من الريادة إلى التآكل. هل فقد الاتحاد الاشتراكي بوصلته؟

آخر الأخبار

من الريادة إلى التآكل. هل فقد الاتحاد الاشتراكي بوصلته؟

رصدالمغرب / عبدالحميدالإدريسي


يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد أبرز رموز اليسار السياسي في المغرب، وضعا داخليا معقدا ومفتوحا على كافة السيناريوهات، في ظل أزمة عميقة تمس جوهر مشروعه السياسي والتنظيمي، وتضعه أمام تحد وجودي حقيقي، حيث بعد أن لعب دورا محوريا في معارك الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لعقود من الزمن، يجد الحزب اليوم نفسه في مفترق طرق حاسم، وسط تساؤلات متزايدة عن قدرته على تجديد نفسه واستعادة موقعه الطبيعي في المشهد الحزبي المغربي.

ولسنوات طويلة، مثل حزب الاتحاد الاشتراكي واجهة مركزية للقوى الديمقراطية والحداثية في المغرب، وكان له حضور مؤثر في الحراك السياسي والاجتماعي، سواء من خلال موقعه في المعارضة أو ضمن التجارب الحكومية، خاصة خلال مرحلة التناوب التوافقي، غير أن هذه الصورة أخذت في التآكل تدريجيا، خاصة بعد سلسلة من التراجعات الانتخابية، وتراجع إشعاعه المجتمعي، وضعف حضوره في المؤسسات التمثيلية.

وتبدو الأزمة اليوم أكثر بنيوية من أن تختزل في نتائج صناديق الاقتراع أو صراعات آنية بين القيادات، بل إنها أزمة تمس هوية الحزب، وخطه الإيديولوجي، ونموذجه التنظيمي، وتطال حتى علاقته التاريخية مع القواعد الاجتماعية التي طالما شكلت عمقه الشعبي.

وتشير عدة معطيات إلى تصاعد منسوب الاحتقان داخل صفوف الحزب، على خلفية ما يعتبره كثير من مناضليه “إقصاءا ممنهجا للنقاش الديمقراطي الداخلي”، و”تحكما في القرار الحزبي من قبل دوائر ضيقة”، حيث هذا الوضع دفع عددا من الوجوه التاريخية إلى الجهر بانتقاداتها، بل والانخراط في حركات تصحيحية تحاول الدفع في اتجاه مراجعة المسار.

وفي المقابل، يرى مؤيدو القيادة الحالية أن الحزب لا يزال يحتفظ برصيده الرمزي، وأن محاولات التجديد جارية، لكنها تصطدم بإكراهات موضوعية داخلية وخارجية، أبرزها التراجع العام للخطابات الإيديولوجية التقليدية في ظل تحولات اجتماعية وثقافية عميقة.

ويرى محللون أن ما يعيشه الاتحاد الاشتراكي اليوم لا يمكن اختزاله فقط في أزمة قيادة أو أخطاء تدبيرية، بل يرتبط بما هو أعمق، بحيث هي أزمة المشروع الاتحادي نفسه في صيغته التقليدية، وتضاؤل قدرته على مواكبة التغيرات المجتمعية والتقاط نبض الشارع، خاصة في ظل صعود تيارات جديدة أكثر ارتباطا بالحركات الاجتماعية، وأقل ارتباطا بالبنى الحزبية الكلاسيكية.

كما أن التحولات التي طرأت على المشهد السياسي المغربي، بما في ذلك اتساع الهوة بين المواطنين والمؤسسات، وصعود قوى جديدة تستثمر في الخطاب الاجتماعي أو الهوياتي، ساهمت في دفع الاتحاد الاشتراكي نحو نوع من العزلة السياسية، تفاقمها دينامية تنظيمية محدودة، وانحسار في التجديد الفكري والسياسي.

وأمام هذا الواقع، تبدو الحاجة ملحة إلى مراجعة جذرية تهم ليس فقط الأساليب التنظيمية، بل المشروع الاتحادي في كليته، من حيث خطابه وآليات اشتغاله ورهاناته المستقبلية، وهي مراجعة لن تكتمل إلا من خلال إعادة الاعتبار للديمقراطية الداخلية، والانفتاح على الطاقات الجديدة، وتجاوز منطق “التدبير التقني” للحزب نحو إعادة إحياء الروح النضالية والفكرية التي ميزته في مراحله التأسيسية.

وفي الوقت نفسه، يظل الرهان الأكبر معلقا على قدرة الحزب على إعادة وصل ما انقطع بينه وبين المجتمع، والانخراط الفعلي في القضايا الحيوية التي تشغل المواطنين، بعيدا عن الحسابات الفئوية والصراعات الشخصية التي أضرت كثيرا بصورته وفعاليته.

ليس من المبالغة القول إن الاتحاد الاشتراكي يعيش اليوم واحدة من أصعب لحظاته التاريخية، فإما أن ينجح في تحويل الأزمة إلى فرصة للانبعاث، من خلال مصالحة صادقة مع الذات الاتحادية، وتجديد فعلي في الفكر والممارسة، أو يستمر في مسلسل التراجع الذي يهدد بتحويله إلى مجرد “اسم كبير من الماضي”، بلا تأثير فعلي في الحاضر.

وفي ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها المشهد السياسي الوطني، يبقى سؤال “أي يسار للمغرب اليوم؟” مطروحا بإلحاح، ولا يمكن الإجابة عنه دون المرور عبر مصير الاتحاد الاشتراكي نفسه.

إرسال التعليق