كما حصل مع كلّ من أحمد كفتارو وأحمد حسونة (المفتيين العامين السابق والحالي للجمهورية السورية) وغيرهم، وبقي بعيداً عن المواقع الدينية الرسمية. لكنّه في المقابل لم يأخذ مواقف معارضة للنظام، لا قبل الثورة ولا بعدها. ويذكر بعض من يعرفونه ويعرفون عائلته بأنّه تبرأ من تلاميذه الذين كانوا يدرسون على يديه في جامع الغوّاص، خلال المواجهات بين جماعة الإخوان المسلمين والنظام السوري، واختار حينها الابتعاد عن أي موقف علني، مما جعله مقبولاً من النظام، لكن دون أن يحظى امتيازات كبيرة، كما لم يؤدّ موقفه ذاك إلى معاداته من قبل المعارضة والإسلاميين، لأنه لم يدخل في مواجهة معهم، إلى أنه خَطَبَ في بداية الثورة خطبة يدعم فيها نظام الأسد ضد الثوّار، فتغير موقف المعارضة والإسلاميين المعارضين منه بصورة كبيرة[8].

أمّا على صعيد التنشئة الدينية، فهو معروف بتشدده الديني، إذ يذكر تلاميذه بأنّه كان حريصاً على الفصل بين الطلاب والطالبات، حتى في المحاضرات، وهي الثقافة التي ورثتها إيمان عن أبيها؛ إذ نشأت في أسرةٍ محافظة دينياً، وأخذت مساراً موازياً لدراستها المدرسية في تلقي العلوم الدينية على يد والدها وعدد من المشايخ الآخرين في دمشق.

لا يتوافر بين أيدينا عن طفولة إيمان إلاّ ما كتبته هي عن طفولتها ونشأتها، إذ تقول “في بيئة كمثل بيئاتكم نشأت، قد تتميز بشيء غير موجود لدى الآخرين وقد تفتقد لما هو موجود لديهم، إلا أنني لم أكن كثيرة اللعب؛ وأما التسلية فكانت متعذرة بسبب رفض والدي أن يشتري لنا تلفازاً لألا يكون صنماً نعكف عليه (وذلك عندما كنت صغيرة ) ووضع بين أيدينا كل مفيد من القصص والكتب ..

 الجو الممل دفعني إلى القراءة. قرأت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته حتى تشربت قصصهم في كياني وعشت في جزيرة العرب وكأني أسير على حصبائها وألعب برمالها. ثم قرأت لنجيب الكيلاني وأول ما قرأت له (ليالي تركستان) وسيطر علي شعور أنني أعيش في أمة مقهورة، وآلمني العزّ الذي يعيشه الكفرة على أشلائنا.

 عدت إلى اللعب مع القراءة وأنا يافعة صغيرة، فكنت مغرمة بالسباحة ولعب التنس وتسلق الأشجار مع مواظبتي على القراءة وخاصة للرافعي والمودودي والندوي..

كنت وأنا ألعب أتناسى الذل وأذكر العز.. أتناسى الهزائم وأتغنى بالفتوحات ….

 أحببت جميع الناس الذين أعرفهم (ضحكتي تصل إلى آذاني إذا رأيت أحداً ما).. ولكن قصص الصحابة جعلتني أهيم بكل من سار على درب الحق وعمل له.. فأرى فيه أكبر محبّ للإنسانية وإن وجده الكثيرون بغيضاً مبغضاً

 أحببت أكثر العلوم النظرية : اللغة والتاريخ والشعر والفلسفة إلا أني عرفت أن العلم الحقيقي هو الفقه فأقبلت عليه بنهم شديد”[9].

بقراءة “النص” السابق، نجد أنفسنا أمام “صناعة أيديولوجية ونفسية” مبكّرة، فقد نشأت إيمان بصورة إسلامية بحتة، بعيداً عن التلفزيون وعن منتجات الحداثة الغربية. أحبّت القراءة، بخاصة كتب الصحابة والسيرة النبوية والتابعين، والروايات الإسلامية، حتى أصبح “خيالها” معجوناً بتلك الثقافة، كما تقول “حتى تشرّبتُ قصصهم في كياني”.

ثم تتحدث في موقع آخر في صفحتها على الفيس بوك عن تجاهلها لما كان يُدرس في المدارس،مما يخالف تلك الثقافة، وتقول أنّها كانت تنام خلال تلك الحصص[10]. وإذا كانت هذه النشأة الدينية تفسر بحدّ ذاتها- كما تقول هي: “هذه نشأتي ولعلها توضّح أنّه ليس من الغريب أن أتوجه إلى أرض الخلافة فتلك أمنيتي” – توجهها الإسلامي الصلب، فإنّ مواقف والدها السياسية المهادنة للنظام لا تفسّر لنا التوجه الراديكالي لها المعاكس له تماماً! وهي الفجوة التي تحاول هي دوماً ردمها وعدم إظهارها، في مقابل إبراز دور والدها في تنشئتها التنشئة الدينية وتعليمها العلوم الشرعية.

ومن الواضح أنّها تعتز كثيراً بشخصيتها وبتلك التنشئة الدينية، وباهتمامها بكتب الفكر الإسلامي، لشخصيات مشهورة، مثل الندوي والمودودي ومصطفى الرافعي، ما انعكس لاحقاً على لغتها، كما نلاحظ في كتاباتها. وتشير هي إلى أنّها قرأت القرآن على يد شيخ القرّاء كريم راجح، وتتلمذت على يديه، وتنقل عنه أنّه قال فيها “لقد اجتمع على تكوين عقل هذه الفتاة عدد كبير من العلماء، ورأيتُ عندها من عقولهم جميعهم“.

أنهت دراسة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق في الفقه وأصوله، بعد أن حصلت على الدبلوم العالي في التربية. وانتقلت إلى العمل في السعودية، في العام 2001، (تقول بتغريدة لها بأنّها غادرت سورية قبل 15 عاماً)[11]. وعملت هناك في جامعة الدمام مدرّسة لمادة الثقافة الإسلامية.

ويقول بعض تلاميذ والدها أنّهم كانوا معها في الدراسات العليا، في كلية الشريعة بجامعة دمشق، لكنّها كانت بعيدة – نوعاً ما- عن أجواء الطلاب، لذلك لم تكن شخصيتها واضحة أمامهم أو معروفة لديهم. وبخلاف شقيقاتها اللواتي أنهين الدكتوراه في الشريعة (حنان وسمية وأسماء) فإنّها لم تتزوج أحد طلاب والدها في كليات الشريعة، ممن أنهوا الدراسات العليا أو البكالوريوس، بل تزوّجت صيدلانياً، وإن كان معروفاً بتديّنه وبحفظه للقرآن الكريم، وبأنّه من تلاميذ الشيخ كريم راجح، شيخ القرّاء، الذي درست هي الأخرى عنده.وفيما عدا ذلك لا تتوافر أي معلومات (على الأقل إلى حين طباعة الكتاب) عن زوجها، سوى أنّه من عائلة حدّاد.

 

 

-2-

أين نقطة التحول؟

عاشت إيمان في السعودية 15 عاماً، للتدريس في جامعة الدمام. ومن المعروف بأنّ المدرسة السلفية الوهّابية هي المهيمنة على الوسط السعودي، في حين أنّ والدها، وعلماء الشام ينتمون إلى مدرسة تُطلق هي عليها اسم “مدرسة الشيخ حسن حبنكة”، في دمشق، (وتقول إيمان بأنّها تنتمي إليها) وهي مدرسة أشعرية، شافعية. في المقابل فإنّ تنظيم الدولة الإسلامية ينتمي إلى السلفية الوهابية الصريحة، وكانت إيمان قد درست الشريعة على يد والدها وفي جامعة دمشق، فهي في الأصل “أشعرية” في عقيدتها. لكن من الواضح أنّها تحوّلت إلى العقيدة السلفية خلال تواجدها في السعودية واحتكاكها بالأوساط الدينية والعلمية والوعظية هناك. فهي وإن لم تتحدث عن انتقالها أو تحولها من العقيدة الأشعرية إلى السلفية، لكنها في نقاشها للأشعرية، لاحقاً، بعدما انتقلت إلى الموصل، تُظهر فكرها السلفي، بخاصة في مسائل العقيدة والأسماء والصفات والتأويل، التي تمثل مفترقاً بين الصوفية والسلفية. يأتي ذلك من خلال ردّها على أحد السائلين ” قال لي أحدهم مرة: أريد الجهاد، ولكن الدولة ترفض الصوفية والأشعرية؟ فقلت له: وما هي المشكلة؟! اترك صوفيّتك وعدّ عن تلك المسألة تصير دولاوياً (أي مع تنظيم الدولة). المسألة بسيطة بالنسبة إليك.. قالها الأشعري وعاد عنها.. ليتركوها.. فلم يكن الصحابة متصوفة ولا أشاعرة، ولم يكن الأئمة كذلك.. فلم وجع الدماغ والاختلاف!؟[12].

بالنسبة لها، لا توجد أي نقطة تحول بانتقالها من الأشعرية إلى السلفية، فهي فقط أعادت النظر في موقفها من “تأويل الصفات” (في العقيدة)، أمّا الأحكام والقضايا الأخرى، والمسائل الفقهية عموماً، فلم تجد فرقاً بين انتمائها لمدرسة حسن حبنكة، كما تصر دوماً، في سورية والمدرسة السلفية في السعودية، إذ حافظت على رؤيتها الدينية المحافظة، وربما وجدت مساحة مشتركة في ذلك بين السلفية والتزامها السابق، من خلال رفض الحداثة الغربية ومحاولات التجديد الديني (التي تسميّها تلميع الدين)، والتمسك بالتراث الفقهي الإسلامي، وبالتشدد في أحكام الدين، كما تقرّ هي، إذ ترى بأنّ التشدد في الدين أفضل من التراخي فيه ومن التشدد بما تسميه الفسق والخروج على أحكام الدين ” ما أجمل التشدد على الشرع الذي فيه إجابات رائعة عن كل معضلة[13].

