من البشير بنيحمد إلى أبنائه: كيف أدارت مجلة جون أفريك لعبة النفوذ الإعلامي في إفريقيا؟

آخر الأخبار

من البشير بنيحمد إلى أبنائه: كيف أدارت مجلة جون أفريك لعبة النفوذ الإعلامي في إفريقيا؟

رصد المغرب / مصطفى الفن

في العدد الأخير من مجلة “جون أفريك”، تحدثت هذه المجلة الفرنسية الشهيرة، وربما الشريكة أيضا، بشكل من الأشكال، في الإطاحة بالعديد من الأنظمة الإفريقية، عن نساء مغربيات بسيطات وأسندت إلى بعضهن أدوارا طلائعية كبيرة وفتوحات ومعجزات فاجأت ربما الجميع وفاجأت حتى هؤلاء النساء “المحتفى” بهن أيضا..

طبعا أنا لا أعمم هنا..

وأتحدث عن البعض لا الكل ولو أني أدعو من الآن إلى “التصويت السياسي” على السيدة نبيلة منيب في مواجهة جبال “المال الانتخابي” الذي يبدو أنه هو الذي سيحدد هوية الحزب الفائز في معركة الاستحقاق القادم المؤدي إلى حكومة المونديال..

وفعلا فالبعض من هؤلاء النساء “المحظوظات” و”المدللات” واللواتي جيء بهن إلى السياسة في سياقات ملتبسة لا زلن لم يصدقن كيف أنه لم يتم الاستماع إليهن في بعض الملفات التي انفجرت من حولهن وربما كن شاهدات على كل شيء..

بل إن البعض من هؤلاء النساء اللواتي رشحتهن المجلة لتولي مؤسسات دستورية كبرى في البلد نفذن أكثر من محاولة انتحار “فاشلة” في ظروف صعبة لا داعي للعودة إليها الآن..

كما أن هناك نساء أخريات ندمن ربما حتى عن دخول السياسة ب”بصباطهن”، فقط لأنهن يعرفن أن تلك الأموال التي راكمنها لا يستطعن التباهي بها طالما أنها أموال مشكوك ربما في حيازتها..

وبالطبع، ف”جون أفريك” تعرف ربما كل هذا “الانفلات” وزيادة عن “نماذج” معينة من هؤلاء النساء اللواتي وجدنها “باردة”..

لكن يبدو أن المجلة “فضلت” أن تمارس الخلط والتضليل وإقحام اسم نبيلة منيب لتزيين القبح لأسباب لا تخفى على العارفين بالكيفية التي تشتغل بها هذه الآلة الإعلامية نفسها..

فمن هي إذن “جون أفريك”؟

طبعا لا يمكن أن نتحدث عن هذه المجلة، الموجهة للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، دون الحديث عن مؤسسها الصحافي البشير بنيحمد..

فمن هو البشير بنيحمد الذي رحل عن دنيا الناس، قبل ثلاث سنوات، وهو في ال93 سنة من العمر بأحد المستشفيات الباريسية عقب إصابته بداء الكوفيد؟..

وما هي طبيعة العلاقة التي كانت تربط هذه المجلة وصحافيي المجلة بالمغرب وبالعديد من النخب المغربية وربما حتى ببعض الفنادق المغربية الشهيرة أيضا؟..

وعندما أطرح مثل هذه الأسئلة فلأن مؤسس المجلة هو في الأصل “تاجر كلمات” ولم تكن تهمه أخلاقيات المهنة ولاصناعة منتوج إعلامي رصين في المقام الأول..

بنيحمد، الذي كان أصغر وزير إعلام تونسي في نظام لحبيب بورقيبة قبل أن يغادر الوزارة ويغادر البلد ليؤسس هذه المجلة، ليس صحافيا بالمعنى الكلاسيكي..

الصحافة، بالنسبة إلى بنيحمد، هي ربما مجرد صفقات عابرة للحدود مع هذه الدولة أو تلك أو مع جميع الأثرياء في القارة السمراء لا أقل ولا أكثر..

وليس سرا أن الرئيس السابق لتونس الديكتاتور زين العابدين بنعلي هو الذي أنقذ مجلة بنيحمد في الكثير من المناسبات من الإفلاس المالي المبين.

وقد سبق للأسبوعية الفرنسية الساخرة “لوكنار اونشيني” أن فجرت هذه القنبلة الإعلامية والتي كان لها ما بعدها..

وكم واهم من يعتقد أن بنيحمد كان صحافيا يشبهنا نحن معشر الصحافيين البسطاء..

الراحل بنيحمد رحمه الله لم يكن كذلك على الإطلاق..

بل إنه كان يضع نفسه في خانة “رئيس دولة” له خدم وحشم بقصره الباريسي العامر.

