
من أين تأتي المعلومات المضللة؟
رصد المغرب /
في عصر السرعة والانفتاح الإعلامي، أصبحت المعلومات تتدفق بكميات هائلة عبر مختلف الوسائط، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى القنوات الإخبارية. وبينما ساهم هذا الانفتاح في تعزيز حرية التعبير والوصول إلى المعرفة، إلا أنه فتح الباب أيضًا أمام ظاهرة خطيرة تُعرف بـ”المعلومات المضللة”. هذه المعلومات، التي قد تكون مغلوطة عن قصد أو نتيجة جهل، تُشكل تهديدًا على وعي الأفراد واستقرار المجتمعات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من أين تأتي هذه المعلومات المضللة، وما هي دوافع نشرها؟
في هذا كتب المؤرخ والروائي المغربي فؤاد العروي حيث كتب بالفرنسية وحاولنا جهد المستطاع نقلها بكل معانيها ذون أي تحريف لأنها شملت كل المعاني وهذا ما جاء في كتابته المنشور في جريدة 360 عن التضليل ما يلي :
يرتبط هذا المصطلح على وجه التحديد بالأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تروج له باعتباره استراتيجية سياسية، وبالتالي تحصل على مزايا انتخابية كبيرة.
لقد نشر اثنان من زملائي السابقين من جامعة أمستردام، تورنبيرج وتشويري، دراسة رائعة عن التضليل الإعلامي في المجلة الدولية للصحافة/السياسة ، تحت عنوان ” متى تكذب الأحزاب؟” ، إنه عمل متين وموضوعي ، قام المؤلفون بتحليل 32 مليون تغريدة من برلمانيين من ستة وعشرين دولة على مدى فترة ست سنوات، باستخدام خوارزميات قوية، مع التركيز على فترات الحملات الانتخابية ، ثم استخدموا مصادر التحقق من الحقائق ( مدققي الحقائق المشهورين ) للتأكد من صحة محتوى هذه الملايين من التغريدات.
وهنا استنتاجهم: إن التضليل ليس نتيجة غير مرغوب فيها بل هو نتيجة حتمية لوجود الشبكات الاجتماعية، وهو ليس “ضوضاء” تتداخل مع الرسائل، وليس شرا أقل يجب أن نقبله بلا مبالاة ، في واقع الأمر، إنها استراتيجية سياسية متعمدة ومدروسة، ويتم تنفيذها بشكل رئيسي من قبل الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة.
وبطبيعة الحال، فإننا نعلم منذ مكيافيلي أن الأمير يجب أن يلجأ إلى الكذب، حتى وإن كان عن طريق الإغفال، عندما تقتضي أسباب الدولة ذلك ، وقد قام إدوارد بيرنايز بتحديث هذه الفكرة في مقالته “الدعاية” التي نشرت في عام 1928 ، ونحن نعلم أيضا التأثير الذي خلفته تأملات ليو شتراوس حول “الكذبة النبيلة” الأفلاطونية على المحافظين الجدد الأميركيين (تشيني، ورامسفيلد، وغيرهما)، إن الصراحة والنزاهة لا فائدة منهما في زمن الحرب، عندما يتعلق الأمر بحشد الجماهير من خلال التصرف بناءا على عواطفهم.
لكن الحقيقة هي أننا لسنا في زمن حرب، ومع ذلك فإن الكذب وغسيل الأدمغة أصبحا هما القاعدة ، “الحقائق البديلة” – أي تلك التي تم اختراعها من الصفر – يتم تقديمها كنوع من الواقع الموازي الذي يتمتع بنفس الشرعية مثل الواقع الآخر، والذي نعيش فيه بالفعل.
إن مكافحة التضليل الإعلامي أمر ضروري لإنقاذ الديمقراطية ، ويجب علينا أن نسمي الخصم بوضوح ونواجهه ” الشعبوية اليمينية المتطرفة”.
نحن نعلم كل هذا ، ما هو جديد ومثير حقا في دراسة زملائي، كما عبر عنه أحد المؤلفين: ” تظهر نتائجنا أن التضليل الإعلامي ليس حالة عالمية أو عامة في منظومتنا الإعلامية ، بل إنه يرتبط تحديدا بالأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تنشر التضليل الإعلامي كاستراتيجية سياسية، محققة بذلك مكاسب انتخابية كبيرة” .
و من المؤكد أن التضليل الإعلامي مشكلة مرتبطة في المقام الأول بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر المعلومات الكاذبة بشكل فيروسي، على الفور تقريبا، ولكن دعونا نصر على هذه النقطة، فقد أظهر تورنبيرج وتشويري أن هناك عدم تناسق مثير للقلق في هذا الوضع ، فلا الشعبوية اليسارية، ولا اليسار التقليدي، ولا اليمين المعتدل يمارسون التضليل بطريقة ذات مغزى ، إن هذا هو في المقام الأول نتيجة للشعبوية اليمينية المتطرفة، والتي تشكل في حد ذاتها خطرا على المؤسسات الديمقراطية.
ومن ثم يمكن استخلاص استنتاجين من دراسة تورنبيرج وتشويري: إن مكافحة التضليل أمر ضروري لإنقاذ الديمقراطية ، ويجب علينا أن نسمي الخصم بوضوح ونواجهه ” الشعبوية اليمينية المتطرفة”.
وفي الحالة الخاصة لبلدنا، حيث يعتبر مفهوم اليمين المتطرف غامضا (إنها بالأحرى مسألة شعبوية رجعية)، فإن الأمر يتعلق بدعم اليمين المعتدل ومحاولة إحياء اليسار الديمقراطي ، وهذا برنامج واسع .
ملاحظة :
أتمنى أن تحصل هيئتنا العليا للاتصالات السمعية والبصرية على الدراسة التي أجراها تورنبرغ وتشويري ، و ستعرف من يجب أن تراقبه عن كثب.
إرسال التعليق