ولكيّ تردم الفجوة تماماً بين المدرستين، اللتين تحاول التجسير بينهما؛ الصوفية الدمشقية المعتدلة والسلفية، تضع نفسها في مواجهة المتشددين من كلا المدرستين، وممثّلة للفكرة الجامعة، إذ تقول ” ابتلاني الله بعداوة المتصوفة والجهلة من متشددي السلفية، لم أجدهما يختلفان عن بعضهما في الغيرة على جهلهما.. تنظر إلي المتصوفة بغيظ وأنا أشرح مسألة فقهية وأذكر عللها وحكمتها وكيفية القياس عليها، وأشباهها ونظائرها في الفقه، لأنها تريدني أن أكتفي بالتسبيح والتهليل فهي لا تعرف غيرهما، وفاتها أن العلماء أجمعوا على أن ما يتعدى نفعه إلى الغير أكثر ثواباً وأجراً مما منفعته قاصرة على الشخص، ونفع العلم متعد إلى الآخرين، أما ثواب الذكر فهو لي فقط .

 وأما السلفية المتشددة فتتعامل معي بحنق وتتهمني بالفساد لأنني لا أكتفي بذكر الآيات والأحاديث، فهي لا تُحسن قراءة غيرهما؛ هذا إن كانت تعرف كيف تقرأ. ولا تقتنع بقوله تعالى: ” فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون”. وعبثاً شرحت لها ولأمثالها أن ما أقوله هو من كتب العلم، وأن العلماء يكتبون الحديث في سطر ثم يستنبطون منه الصفحات تفقّهاً منهم لدلالاته ولبيان كيفية تطبيقه ومسائله.. ولكن شرحي هذا لا يزيدها إلا قناعة بأني أتفلسف.

 آخ ثم آخ ..وعذراً منكم أن شرحت معاناتي منذ أن بدأت التدريس من جهلة لا يريدون للملتزم أن يتجاوز قدراتهم، ومشكلة الطرفين هو تقاعسهم عن طلب العلم بسبب ضعف همتهم، وبنفس الوقت يريدون التصدر، فيكبتهم طالب العلم، فيعادونه..

 وعذراً مرة أخرى أن أشغلتكم إخوتي وأخواتي وقلت لكم ما لا يعنيكم في شيء من معاناة مضنية، ولكن تباً للجهل، فإن صاحبه تصوف كان مقززاً بشكل مضاعف، وإن صاحبه تشدد كان مرعباً بشكل مضاعف؛”إكسترا” مضاعف”[14].

نشطت إيمان في السعودية، بالإضافة إلى عملها الجامعي في جامعة الدمام مشرفة على قسم الثقافة في الهيئة العالمية لإعجاز القرآن، بإلقاء المحاضرات وبالدعوة الإسلامية، وكانت (قبل انتقالها إلى الموصل) تختار كتاباً لمناقشته مع قرّائها، وتشير تقارير إعلامية بأنّها كانت متشددة دينياً، خلال تلك الفترة.

من يتابع مواقفها الفقهية والسياسية ونظرتها الاجتماعية، على صفحتها على الفيس بوك، لن يشعر بأنّه توجد، على الأغلب، نقطة “تحوّل فكرية” واضحة لديها، أو انعطافة معينة أدت إلى انتقالها من اتجاه إلى آخر، ويبدو أنّعبورها إلى السلفية قد تمّ بسلاسة من دون ضجّة، وأنّها انسجمت مع الأوساط السلفية السعودية بسهولة. لكن، ليس ثمّة شكّ بأنّ وجودها في السعودية، منذ العام 2001، وانتقالها الناعم إلى السلفية، قد سهّل عليها قرار الهجرة إلى الموصل والانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية هناك، الذي يستند في مواقفه على العقيدة السلفية أيضاً؛ومن ثمّ فإنّ القرار كان يتطلب دافعاً نفسياً، أكثر مما يعكس تحولاً فكرياً أو ثقافياً حدث لديها.

شكلت الثورة السورية وبروز الصراع في سورية بين التيار الإسلامي والحكومة السورية ، المدعومة من إيران، عاملاً محفّزاً آخر، ذا أبعاد فكرية ونفسية في وقت واحد. فإذا استحضرنا هنا أصولها الشامية من جهة، وفكرها السلفي من جهة ثانية، فسنرى بأنه من الطبيعي أن تنحاز إلى الثورة السورية، لكن المشكلة كانت في موقف والدها وأشقائها المؤيد لبشار الأسد، أو المهادن له؛الأمر الذي أحدث فجوة كبيرة بينها وبينهم. على أنّ موقفها كان هو الأقرب إلى قناعاتها وأفكارها الدينية والفكرية، أما موقف والدها وأشقاؤها فهو الذي يصعب تبريره في مجتمع سني سوري عموماً، لأنّ المناخ المجتمعي والسياسي العربي مشحون بالحرب الأهلية والطائفية، وبما يسمّى “الأزمة السنية”.

ووفقاً لبعض المقربين من الأسرة، فإنّها، قبل مغادرتها إلى سوريا بفترة قصيرة، جاءت إلى الأردن لزيارة والدها، ويبدو أنّها تلك الزيارة كانت من المحاولات الأخيرة للتواصل بينهما لردم الفجوة. لكن من الواضح أنّ والدها، وفق هؤلاء المقربين، كان مصراً على موقفه، فقد كان دائماً يسعى إلى الابتعاد عن المواجهة والصدام مع نظام بشار، بخاصة أن أبناءه ما يزالون في سوريا، ويعملون في الجامعة، كما أنّ والدها بعيد أصلاً عن المشهد السياسي بصورة مباشرة، ولا توجد له مواقف واضحة أخرى باستثناء تلك الخطبة التي اعتبرتها أوساط المعارضة مؤيدة للأسد؛ فهو يفضّل الابتعاد عن اتخاذ مواقف سياسية صريحة سواء مع النظام أم ضده[15].

ومع هذا الفارق الكبير في المواقف السياسية بينها وبين والدها، وبالرغم من أنّ عائلتها تبرأت من انضمامها إلى داعش، وانقطع التواصل بينهم، إلاّ أنّها تحاول دوماً أن تلمّحإلى أنّها ما تزال على خطّ والدها، وبأنّها امتداد لمدرسته، وكأنّها تريد أن تقول بأنّها تُكمل ما لم يقم به هو؛ ففي جوابها على نقاش مع أحد من تسميّهم “أبناء العلماء”،  المتحفظين على تنظيم الدولة الإسلامية، تصل في خلاصة ذلك النقاش، إلى القول ” ماذا يستفيد الناس منكم يا أولاد المشايخ إن لم يجدوكم وقت الجهاد في الصفوف الأولى؟ إن قامت دولة الخلافة ولم تكونوا أول من يناصرها؟ لقد لقيتُ أنا وأنت وهم من احترام الناس الكثير، وعشناً عزّاً بسبب مشيخة أبائنا، كل ذلك لأنّ الناس يرون في خطواتنا طريقاً نحو آخرتهم فيسيرون خلفنا.. فهل نتركهم يقولون اليوم: على شو احترمناهم ووقرناهم؟ أليفرحوا بأنفسهم؟ بينما هم في الحقيقة يعيشون مثلنا هم حياتهم ودنياهم”؟ثم تضيف:“الأمة اليوم لا تحتاج مواعظ والدك ووالدي، الأمة بحاجة للجهاد، حيث استبيحت حقوقها وحرماتها. الأمة بحاجة إلى بيان أهم حكم، وهو أن الجهاد صار فرضاً عينياً عليهم جميعاً. وإلاّ فإنّ الذل ينتظرهم في الدنيا وعذاب الله في الآخرة”[16].

لكن، لماذا اختارت إيمان تنظيم الدولة الإسلامية، وليس فصيلاً جهادياً آخر، أو حتى جبهة النصرة، مثلاً؟

ثمّة سببان يمكن أن يسهما في الإجابة عن هذا السؤال، الأول موضوعي، والثاني ذاتي.

أولاً: السبب الموضوعي؛ يبدو هذا السبب واضحاً من خلال إشاراتها المتعددة إلى توافقها الفكري مع ما يطرحه تنظيم الدولة، إذ تقول ” لقد أتيت إلى الدولة الإسلامية لأنّها وافقت كل ما آمنت به وتعلمته، ولم تغير لي الدولة شيئاً من أفكاري، وما تعلّمت جديداً عند الدولة لا أعرفه، أكرر لقد أتيت إليها لأنّها طبقت ما أعرفه وما تعلمته من الشرع. لقد اكتشفتُ أني داعشية قبل أن توجد داعش[17].

وفي موقع آخر تقول لإحدى السائلات ” لم أضطر لتغيير فكرة كنتُ أؤمن بها عندما دخلت الدولة وعرفت منهجها. فكل ما فيها يتوافق مع ما درسته جملةً وتفصيلاً[18]. وتؤكّد أنّ اختيارها كان لهذا التنظيم وليس للتنظيمات الأخرى، بما فيها جبهة النصرة، لأنّها تعتقد بأنّ هذا التنظيم هو الأكثر صواباً، إذ تقول “ عندما أتيتُ إلى الدولة واخترتها، كنتُ أعرف العرعور والمحيسني والظواهري والجولاني، وأعرف أنّهم ضد الدولة، ولم أكن أعرف البغدادي ولا العدناني ولا أبي حمزة ولا عمر الشيشاني ولا غيرهم. ولكني اخترتهم من منهجهم الصحيح، مع أني لا أعرف أشخاصهم، وابتعدتُ عن الذين أعرفهم؛ لأنّهم على خطأ[19].