ولأن بنيحمد كان يتصرف كرئيس دولة فقد “رفض” ذات سياق سياسي إجراء حوار مع الراحل الحسن الثاني وما أدراك ما الحسن الثاني..

بنيحمد “رفض” إجراء هذا الحوار لأن جميع الأنظمة الملكية بالنسبة إليه هي عائق حقيقي نحو انتقال الدول إلى الديمقراطية.

وحتى عندما “وافق” بنيحمد على محاورة الراحل الحسن الثاني، فقد اقترح أن يجري هذا الحوار صحافي غير معروف وقتها بالمجلة اسمه فرانسوا سودان.

بنيحمد فعل هذا فقط ليغيظ العاهل المغربي الذي كان يواجه وقتها أنظمة عسكرية ومدنية ودولا بكاملها ومعها معارضين مغاربة في الداخل والخارج.

ولأن الراحل الحسن الثاني فهم “الرسالة” فقد رفض هذا “السلوك الأرعن” ليتبين فيما بعد أن ما كان يهم بنيحمد ليس حوارا مع الحسن الثاني بل الذي كان يهمه ربما هو “الفريك” المغربي لمجلته “الغراء” ليس إلا..

وتلك قصة أخرى وربما لا زال بعض شهود القصة أحياء يرزقون..

ولأن بنيحمد لا يفهم الصحافة إلا بلغة الصفقات فقد عرض عليه الصحافي والاعلامي السعودي المعروف عثمان العمير سنة 2005 أن يبيع له هذه المجلة..

لكن بنيحمد رفض الصفقة قبل أن يتهم عثمان العمير ب”العمالة” للمخابرات الأمريكية..

فيما الحقيقة أن بنيحمد كان يدري جيدا أن “جون افريك ” لا تباع بأي ثمن طالما أنها تبيض ذهبا وفضة في كل الازمنة ومع أغلب الانظمة في افريقيا.

صحيح أن بنيحمد توارى إلى الخلف في آخر حياته وظل حضوره داخل المجلة مجرد حضور رمزي غير أن أن الابنين واصلا المسيرة على نهج الأب وعلى خطى الأب..

وصحيح أيضا أن جون أفريك قد تعرضت للمنع سنة 76 داخل الجزائر بعد أن اتهمت السلطات الجزائرية هذه المجلة بمغازلة المغرب.

والمقصود هنا تلك “المصالحة” التي قام بها الصحافي حميد برادة بين المجلة الفرنسية وبين السلطات المغربية عبر صديقه الراحل حميدو لعنيكري الذي كان وقتها على رأس بعثة عسكرية مغربية إلى الزايير الكونغو حاليا..

وصحيح أيضا أن مدام بنيحمد الفرنسية دانييل كانت كلما حلت بالمغرب إلا وزارت حميدو لعنيكري..

لكن يحسب لهذه المجلة، في سياق سلبي، أنها حافظت دائما على خط تحريري ببند ضمير واحد وثابت لا يتغير..

إنها شركة عائلية دولية راكمت تجربة كبيرة في “ترهيب” الدول والأنظمة الأفريقية ليس إلا.

بقي فقط أن أقول:

ما أكثر المناسبات التي جربت فيها هذه المجلة أسلوب “الترهيب” مع المغرب أيضا حتى أنها لمحت يوما ما إلى أن بلدنا ليس “جديا” في محاربة الإرهاب..

وربما أرادت المجلة أن تقول أيضا في المسكوت عنه من الكلام إن بلدنا لا يعدو أن “مصنعا لتصدير الإرهابيين ليس إلا”.

حصل هذا، قبل أكثر من سبع سنوات، عقب وقوع عمليات إرهابية استهدفت بعض الدول الأوربية وبرشلونة تحديدا والتي تورط فيها شبان مغاربة..

ولهذا السبب بالتحديد، ورغم أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له، إلا مجلة أبناء البشير بنيحمد عنونت واحدا من أعدادها بعنوان مثير فيه الكثير من الترهيب وحتى من الرسائل المشفرة أيضا:

وجاء هذا العنوان بهذه الصيغة:

“ولدوا في المغرب”..

وعدا هذا العنوان المسيء والصادم والملغوم الذي اختارته المجلة في سياق خاص فإن ما تبقى من تفاصيل الغلاف هو مجرد تكرار لما كتب في معظم الصحف التي واكبت تلك الأحداث الإرهابية الإجرامية والمدانة بكل لغات العالم..

لكن ما لم تقله المجلة وهو أن البعض من هؤلاء الشبان المغاربة المتورطين في تلك الأحداث الإرهابية لم يولدوا فقط في المغرب..

بل إن البعض من هؤلاء الشبان المتورطين ولدوا حتى في أوربا نفسها ودرسوا في مدارس أوربا نفسها..

إرسال التعليق