ويمكن بوضوح إدراك تطابقها الفكري والفقهي مع أيديولوجيا الدولة الإسلامية، في آرائها الاجتماعية والفكرية والدينية، فهي تؤكّد على أنّها تختلف معزمرة من العلماء والمفكرين الإسلاميين، أمثال يوسف القرضاوي [20] وعبد الكريم بكار[21]، وأنّها لا تعتبرهم فقهاء حقيقيين، لأنّهم يسعون فقط إلى “تجميل الإسلام”. وهي تؤيّد تطبيق تنظيم الدولة الإلزامي للأحكام الإسلامية في فرض النقاب (غطاء الوجه) على النساء (وهو مسألة فقهية مختلف عليها بين الفقهاء، حتى في الأوساط السلفية نفسها)، وتشجع على فرض إقامة الصلاة والعقوبات الإسلامية وتطبيق الشريعة وترد على خصوم هذه المواقف والسياسات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية بصورة حادة، فتقول ” من أجمل ما في الدولة الإسلامية إلزام النساء بالنقاب؛ غطاء الشعر فقط لا يكفي بل قد يزيد فتنة. وغدت النساء بالنقاب محترمات مبجلات لا فرق بين واحدة وأخرى. يذهبن لأغراضهن دون أن يتعرض لهن فاسق بكلمة. سابقاً، ألزم الطواغيت الناس بالفسق ومنعوهم من دينهم وقلّ من اعترض. فلأن يأتي اليوم من يجبر الناس على كل ما أتى في الشرع فهو نعمة من الله. قالت لي واجدة وقد انزعجت من أمر المحتسب لها بالتغطية: “والله ديننا يُسْر”. فرددت عليها: هل كنت تقولين لمن يمنع من الحجاب: ديننا يحرم ذلك. لقد عاش من عاش سابقاً في معاصٍ ومعاصٍ ورأوا شرع الله يُحارب وسكتوا، والآن أتاهم عباد أولو بأس شديد لا يخافون في الله لومة لائم يسوقونهم إلى الجنة”[22].

لا تختلف مواقفها من التلفزيون والمسلسلات والأغاني والثقافة الغربية والحداثة عموماً عمّا سبق.فهي تحرّم الاحتفال بأعياد المسيحيين الدينية وترى بأنّ الأعياد الأخرى، مثل عيد الأم وغيرها، غير مشروعة في الدين[23].

لم يكن مستغرباً، من ناحية موضوعية، إذاً، أن تتقبل إيمان البغا فكر داعش وتعلن انتماءها له، وأن تكتب مقالها الشهير “أنا داعشية قبل أن توجد داعش” (الذي نشره التنظيم ككتيب صغير، رغم أنّه لا يتجاوز في حجمه أن يكون مقالاً قصيراً)، تعلن فيه ولاءها وانتماءها للتنظيم وتبرر ذلك بالقول ” منذ أن قرأتُ مآسي المسلمين.. وكنت قد قرأت سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحياة الصحابة والفتوحات: قرأتها عشرات المرات، وقرأت التاريخ بكل ثوراته، ودرستُ فقه الجهاد على يد كبار العلماء، منذ أن فعلتُ ذلك كنتُ داعشية التفكير والمنهج، أنا داعشية قبل أن توجد داعش، وأعرف من وقتها أنّه لا حل للمسلمين إلاّ بالجهاد”. وتضيف لاحقاً ” أعرف فكر الدولة الإسلامية ومنهجها من متابعتي لها، والله إنها على حق في كل ما تفعله”[24].

في الخلاصة، فإنّنا أمام امرأة تحمل قناعة كاملة، فكرياً وفقهياً، بفكر تنظيم الدولة، تنحدر من تنشئة دينية واتجاه ثقافي يُغذّي هذه القناعات.

ربما يبقى السؤال هنا، فيما إذا كان حرصها على ردم الفجوة بين مدرستي “حسن حبنكة” والسلفية هو مجرد محاولة نفسية للتحايل على اختلافها مع والدها، وتحولها نحو السلفية، ولتجنب إظهار الصدام بين موروثها الروحي والفقهي ومدرستها الجديدة، ولتقول بأنّها لم تتحول ولم تتغير أو تتأثر بالأوساط السلفية السعودية، أم أنّ ثمّة “أرضاً مشتركة”،بالفعل، تجمع الوهابية بمدرستها السابقة؟

يقول أحد تلاميذ والدها “من درس في كلية الشريعة في جامعة دمشق، على يد علماء الشام المعروفين، لن يستغرب فعلاً أن تصبح إيمان البغا داعشية، وذلك ينطبق على نسبة كبيرة من الطلاب، الذين يتوافر لديهم الاستعداد الفكري. ففي الكلية تُدرّس العلوم الفقهية القديمة، ووالدها تحديداً معروف باهتمامه الكبير بتحقيق المخطوطات الفقهية القديمة، وبالتشدد في الأحكام الفقهية، عموماً. والفقه الذي يُدرّسه هو الفقه النصوصي ومنهجه يقوم على التفسير الظاهري للنص؛ ما يتوافق مع المنهجية السلفية، حتى وإن اختلفت الاثنتان (أي الأشعرية والسلفية) في بعض مسائل العقيدة، فالتشابه كبير في مسائل الفقه والأحكام الشرعية. وتزيد على ذلك المدرسة الأشعرية بدمشق بتقديس التراث الفقهي الإسلامي، وهو مرجعية تنظيم داعش، الذي لم يأتِ بأحكام فقهية جديدة، لكنّه التزم بالأحكام الفقهية التقليدية في التراث، وقام بإسقاطها على الأحوال الراهنة”[25].

يؤيد هذه الفرضية بقوة، الدكتور محمد حبش، وهو من علماء الشريعة السوريين المشهورين، وكان عضواً في مجلس الشعب السوري، ثم انتقل إلى صفوف المعارضة السورية في الخارج، ويتفق مع ما ذكرناه سابقاً من أنّ إيمان أكثر انسجاماً مع ثقافتها الدينية ومع ما تعلمته من أبيها وعائلتها، إذ يقول ” لا تمارس إيمان البغا التملق والتزلف للبغدادي، ولكنها تقدّمه، بلغة فقيهة مُحْكَمَة، رائداً في تطبيق شرع الله، وتقدم لكل سلوك من السلوكيات التي مارسها تنظيم الدولة الإسلامية سلسلة من الأدلة الفقهية المحكمة، وهي تقوم بإيراد الأدلة بلغة المحدّثين المتينة. وتؤكد بأن تطبيق الدولة الإسلامية لهذه الأحكام لا يعدو شرع الله وأمره قيد أنملة. شخصياً لا أعرف إيمان مصطفى البغا وإن كنت على معرفة تامة بعائلتها وأسرتها العلمية، ولكننني على يقين بأنها أكثر أهلها انسجاماً مع ما تعلمته وعلّمته، وهي فيما أعتقد لا تعاني أي عقدة نفسية أو اجتماعية فهي تمارس بالضبط ما تعلمته على مقاعد الدرس وما علمته لطلابها في الجامعة والمدرسة”[26].

ويضيف حبش ” ليست إيمان البغا ظاهرة استثنائية، وهي ليست سيدة تائهة، إنها تطبق بأمانة ما تعلمته وعلّمته. وربما نحن التائهون الذين نستمر في تعليم هذه الفظائع، ونصر على تدريس “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن  لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة”، و”من بدل دينه فاقتلوه”، ونقول إنها شرع الله وسنة نبيه ثم نغضب حين يمارسها جيل الجنون تماماً كما رويناها وعلمناها. إنها ليست استثناء بل هي واحدة من مئات المتخصصين في الفقه الذين انضموا لداعش”[27].

باختصار، وفقاً لهذه الفرضية، فإنّ ما حصل مع إيمان البغا، هو أنّها انتقلت من النظرية إلى التطبيق، ونقلت قناعاتها الفكرية والفقهية والثقافية إلى المرحلة الأخرى؛ أي إلى التنفيذ العملي، وأخذت قرارها بالهجرة إلى تنظيم داعش.وهو قرار وإن كان منطقيّاً من الناحية النظرية، في ضوء ما سبق، إلاّ أنّ هنالك شروطاً نفسية وسوسيولوجية أخرى إما أن تساعد على اتخاذه أو تقف عائقاً ضده، وهذا ينقلنا من الأسباب الموضوعية إلى العوامل الذاتية، أي المرتبطة بشخصية إيمان البغا نفسها.

ثانياً: السبب الذاتي،  المفارقة أنّه وفي مقابل هذا الحجم الكبير من نشر أرائها ومواقفها، فإنّ المعلومات المتوافرة عن حياتها الأسرية الخاصة، وحتى عن علاقتها بعائلتها الكبيرة، وبزوجها تكاد تكون شحيحة إن لم تكن معدومة تماماً!

ومن مراقبة صفحات التواصل الاجتماعي لأشقائها وعائلاتهم وعلاقاتهم البينية، فإنّ النتيجة الرئيسة التي قد يخرج بها الباحث هو أنّ العلاقة غير واضحة، أو أنّهم متباعدون، ليس فقط جغرافياً- هناك من يعيش في السعودية، وداغستان وتركيا – بل حتى نفسياً، ولا تكاد تجد مشاركات متبادلة فيما بينهم، بالرغم من نشاطهم الملحوظ على شبكات التواصل الاجتماعي، سواء شقيقاتها وشقيقها أنس، أو حتى أزاوج شقيقاتها[28].

هنالك مؤشرات أخرى على هذا التباعد، فلم يتم الحديث علناً عن هجرة شقيقتهم إيمان وأطفالها إلى الموصل، إلاّ عبر شقيقتها د. حنان البغا، المقيمة في السعودية، وبتصريح مقتضب (على مواقع التواصل الاجتماعي) أشارت فيه إلى عدم رضا العائلة والوالد (د. مصطفى البغا) عن ما فعلته إيمان[29]. ثم لا نجد أي أخبار عنها، ولا حتى تعليقاً أو تعقيباً من قبل العائلة على مقتل ابنها، مصطفى، في سوريا، في يوليو/ تموز 2016، ولا أي إشارة من قريب أو بعيد لها، ولا حتى نجد لها اسماً في أغلب صفحاتهم على موقع الفيس بوك، ضمن قائمة الأصدقاء. ولا نعرف إن كان ذلك سابقاً لهجرتها، أم بعده. لكن المهم أنّنا أمام ما يبدو قراراً عائلياً اتٌّخذ بالتزام الصمت، وبقطع العلاقة مع “الدكتورة المتمردة”، بل وربما نكون أمام شعور بخطورة ما قامت به على العائلة ومصالحها، سواء للمتواجدين في سوريا أو حتى في السعودية!

المؤشر الثاني هو ارتباك موقفهم (أي عائلة مصطفى البُغا ومحيطها) جميعاً من الثورة السورية، وهو ما يظهر بين سطور مواقفهم على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، ومواقفهم الأخرى المعلنة من جهةٍ أخرى. فمن يتابع صفحات كل من حنان وزوجها وأسماء سيلاحظ أنّهم أميل إلى تأييد الثورة، أو على الأقل عدم القبول بما يقوم به النظام، أمّا أنس فيتجنب عموماً الخوض في هذه الشؤون ويركز على أدواره الدعوية في الداخل والخارج، في حين أنّ الحسن، الابن الأكبر، قد أعلن موقفه بوضوح بالانحياز إلى جانب النظام، و يفضّل والدهم الصمت؛ ولولا تلك الخطبة اليتيمة (التي أيّد فيها الأسد) لما كان موقفه معروفاً لأحد، وإن كانت الأوساط الدينية في سوريا تعرفه تأييده للنظام[30].

قد يكون ابتعادها، جغرافياً، عن عائلتها وإقامتها في الدمام في السعودية، وتأقلمها مع تلك البيئة الجديدة، واندماجها في الأوساط السلفية السعودية، ووجود مجموعة من الطالبات والصديقات المتأثرات بها هناك، عاملاً ساعد إيمان على اتخاذ القرار النفسي، بحيث وضعها في أجواء بعيدة عن سطوة الأسرة ووالدها، وفيها مساحة أكبر من العلاقات مع المحيط السلفي.

ما تزال إحدى الحلقات المهمة المفقودة في هذا التحليل هو زوجها، فبالرغم من كل الجهود التي بذلناها، عبر عائلتها وأصدقاء العائلة لمعرفة شخصيته عن قرب، لم نجد ما يحدّد شخصيته ومواقفه، أو علاقته بها قبل الهجرة وبعدها، وكل ما تمّ التوصّل إليه هو أنّه صيدلاني، حافظ للقرآن، ملمّ بالقراءات العشر، كما ذكرنا سابقاً (والقراءات العشر هي مرحلة متقدمة في حفظ القرآن ومعرفة أحكامه). لكن لا توجد أي إشارة إليه في كل كلام إيمان البغا، ولا في كلام أحلام النصر؛ التي يُرجّح أن تكون ابنتها، ولا حتى في أوساط المقربين من العائلة، بينما تشير معلومات غير مؤكّدة (من أوساط قريبة من العائلة، وبعض المنتديات الإلكترونية) إلى أنّه تمّ الطلاق بينها وبينه، بعد أن اعتبرته مرتداً، ما يبدو أنّه مرتبط بتأثرها بفكر تنظيم الدولة الإسلاميةبشكل أكبر لاحقاً. ولا يُذكر الرجل (زوجها ووالد الأبناء) في كل ما حدث إلاّ في وصية ابنها (مصطفى) التي نُشرت بعد مقتله، بأنّه قد ربّاه تربية حسنة وأنّه سُميّ بمصطفى تيمّناً بجده لعله يصبح عالماً مثله![31].

كل ما هو معروف عنها في السعودية، قبل هجرتها، هو انخراطها في الأجواء السلفية السعودية، منذ فترة طويلة، وتشددها الديني (وفقاً لرواية طالباتها)، وبأنّ ابنتها أحلام كانت تدرس في مدرسة خاصة في مدينة الخُبر، وبأنّها كانت ترفض الخوض في موضوع الثورة السورية، لقناعتها بأنّهم خرجوا يطلبون الحرية والديمقراطية، بينما هي تريد إقامة دولة إسلامية[32].

لكن  هل ما سبق  بحدّ ذاته دافع كافٍلاتخاذ قرار الهجرة؟

إذا أعدنا تركيب الصورة فنحن نتحدث عن داعية وأستاذة سورية متدينة، تسلّفت، واندمجت منذ أعوام طويلة في أوساط دينية سلفية سعودية متعاطفة مع الثورة السورية، مع وجود آلاف السعوديين الذين هاجروا للقتال هناك، ومعهم سعوديات هاجرن إلى تنظيم الدولة الإسلامية وإلى القاعدة في اليمن، فمن المحتمل في مناخ مثل هذا أن نجد دافعاً كافياً إلى الانتقال إلى هناك والاندماج في تنظيم الدولة الإسلامية، الأقرب إلى السلفية وإلى “الأفكار المتشددة” (أو التي تتوافق مع أفكارها؛ كما قالت هي “داعشية قبل أن توجد داعش”).

يضاف إلى ما سبق عاملان مهمّان؛

العامل الأول: أسرتها الصغيرةوتأثير أبنائها المحتمل عليها. فما لبثت إيمان أن غادرت إلى سوريا حتى لحق بها أبناؤها الثلاثة: ابنتها أحلام النصر، الشاعرة الصغيرة (كان عمرها 15 عاماً)[33]، وابنتها الثانية (14) عاماً، وابنها مصطفى (13 عاماً) في حينها (أي في العام 2014). وقد انخرط الثلاثة فوراً في التنظيم، فابنها أصبح مقاتلاً على الجبهات، إلى أن قُتل بعد عامين تقريباً من هجرتهم، وابنتها أحلام تزوجت من أبي أسامة الغريب[34]، وهو شاب بلجيكي من أصل مصري، اسمه محمد محمود،[35] كان ناشطاً في بلجيكا، في مسجد ملّة إبراهيم، وحكم عليه بالسجن هناك لمدة أربعة أعوام، لتصريحه بميوله الداعشية، لكنه تمكن من مغادرة بلجيكا والالتحاق بالتنظيم، أما ابنتها الثانية فتزوجت فرداً آخر من التنظيم[36].

ومن خلال متابعة نشاطات أبنائها (أحلام ومصطفى) نلاحظ إيمانهم بأيديولوجيا التنظيم، بصورة عميقة، وليست آنية، أو سطحية؛ بمعنى أنّنا أمام أطفال أيضاً “عُجنوا” بهذه الثقافة والفكر. ومن يقرأ أشعار أحلام ويتابع ما تنشره من مقالات وتعليقات عما يحدث في سوريا، سيلحظ إلماماً عميقاً وإيماناً صلباً بالتنظيم ومشروعه وأيديولوجيته، فهي تكتب قصيدة شعرية دفاعاً عن هيلة القصير (أم الرباب المعتقلة في السجون السعودية)، ولها قصائد كثيرة في الانتصار للتنظيم، وكلام في الرد على الظواهري وقيادات القاعدة دفاعاً عن التنظيم، وهجوم شديد على الجيش الحرّ والجبهة الإسلامية والفصائل الأخرى، وهي “نصوص” تُظهر لنا بوضوح فتاة منخرطة إلى أبعد مدى في الإيمان بهذا الفكر عن وعي أيديولوجي، وليس فقط عن انفعال عاطفي، بالرغم من صغر سنّها  وهو ما يفسّر لنا، بالإضافة إلى مهاراتها الأدبية، سبب شهرتها الكبير في الأوساط المؤيدة للتنظيم؛ حتى اعتُبرت شاعرة التنظيم، وتُنشر قصائدها ونصوصها من قبل المؤسسات التابعة له، ولها عشرات الآلاف من المعجبين بما تكتب، بالرغم من الحصار الالكتروني لحساباتها من قبل الشركات الكبرى![37]

ما يعزز هذه الفرضية في التحليل ما روته إيمان البغا مؤخراً عن حلم رأته قبل سفرها إلى سوريا” رأيت مطراً ينهمر بغزارة وبهدوء ولطف، قطراته رذاذ إلا أنها كثيرة ومتتابعة جداً، صرت أتأملها وإذا بتابوت بين الرذاذ الكثير الذي يكاد يحجبه، كان الرجال يحملونه فارتفع من بين أيديهم وبدأ يعلو، والمطر من حوله فقط أو كأن المطر هو الذي صار يحمله، وقبل أن يعلو أكثر استيقظت، لأجد ابنتي فوق رأسي تقول لي: لقد قتل قرين الكلاش ..تقبله الله !لم أستطع وقتها أن أكتب ذلك لأن ذلك كان قبل هجرتي .. ولكن الحلم بقي في مخيلتي لا أنساه”[38].

يمكن تحديد زمن الحلم بأنّه في يوم الثلاثاء 24 حزيران/ يونيو 2014، أي اليوم الذي قُتل فيه قرين الكلاش، الشاب السعودي عبد المجيد العتيبي، الذي كان يقاتل في سورية، والمعروف في الأوساط المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية[39]. لكن المهم أنّ الحلم واهتمام ابنتها بقرين الكلاش، يظهران لنا أنّ العائلة كانت متابعة بشدة ومرتبطة بوضوح فكرياً ونفسياً بالتنظيم.

من المهم الانتباه أيضاً إلى أنّ أبناءها وُلدوا في مرحلة “السعودية”، وكانوا متأثرين بتلك الأجواء، وأنّها ربتهم على المنهج الذي تؤمن به. ومن الواضح من خلال صفحتها اهتمامها بالتربية الدينية العقائدية، بالإضافة إلى تأثرهم بالمناخ السلفي الموجود، ثم جاءت الثورة السورية في باكورة وعيهم، كمراهقين صغار، لتشحن تلك الثقافة بديناميكيات عاطفية شديدة، انفجرت من خلال شعر ابنتها (أحلام) واهتماماتها؛ واللافت في الأمر، أنّ أغلب المراقبين كانوا يعتقدون بأنّ الشاعرة الصغيرة هي سعودية من شدّة اندماجها في البيئة هناك. فالمرحلة السعودية كانت عاملاً حاسماً ومؤثراً بدرجة كبيرة في قرار كل من إيمان البغا وأحلام النصر والابنان الآخران بالهجرة إلى سوريا.

أمّا العامل الثاني، فهو شخصيتها؛ فمن يرصد خطابها ولغتها، على صفحتها على موقع الفيس بوك[40]،سيلاحظ مستوى الثقة الكبير بالنفس لديها، ما قد يُفسّره البعض بأنّه غرور وتعالٍ، فمن الواضح أنّها بالرغم من مخالفتها لوالدها في الموقف من النظام السوري ومن الثورة، فإنّها بقيت مصرّة على أنّها بنت الشيخ مصطفى، وتلميذة مدرسته ومدرسة حسن حبنكة، وأنّها حصلت على درجة عالية من الفقه والعلم في هذه المدرسة، ودرست على يد كبار الشيوخ في دمشق. وقد مدح علمها وعقليتها أحد أهم قرائها محمد كريم راجح، وتحاول أن تُجسّر بذكاء- كي لا تنقطع عن ذلك الإرث الروحي والعلمي المهم- بين تلك المدرسة العلمية، ومشيخة والدها من جهة وثقافتها السلفية السعودية وتوجهها إلى تنظيم الدولة من جهة أخرى، باعتبارهما مدرستين متكاملتين ممتدتين، وتوحي بأنّها استمرارية لتلك المدرسة وليست انقطاعاً عنها.

وقد سبق وذكرنا العوامل المشتركة بين المدرستين، الوهابية والمشيخية السورية الدمشقية (تسمى بمدرسة حسن حبنكة)، مثل الموقف المتشدد في تطبيق الأحكام الشرعية، والفهم الظاهري الحرفي للنصوص، وعدم الترحيب بالاتجاه الفقهي الذي يحاول تطوير الأحكام لتتلاءم مع العصر؛وهذه القواسم المشتركة خلقت منها إيمان البغا أساساً صلباً لثقافتها الفقهية.

يمكن ملاحظة “الأنا”، والثقة بالنفس، من خلال ردودها الساخرة على المخالفين والمعارضين، والحدّة في أحيانٍ أخرى معهم، وفي إشادتها الدائمة بعلمها ونفسها، وبتسخيف شخصيات فقهية وفكرية معروفة وشهيرة في العالم العربي والإسلامي، مثل د. يوسف القرضاوي وعبد الكريم بكّار، كما أشرنا سابقاً، بل وبمهاجمة الاتجاهات الصوفية والسلفية التي لا تتفق مع أفكارها، إذ تقول ” ابتلاني الله بعداوة المتصوفة والجهلة من متشددي السلفية , لم أجدهما يختلفان عن بعضهما في الغيرة على جهلهما”[41].كما وتهاجم الشيخ أسامة الرفاعي، وهو أحد أبرز الشيوخ المعروفين في سورية، والمؤيدين للثورة، ومواقفه ضد نظام بشار الأسد، وضد تنظيم الدولة الإسلامية، فتقول ” من المؤكد أن الشيخ أسامة الرفاعي قرر إرسال أولاده لقتال الأسد فيما سماه سوريا، ولذلك يرى أن الجهاد في سوريا لا يحتاج لمهاجرين”، ثم ترد عليه وتؤكد أهمية دور “المهاجرين” (المقاتلين من الخارج، وأغلبهم مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام) في القتال هناك[42].

هذه السمات الشخصية كان لها دور فاعل، بالضرورة، بتعزيز قرار الهجرة والانتقال للحياة في الموصل، فكتبت غداة وصولها إلى الموصل “تركت راتبي الضخم والتحقت بخدمة الأمة الإسلامية لمحاربة الطغاة، فكثيراً ما كنت أعظ طالباتي بألا يضيّعن أوقاتهن في رؤية المسلسلات”[43]. ثم تخاطب طالباتها بالقول ” غبت عنكم لأنّي كنت أبحث عن كهف آوي إليه، للنطق بكلمة الحق، لذا تركت جامعتي الحبيبة”[44].

وبالرغم من أنّه لا يوجد أي إثبات صارم بأنّ أحلام هي ابنة إيمان البُغا، فإنّ الروايات الإعلامية، المسرّبة من السلطات السعودية تؤكّد على هذه العلاقة، كما هي الحال بالنسبة لمصادر السلفية الجهادية، لكن بالعودة إلى تغريدات أحلام النصر، بخاصة التي تحدثت فيها عن مغادرتها إلى سوريا (الرقة) فإنّها تتحدث عن وجود والدتها خلال تلك الفترة في المنزل وبكائها، فيما كانت أحلام تُذكّرها بتربيتها لها على هذه الثقافة. وتذكر الرواية الإعلامية بأنّ أحلام غادرت مع شقيقها إلى تركيا، وعُقد قرانها على “أبو أسامة الغريب”، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول، فيما تمّ الإعلان عن استقالة د. إيمان البُغا من جامعتها والتحاقها بالتنظيم في 21 أكتوبر 2016، ووصولها إلى الموصل، وليس إلى الرقة، أي أنّ هجرة الأبناء قد سبقت والدتهم، وليس العكس، كما نقرأ في العديد من التقارير الإعلامية[45].

 

 

صورة لإعلان تنظيم الدولة الإسلامية عن مقتل ابنها، وفيه وصف لها بأنّها من “أعلام الدولة”، وبأنّها شاركت في بحوث فقهية مهمة، في مقدمتها أبحاث الولاء والبراء، والموقف من الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا.

 

الهجرة إلى الموصل أم سوريا/ مرجع لتأكيدها انتماءها إلى مدرسة حبنكة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

-3-

في “أرض الأحلام”

 

بالرغم من وجود أسماء نسائية بارزة في التنظيم، إلاّ أنّ الوجه الإعلامي الأكثر بروزاً ووضوحاً هي إيمان البغا، نظراً لنشاطها الكبير على صفحات التواصل الاجتماعي، وهي حالة استثنائية – كما ذكرنا سابقاً- لأنّ التنظيم يمنع أفراده من التواصل عبر تلك المواقع عموماً[46]، إلاّ بتصريح خاص. وفيما يبدو فإنّ أحد الأدوار المهمة لإيمان البغا هو السجال والنقاش والدفاع عن التنظيم وأفكاره وتأصيل فتاويه الفقهية على مواقع التواصل الاجتماعي.

الأهمية الأخرى لمكانة إيمان البغا في التنظيم، تتمثل في الجانب الفقهي، إذ تُعدّ اليوم من أبرز فقهائه، فقد تصدّر اسمها قائمة لمجموعة من المتخصصين في الشريعة الإسلامية المؤيدين للتنظيم، والذين أصدروا بياناً بعنوان “المشاعل العلمية في نصرة الدولة الإسلامية” يدافعون فيه عن تنصيب أبي بكر البغدادي “خليفة” للمسلمين، ويطالبون المسلمين ببيعته ” إننا نستحث أبناء الأمة الإسلامية والجماعات التي تنشد تطبيق الشريعة إلى المبادرة إلى مبايعة الإمام على السمع والطاعة في المعروف، ومعاضدة هذه الدولة ونصرتها، وجهاد أعداء الدين، من خلف إمامها باللسان والنفس والمال، ونرى حرمة كل فعل أو قول من شأنه أن يؤخر اجتماع كلمة المسلمين تحت إمام واحد. ولا نستريب في عصيان من تخلف عن البيعة ممن هم تحت سلطان الإمام، ونحث كل مستطيع على الهجرة إلى ربوع دولة الإسلام أن يسارع إلى الهجرة، ليسهم في تشييد صرح الأمة، وجهاد أعداء الملة، ونوجه كلمة إلى كل من لم يقف في صف دولة الإسلام، بل خالفها وانتقدها، ولم يرَ انعقاد البيعة العامة لإمامها من الأفراد والجماعات الإسلامية، وفي مقدمتهم مشايخ وعلماء الجهاد؛ فنقول: ماذا تنقمون من إمام الدولة الإسلامية وبطانته وجنوده”[47].

من الملاحظ  أنّ هذا البيان جاء بعد فترة قصيرة من وصولها إلى الموصل، وقد تصدرت البغا، على الرغم من أنّها امرأة، أسماء المتخصصين الشرعيين، فتمّ وضعها في موقع فقهي مهم، والسماح لها لاحقاً بدور كبير على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، ما يكشف لنا أنّ لها مكانة رفيعة في التنظيم، على الصعيد الفقهي والدعائي الإعلامي.

انتقلت البغا إلى الجانب العملي، وغادرت فعلاً إلى أراضي تنظيم الدولة، فهل تفاجأت بأنّ الأحلام التي رسمتها ليست صحيحة، وأنّ الواقع مغاير تماماً للحلم والتنظير، أم العكس؟

سنجد من خلال الصورة التي تنقلها لنا محاولة لتقديم الأراضي التي تقع تحت حكم التنظيم، بوصفهما “المدينة الإسلامية الموعودة”، أو “اليوتوبيا” التي يحلم بها كلم مسلم، حيث يسود حكم القانون الإسلامي، ويلتزم الجميع بأخلاق الإسلام، وتُحل المشكلات الاقتصادية والمالية، ويكون الجهاد والقتال والقوّة هيالعنوان، وتقلّ حتى المشكلات الاجتماعية، بسبب الروح الإسلامية وتطبيق العقوبات الإسلامية.

منذ الأيام الأولى التي وصلت فيها إلى الموصل، كتبت تقول ” شوارع الموصل أنظف من شوارع الدمام، بسبب القوانين التي تطبقها الدولة”. ثم أشارت إلى أنّها طلبت من المسؤولين في الدولة إصدار قانون ينظّم عمل المرأة في الدولة الإسلامية، وأنّهم استجابوا لها وقالت بأنّ ذلك القانون الموعود سيصدر قريباً[48].

تدافع إيمان البغا أولاً عن فكرة إقامة الخلافة والدولة الإسلامية، وترى بأنّ المسلمين طالما انتظروا هذا الحلم، ولما جاء اسكتثروه على أنفسهم. وترى بأنّ الدولة جاءت لتطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الحدود، وتطبيق الحياة الإسلامية بصورة عامة، وإعلان الجهاد لمواجهة الأعداء، ومن المعروف أنّ هذه المفاهيم تداعب “الخيال الفكري” والديني لكثير من الإسلاميين، ولدى شريحة اجتماعية واسعة من المسلمين، الذين يرون في هذا التوصيف جزءاً رئيساً من الإسلام[49].

تقدّم البغا صورة مثالية عن الحياة في أراضي تنظيم الدولة الإسلامية، فتقول ” مهما حاول المسلم أن يجعل حياته كما يرضي الله فإن جهده يبقى قاصراً على بيته، وسيبقى يعاني فساد المجتمع خارجه، وعدم وجود القوة التي تحمي الحقوق وتأخذ على يد الظلمة.لذلك، كان لا بد للإسلام من حاكم يذود عن الدين ويسوس الدنيا به.أحمد الله أن أكرمني بالحياة في ظل حاكم يحكم بشرع الله.الحياة في الخلافة أروع حياة في ظل شرع الله رغم اعتداء الكفرة.النظام أحسن من أوروبا ..لا رشاوي.. لا واسطات.. القضاء نافذ على الجميع..الضرائب شبه معدومة ..هناك مكاتب للتوظيف ولكنها ليس خيرية، تأخذ ما تحتاجه من الأيدي العاملة. مجالات العمل مفتوحة على مصراعيها بشرط واحد وهو أن يكون ضمن حدود الشرع؛ فمن يفتح محلاً في بيته أو نافذته أو هنا أو هناك فهو حر مع المحافظة على مرافق الشارع العامة وعدم التضييق على المارة..ولا ضرائب على أي عمل سوى الزكاة التي تكون حسب مستوى العمل وعائداته، ثم توزع هذه الزكاة على الفقراء. ومن يدخل أية مدينة في الخلافة يجد هؤلاء الفقراء يأخذون رواتبهم من أماكن مخصصة لهم.أما نظرة الدولة إلى الفقر فتدفعني إلى الابتسام شماتة بأهل الدنيا. فمن كان لديه مكان يؤويه، وطعام يومه، ولحافه، وفراشه فإنهم يقولون له: احمد الله أنت في دنيا فانية، وما عند الله خير لك، وقد يكون من يحدثونه لا يتذكر الآخرة أصلاً رغم فقره وفشله الدنيوي. بينما هم يتكلمون من منطلق منهجهم وحياتهم، فبيوت الأمراء والمسؤولين لا تحتوي إلا على حاجياتهم اليومية فقط. أكثر ما يعجبني المحافظة على الأدب، فحتى الشكوى المكتوبة يجب أن تكون خالية من أية شتيمة؛ اكتب شكواك دون شتم أو دعاء على خصمك أو توصيف ونحن نقضي لك. تداركني الوقت ..ولكن بالمختصر المفيد: فإن الفاسد والبذيء والباغي مخنوق على الآخر”[50].

من الملاحظ من النص السابق أنّها حريصة على رسم صورة وردية دعائية (عن الحلول الاقتصادية، فرص العمل، عدم وجود الرشاوي، عدم وجود الضرائب- سوى الزكاة، رواتب مخصصة للفقراء، الأدب والأخلاق، بيوت الأمراء متواضعة وبسيطة شبيهة ببيوت الناس)، وهي صورة مقصودة لمداعبة خيال المسلمين وتذكيرهم بالنموذج التاريخي الانتقائي للدولة الإسلامية في مخيالهم، سواء من كتب التاريخ أو الخطاب الإسلامي السائد من جهة، وكنموذج مناقض تماماً للواقع الذي يشتكي منه كثير منهم في العالم العربي اليوم، حيث الرشوة والفساد والمحسوبية والفقر والبطالة والظلم، الخ.

تجادل البغا في كثير من منشوراتها في الدفاع عن تطبيق الشريعة وإقامة الحدود، وترد على الاتهامات والانتقادات الموجهة للتنظيم، وتعمل على نقد الثقافة الاجتماعية في العالم العربي ومقارنتها بالصورة المثالية للثقافة الجديدة في أراضي تنظيم الدولة الإسلامية، بخاصة ما يتعلق بتطبيق الشريعة، وفق فهم التنظيم، فتقول في أحد منشوراتها ” مشكلة مجتمعاتنا أن الإعلام أفسد تفكير بعضها قبل أخلاقهم، فصارت العقول مقلوبة،تعرف الشرع ثم تطبقه بشكل مقلوب، فإن أتى من يطبقه بشكل صحيح وظهرت نتيجته الصحيحة ولولوا عليه واتهموهوكأني بأصحاب القلوب الطيبة منهم يريدون شرف الوسيلة وسوء الغاية. كيف زبطت ؟ ما بعرف، شي بيجنن والله. مثال على ذلك الزواج: يريدونه بالمقاييس الإعلامية؛فتاة في العشرين ناضجة برأيهم، وشاب أكبر منها بعدة سنوات، صار عندهم منزل وأثاث له، ومورد مالي يكفي حتى لشراء الهمبرغر وأكله على الكورنيش، وسامحونا بالسيارة على الأغلب، والحب بينهما حصل وبمباركة الأهل جميعاً، أو بشيء من الحب والمباركة. ماشي الحال مع شوية قصص زعل ورضا من هذا وذاك.هكذا يكون الزواج عندهم، وإلا راحت على جميع الغلابة الذين لا يتمتعون بهذه المواصفات.ثم يولولون من العنوسة ومن الفساد، ويبكون على المطلقة، وعلى الأرملة ..وتتوتر النساء من التعدد وكأن كل واحدة منهن ضرتها على الباب، يا أختي: قولي، اللهم حوالينا ولا علينا. ويسعد الرجال بفكرة التعدد وكأن كل واحد منهم هارون الرشيد وسيتزوج من ابنة عمر بن عبد العزيز.على كلٍّ، لا شيء من ذلك يعافينا من مصائب الزواج ..بأى بدكم تقولوا لي: أن يرضوا بالدولة الإسلامية؟ من وين؟ إذا كان عند بعضهم مصيبة أن الدولة تجبر الناس على الصلاة !!يوه، هلأ هيك الدولة الإسلامية؟؟ طيب من أين نجد دولة تجعل كل الناس يصلون من قلوبهم عن حب واقتناع؟ ابحثوا رجاء، وإلى أن نجد هذه الدولة لا مانع من أن نقبل بحكومات تقتل وتبغي وتحارب شرع الله وتعتقل وتفتح أراضيها للكفرة.إي كله قبلناه، عفواً لم نقبله، ولكن تعايشنا معه، أما أن نتعايش مع دولة تجبر الناس على الصلاة وعلى تقصير الثوب، وتمنع الدخان، وتلزمهم بأداء الزكاة، وتقطع يد السارق، وترمي باللوطي من أعلى السطح فهذا لم نجربه بعد .أصل الحكاية تعودنا على هدول الناس، ونحن نريد القضاء على السرقة والفساد و.. و.. ولكن بدون عقوبة هؤلاء.. بالحب والقناعة بس بشرط مو أنا كون المسروق^__^، نريد أن نحيا حياة صالحة كما يريد الله تعالى، نحنا مسلمين برضو إيش بيكم ؟ولا يمكن تكملة النماذج الأخرى، لأني سأحتاج إلى مجلات وجرائد”[51].

وتخصص فقيهة تنظيم الدولة الإسلامية مساحة مهمة ورئيسة من مشاركاتها ومساهماتها لمخاطبة المرأة المسلمة، وللحديث عن أوضاع المرأة في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وتدافع بشراسة عن تقييد المرأة بلبس الخمار، وإلزامها به. وتتحدث مطولاً عن أهمية الزواج المبكر، وتعتبره حلاًّ واضحاً لمشكلة العنوسة، وعن تعدد الزوجات، وتقدم ذلك بصورة وردية، وكأنّه نموذج مفارق تماماً للحالة الاجتماعية العربية، التي تعاني فيها المرأة من العنوسة وارتفاع نسب الطلاق، والشروط المعقدة والمتعبة للزواج اليوم؛ بينما الصورة مختلفة تماماً في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.

وتحاول في هذا النقاش أن تؤطر لثقافة إسلامية (كما تفهمها هي) في مواجهة الثقافة الحديثة، عبر القول بأنّ الأولى تتجاوز مشكلات الثانية الواقعية من ناحية، وأنّ الثقافة الحالية في المجتمعات العربية هي نتاج الإعلام والثقافة الغربية، وليست منبثقة من الإسلام، إذ  تقول ” المسلسلات علّمتكم أن الزواج يجب أن يكون على طبعة معينة أو لا يكون، فانتشر الزنا والفساد، وكذلك انتشرت العنوسة بين الرجال والنساء إلى درجة غير مسبوقة، ناهيك عن عدم زواج المطلقة والأرملة. في دولة الخلافة، انتفى الفساد، وانتفت العنوسة. أما أن تنتفي المشكلات الأسرية، وتكون الزيجات كأنها زيجات أميرات وأمراء فلم ننتقل إلى جنة الخلد بعد”[52].

وبعد أن تتحدث عن قصص مشكلة العنوسة وتأخر سن الزواج في المجتمعات العربية والمسلمة، تقول ” سمعتهم منذ أيام في أرض الخلافة يتحدثون عن تلك المرأة وعمرها 38 سنة، رفضت الزواج من أحدهم وأصرت على أنّها لن تقبل بمن يزيد عمره عن الـ25 عاماً”[53]. وتقول في حديثها عن كلية الشريعة في جامعة دمشق ” الأمة تُذبح، والجهاد معلن على بعد كيلومترات، وما زالوا في كلية الشريعة جامعة دمشق يمضون أوقاتهم فيمن تزوج، ومن عدّد، ومن طلّق، وهذا ابن من، وهذه ابنة من؟ في أرض الخلافة لا يتحدث أحد في هذه القصص المستهلكة، ولا يُسمح لأحد أن يتدخل في حياة أحد، والبذل عنوان الأغلبية. الزواج يتم بساعات، انتهت مشكلات الزواج، وقلّت العنوسة. إحداهن تزوجت وهي في الـ46 من عمرها. وأخرى عاد ولدها وقال لها: أمي عقدت اليوم قرانك على أحدهم فإن لم يعجبك فقولي لي لأفسخه. وافقت وحضرتُ مباركة عرسها، ولكن كانت المباركة مباركتين، لها ولابنها الذي تزوج قبلها بثلاثة أيام. كانتا رائعتين؛ العروستان، الحماة وكنتها.. مع ملاحظة أن العروس الحماة ليس لها من يعقد إلاّ ولدها”[54].

تُفرد البُغا مساحة واسعة من نشاطها الإعلامي للدفاع عن تنظيم الدولة الإسلامية واستراتيجياته ومواقفه من الفصائل السنية المسلحة الأخرى، وتركيا والسعودية وإيران والغرب، وهدم الآثار في تدمر.

الملاحظة الأولى أنّها تبرر – فقهياً، وفكرياً، وسياسياً- موقف التنظيم في قتال الفصائل الأخرى، مثل الجيش الحرّ، وفي قتل من يعتبرهم صحوات، فهم وفقاً لها مرتدون وخونة، ولا جزاء لهم إلاّ القتل. كما بررت حرق الطيار الحربي الأردني، معاذ الكساسبة بالنار، وتتهم الفصائل الأخرى بأنها تخضع لأوامر تركيا وتتلقى الأموال من الخارج لقتال تنظيم الدولة الإسلامية[55]، كما حصل في عملية درع الفرات. تقول ” زعلت تركيا من أمريكا، لأنّ الأخيرة طنشتها على الآخر، وساعدت الملاحدة الأكراد بالتمدد على حدودها. ولأنّ زعل تركيا – الآن- فيه خسارة نسبية لأمريكا فأرضتا بأن عززت مساعدتها للصحوات على الحدود التركيةالتي تسيطر عليها الدولة. وها هو المسمى بالجيش الحر الذي يعمل لصالح الائتلاف يدخل منطقة الراعي تحت غطاء الطائرات الأمريكية، ويسجد هؤلاء الجبناء الخونة شكراً لله على أن أخذوا هذه المنطقة بمساعدة الصليبيين من الدولة الإسلامية في الوقت الذي تخوض فيه الدولة الإسلامية حرباً رائعة ضد الكفرة النصيريين في دمشق وما حولها. أنزل هؤلاء الخونة راية لا إله إلاّ الله ووضعوا راية سايكس بيكو المخزية. ولكن الأمر لدى الدولة سيان. لا فرق عندنا بين الملاحدة والصليبيين والنصيرية والمرتدين والخونة من هؤلاء الصحوات الجبناء”[56].

كما تدافع البغا عن خطاب زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، الذي هاجم فيه تركيا، وتحدد موقف التنظيم من تركيا، من التحول في تعريفها من “عدو عاقل” في السابق، كانت الدولة تتجنب المواجهة المسلحة معه، إلى “عدو مجنون”، بدأ بالعمل ضد التنظيم ومهاجمته ومساعدة الفصائل الأخرى ضده. فهي تساعد الثوار لأخذ أراضي تنظيم الدولة ولا تفعل شيئاً ضد إيران وروسيا[57].

من جهةٍ أخرى تفسر لماذا لم يهاجم البغدادي إيران ويحرّض عليها؟ بالقول بأنّ إيران هي العدو الرئيس، الذي تواجهه الدولة في سوريا والعراق، وليست بحاجة إلى الذهاب هناك إلى إيران لقتالهم، وتفسر عدم القيام بعمليات في روسيا، في الوقت الذي تنشط فيه خلايا التنظيم في أوربا والغرب بالقول ” روسيا مثل المسخ بشار، 30 عملية لا تهمها لأنها تقاتل عن عقيدة حربية صليبية بطريقة لينينية أو ستالينية، لا تبالي بقتل مليون من شعبها. أما العالم الغربي فهو رأسمالي قام على شركات صليبية ولكن بعقلية رأسمالية ويهمه الربح والخسارة”[58].

وتعطي الشرعية الدينية والفقهية لقيام داعش بإصدار شريط مصور لعملية إحراق جنديين تركيين أسيرين[59].

من خلال ما سبق من النصوص المكثّفة لمشاركاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، سنجد أنّنا أمام مرافعات دائمة في الدفاع عن فكر التنظيم ومواقفه السياسية والأيديولوجية والفقهية من زاوية، ومن زاوية أخرى إبرازصورة وردية مثالية للحياة في أراضي التنظيم، وهو أشبه بالدعاية السياسية والإعلامية التي تخدم أجندة التنظيم وروايته في مقابل الروايات الأخرى، التي تتحدث عن تشدده وعن أعماله الوحشية ضد الخصوم، وفي مواجهة مواقف التيارات الإسلامية عموماً التي ترى في مواقف التنظيم وأفكاره انحرافاً عن الإسلام، فهي تقف على خطّ المواجهة الفكرية والإعلامية والفقهية ضد أغلب الاتجاهات الإسلامية في العالم العربي، وضد أغلب أطياف المعارضة السورية، وضد الصورة النمطية عن التنظيم، لتحاول أن ترسم صورة مختلفة مفارقة لما هو سائد في الإعلام عنه.

[1] حاولت إيمان البغا في إحدى المرات تقديم نفي غير مباشر بأن تكون “أحلام النصر” هي ابنتها، لكنها لم تنفِذلك بصورة قطعية ومباشرة، وقد يكون نفيها – في حال كانت أحلام ابنتها- لأسباب أمنية.

[2] حاولنا التواصل مع عائلتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في سبيل الحصول على معلومات أولية، وكان هنالك تهرب من قبل العائلة والأقارب من الإجابة على الأسئلة، حتى عن أسئلة بسيطة مثل اسم زوجها، وعن علاقتها به، وهنالك إصرار من قبل أفراد العائلة على إخفاء أي معلومة ولو كانت صغيرة عن حياتها.

[3] تشير صفحتها على الفيس بوك إلى أنها من مواليد العام 1967، وإن كانت هي تتهرب من تحديد عمر لها، وتعتبر ذلك من “منقصات المروءة”.

[4]رفضت مصادر سورية، تعرف العائلة وقريبة من أوساط كلية الشريعة بجامعة دمشق، ذكر أسمائهم بدقة.

[5] انظر عن تفاصيل زيارته لداغستان وعمله هناك، صفحة ولده الدكتور أنس البغا على موقع الفيس بوك، على الرابط التالي:

https://www.facebook.com/profile.php?id=100003327396129&fref=ts

[6] انظر التعريف به على صفحته الرسمية على الفيس بوك، ويمكن الوصول إلى ذلك عبر الرابط التالي:

https://www.facebook.com/sh.prof.moustafaalbougha/about/

[7] شهادات لطلاب درسوا في كلية الشريعة وعاصروا الدكتور البغا وأبناءه، رفضوا الكشف عن أسمائهم.

[8] انظر: مقطع من الخطبة بتاريخ 17 أبريل 2011، على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=XhARfOgQusU ، وكذلك: إبراهيم الجبين، إيمان البغا أم داعش الفقهية في الموصل ووالدها يدعو لبشار الأسد، صحيفة العرب اللندنية، 29 نوفمبر 2015، على الرابط التالي:

http://www.alarab.co.uk/?id=67407

[9] صفحتها على الفيس بوك الرابط التالي:

https://www.facebook.com/dremanelbogha?fref=ts

[10] في صفحتها على الفيس بوك، بتاريخ 24 يناير 2016.

[11] المرجع السابق 13 ديسمبر 2016.

[12] المرجع السابق، 13 ديسمبر 2016.

[13] المرجع السابق، 7 نوفمبر 2016.

[14] المرجع السابق، بتاريخ 13 ديسمبر 2016.

[15] لقاء مع مصدر موثوق، في 10 ديسمبر 2016، في الجامعة الأردنية.

[16] المرجع نفسه 1 فبراير 2016.

[17] المرجع السابق، 13 ديسمبر 2016.

[18] المرجع السابق 23 يناير 2016.

[19] في ردها على سؤال إحدى المعلقات، المرجع السابق، في 6 نوفمبر 2016.

[20] المرجع السابق، 31 ديسمبر 2016.

[21] المرجع السابق، 7 فبراير 2016.

[22] المرجع نفسه 13 ديسمبر 2016.

[23] المرجع نفسه 25 ديسمبر 2015.

[24] إيمان البغا، أنا داعشية قبل أن توجد داعش، دار الغرباء، تنظيم الدولة الإسلامية، 2014.

[25] فضّل عدم ذكر اسمه، لقاء في الجامعة الأردنية، 10 ديسمبر. وقارن ذلك بـ: محمد أبو رمان، هكذا تشكّلت أيديولوجيا التوحش، صحيفة العربي الجديد، 6 أكتوبر 2014.

[26]  د. محمد حبش، مصارحات في وجوب إصلاح المناهج الدينية، إيمان البغا نموذجاً، موقع شاهدون 24 نوفمبر 2015، يمكن الوصول إليه عبر الرابط التالي:

goo.gl/wgPYKG

 

[27] المرجع السابق.

[28] توصّل الباحثان إلى هذه الملاحظة من خلال متابعة صفحات التواصل الاجتماعي للعائلة، بخاصة شقيقتها حنان وزوجها الدكتور خلدون المالكي، وشقيقتها سمية وزوجها بسام الشيخ، وصفحة شقيقتها أسماء، وصفحة شقيقها د. أنس البغا، وحتى صفحة والدها التي تنقل أنشطته ودروسه ومنشوراته.

[29] انظر: رحمة ذياب، “أكاديمية جامعة الدمام تؤكد داعشيتها وأسرتها تتبرأ من موقفها”، صحيفة الحياة اللندنية، 22 أكتوبر 2014.

[30] مصادر سورية تعرف د. مصطفى البغا والعائلة، تفضل عدم ذكر أسمائها.

[31] مصدر مقرب من العائلة، فضّل عدم ذكر الاسم. أما وصية ابنها فمنشورة على صفحتها على الفيس بوك.

[32] انظر: رحمة ذياب، طالبات جامعة الدمام يطلقن مبادرة التبليغ عن أعضاء هيئة التدريس المتطرفين، صحيفة الحياة اللندنية، 23 أكتوبر الأول 2014.

[33] (في حال ثبت أنّها ابنتها، لكن من كلام البغا نفسها من الواضح أن أبناءها على المسار نفسه).

[34] كما ذكرنا، بالرغم من أنّه لم يثبت قطعياً أنّ أحلام ابنتها، فإنّ الشاعرة أحلام بالتأكيد تزوجت من أبي أسامة الغريب.

[35] محمد محمود تعلم في المدارس الإسلامية في العاصمة فيينا وأطلقت عليه الصحف النمساوية سابقا “الصبي الإرهابي” وحكم عليه بالسجن أربع سنوات. بعد أن قضاها ذهب إلى ألمانيا وانضم إلى السلفيين الألمان ثم هرب إلى الشرق الأوسط بعد أن كانت هناك أوامر بالقبض عليه في ألمانيا.

في الشرق الأوسط قام بحرق جواز سفره النمساوي واختفى محمد محمود بعض الوقت ثم نشرت الصحف التركية انه تم القبض عليه وسجنه وبعد ذلك تم نشر صورته ووردت الأنباء بأنه قد تم استبداله بدبلوماسيين أتراك تم أخذهم كرهائنعند داعش وانتهى به المطاف في سوريا ليصبح من قادة داعش.

ونشر محمد محمود مقطع فيديو باسمه الجديد وهو أبو أسامة الغريب وهو في سوريا في بلدة “الرقة”؛ مقطع فيديو ممنتج به جثث قتلى مفصولة الرأس. انظر: محمد محمود ينشر فيديو مع جثث تمّ قطع رؤوسها، موقع أنباء يورو عرب برس، 7 نوفمبر 2014، على الرابط التالي: http://www.eapress.eu/eap/?p=852

[36] انظر: شاعرة داعش السعودية أحلام تتزوج من أبو أسامة الغريب في الرقة السورية، صحيفة القدس العربي، 14 أكتوبر 2014. وقارن ذلك بـ”شاعرة داعش السعودية تصل سورية وتتزوج بالغريب، عربي 21، 14 أكتوبر 2014، الرابط التالي:

goo.gl/Ixvhvo

انظر كذلك: محمود محمد أصبح زعيم داعشي وتزوج من شاعرة داعش، موقع أنباء يورو عرب برس، 15 أكتوبر 2014، على الرابط:http://www.eapress.eu/eap/?p=307

[37] انظر عن أحلام النصر وهجرتها إلى سورية، في الرقة، وحديثها عن الأيام الأولى هناك، وعن زيارتها لمناطق في الرقة، وإطلاقها للمرة الأولى الرصاص من السلاح، في تقرير: شاعرة داعش السعودية تصل سورية وتتزوج الغريب، موقع عربي 21، مرجع سابق.

[38] صفحتها الخاصة على الفيس بوك، مرجع سابق، بتاريخ 26 أكتوبر 2016، على الرابط التالي:

https://www.facebook.com/dremanelbogha?fref=ts

[39] انظر: “استشهاد عبد المجيد العتيبي “قرين الكلاش” من أوائل المهاجرين المجاهدين في الشام، وأصابع الاتهام تتوجه لجبهة “علوش”، وكالة أنباء حق، 24 يونيو 2014،

https://dawaalhaq.com/post/14276

[40] من الضروري الإشارة هنا إلى أنّ هنالك صفحتين لإيمان البغا على موقع الفيس بوك، الأولى التي اعتبرناها مصدرنا في هذا الكتاب، وهي الصفحة، الشخصية والتي كانت تستخدمها قبل هجرتها إلى الموصل، ورابطها هو :

https://www.facebook.com/dremanelbogha?fref=nf&pnref=story

أما الثانية فهي الصفحة الرسمية، التي تحتوي على الفتاوى والأحكام الشرعية.

[41] صفحتها الخاصة على الفيس بوك، 13 ديسمبر 2016.

[42] المرجع السابق، 6 نوفمبر 2016.

[43] انظر: إبراهيم الجبين، إيمان البغا أم داعش الفقهية، مرجع سابق.

[44] المرجع السابق.

[45] قارن ذلك بتقرير: شاعرة داعش تصل سورية وتتزوج الغريب، موقع عربي 21، بتاريخ 14 أكتوبر 2014، مرجع سابق. إذ يذكر التقرير بأنّ الحفل أقيم يوم السبت 11 أكتوبر، وينقل تغريدات الحاضرين في الحفل. وقارن ذلك بتقرير “أكاديمية تركت جامعة الدمام وراتبها الضخم لتنضم لداعش“، الحياة اللندنية، 21 أكتوبر 2014.

[46] أصدر التنظيم تعميماً بتاريخ 26 يونيو 2014، يؤكد فيه على قراره بمنع التواصل مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ بحدود إذن التنظيم وللأشخاص الذين يسمح لهم بذلك؛ لدى الباحثين صورة عن هذا التعميم.

[47] انظر: داعش يهيء إيمان البغا لمنصب مهم في “الدولة الإسلامية”، صحيفة الحياة اللندنية، 15 نوفمبر 2014.

[48] انظر: د.إيمان البغا: شوارع (داعش) أنظف من شوارع الدمام بسبب تولية الكفاءات وتطبيق القوانين، صحيفة شؤون خليجية، 31 يناير 2015، على الرابط التالي: http://alkhaleejaffairs.me/c-13211

[49] انظر: صفحتها على موقع الفيس بوك، مرجع سابق، بتاريخ 2 نوفمبر 2016.

[50] صفحتها على موقع الفيس بوك، 22 ديسمبر 2015.

[51] المرجع السابق، بتاريخ 18 أكتوبر 2016.

[52] المرجع السابق، بتاريخ 18 أكتوبر 2016.

[53] المرجع السابق، بتاريخ 6 مارس 2016.

[54] انظر: المرجع السابق، 17 يناير 2016.

[55] المرجع السابق، تحت عنوان تعليق على مشاركة، بتاريخ 13 أكتوبر 2016.

[56] انظر: المرجع السابق، بتاريخ 8 أبريل 2016.

[57] المرجع السابق بتاريخ 4 و5 نوفمبر 2016.

[58] انظر: المرجع السابق، بتاريخ 4 نوفمبر 2016.

[59] المرجع السابق، بتاريخ 23 ديسمبر 2016.

 

إرسال التعليق