من ظلاميات العربي الدرقاوي

آخر الأخبار

من ظلاميات العربي الدرقاوي

رصد المغرب/الدكتور محمد وراضي 

لنفتح كتاب “مجموعة رسائل مولاي العربي الدرقاوي”. ثم لنقرأ بتركيز واهتمام تامين ما يلي:

1- قال: “ومن المذاكرة أني أحب من يتعلق بي في أن يقوم بالمفروض، ويتأكد من المسنون”[1] أي بما صح عن رسول الله ص! مما يعني أن الرجل ضد الابتداع ما دامت كل بدعة ضلالة، وما دامت كل ضلالة في النار!

فإلى أي حد كان الدرقاوي المؤسس لطريقة معروفة باسمه صادقا مع نفسه، ومع ربه، ومع الرسول ص، ومع مريديه، ومع كافة الناس بخصوص تعلقه بالسنة، والدعوة المتكررة منه إلى التعلق بها؟ هذا ما سوف نختبره في الآتي.

2- تحدث عن شيخ مجذوب له، قلما يصحو من سكره، هو العربي البقالي فقال: “فرآني آت نحوه، فناداني حتى دنوت منه، فضمني إلى صدره، وجعل لسانه في فمي وقال: مص، مص، مص! ثم بعد ذلك قال لي: سر أعطيناك الشرق والغرب”[2]!

هنا نتساءل والظلام الصوفي جلي واضح! متى كانت العلوم تلقن بواسطة مص لسان الشيوخ والأساتذة؟ وهل من السنة أنه ص كان يجعل لسانه في أفواه أصحابه كي يمصوه لثلاث مرات، فيدركون من العلوم ما لا يتأتى لهم إدراكه بالمناهج التعليمية المعروفة؟ وأي عفن هذا المرافق لمص لسان رجل معتوه يغيب عن وعيه في جل أوقاته؟ ثم هل كان هذا الغائب عن وعيه يملك الشرق والغرب حتى يعطيهما لتلميذه المتناقض مع السنة فيما يقوله وفيما يفعله؟

3- تحدث عن شيخه أبي زيد عبد الرحمان بن إدريس المنجري بعد أن توفي فقال: “إن الإنسان إذا كان محموما ثم زار قبره، فإنه يبرأ في حينه! وقد جربته أنا وغيري، لأني مرضت مرض الحمى الثلثية ستة أشهر، فقال لي يوما الأستاذ: أو ما علمت أن الشيخ مولاي عبد الله كان يتصرف فيها! فزرت قبره فذهبت عني، ولم تعد إلي من ذلك اليوم قط رحمه الله ورضي عنه”[3]!

إنه ظلام آخر أبعد ما يكون عن السنة! وإلا فأي دليل حديثي يدل على أن هناك من يتصرف حيا وميتا في مرض من الأمراض؟ يعني أنه طبيب في حياته وطبيب في مماته! فكما يقصد في حياته لأجل العلاج، يقصد كذلك وهو من الأموات معدود؟ لكن الدرقاوي لم يقل بأن صاحبه المفيد في الحمى كان يمتهن الطب، وإنما كان يتصرف فيها كتصرف ظلامي غير خاضع لأي منطق؟!؟

4-يرى الدرقاوي الخضر بأم عينيه، وهاهو ذا يصرح بما ادعاه: “قالت لي نفسي: سيستند على ذلك العود سيدنا الخضر عليه السلام. وإذا برجل مستند عليه كما قالت لي نفسي. وهو ينظر إلي نظرا جميلا فاستعظمته، وحصلت لي منه هيبة عظيمة، وترجح لي أنه هو – عليه السلام – فانصرف عني، ثم قمت وراءه فلم نجده والسلام”[4]!

إنه نفس الوتر الذي ضرب عليه الغزالي وأكده! الخضر حي يرزق! ولا يظهر للعلماء والفقهاء والقراء والمؤذنين وعامة الناس، وإنما يظهر للمتصوفة في أكثر من مكان، وكأن صوره لا عد لها ولا حصر؟

فالمتصوفة إذن كما يأخذون عن نفوسهم (= قالت لي نفسي!) يأخذون عن الخضر المعمر، ربما إلى يوم القيامة، فضلا عما يأخذونه عن الهواتف والملائكة وعمن يقابلونه في البراري والقفار من شيوخ، سمتهم يدل على أنهم من أهل الله وخاصته!

5- ادعى الدرقاوي أن كل شيء تكون من نوره ص! (فالروح نورانية من غير النور، إذ لا شك أن الله تعالى قد قبض قبضة من نوره فقال لها: كوني محمدا، فكانت. ومن نوره ص تكون كل شيء فافهم”[5].

6- الدرقاوي قطب: صرح بأنه قطب في الرسالة الرابعة والسبعين بعد المائة الأولى، فقد وجد نفسه في لحظات – وهو يعلم الصبيان – أمام سفن عديدة  للنصارى تحاول أخذ السفينة التي كان بها ومعه جماعة من أصحابه، فما كان منه إلا أن تصرف تصرفا أغرق به السفينة المهاجمة، فضلا عما تم أسره من ركابها! وعندما حكى قصته لشيخه علي الجمل “جعل يده على فيه، ثم تبسم وقال: ما عرف أحد القطبانية أين هي؟ هل هي في الجبال ترعى المعز؟ أو هي في المكاتب تعلم الصبيان؟” وأضاف الدرقاوي: “ثم جاء الخبر بما وقع في الحين، ولعنة الله على الكاذبين”[6]!

وما قام به الدرقاوي – كقطب – من حماية لسفينة المسلمين، ومن إغراقه لسفن النصارى المهاجمة، ومن أسر ما تم أسره من ركابها وصل في الحين خبره إلى فاس كما قال! حصل ذلك في حدود أوائل القرن التاسع عشر، والنصارى عندها أقوياء لهم وجود في دول إفريقية عديدة، ولهم حضور بحري مكثف في المحيط الأطلسي وفي البحر الأبيض. إضافة إلى أن إغراق سفن الخصوم عمل لا تستطيعه في ذلك التاريخ سفينة مغربية واحدة! كما لا تستطيع إغراقها خرافات مهرجين ضلاليين! وإلا ما كانت لسفن الاستعماريين قدرة على مهاجمة سفننا أو الوصول إلى شواطئنا ما دام لدينا قطب أو أقطاب بأمر كلامي وبإشارات بهلوانية يغرقون السفن التي تقترب من شواطئنا في الشمال والغرب والجنوب!

والقطب للإشارة، هو الذي أدرك درجة في الولاية يقال لها القطبانية – كمن أدرك أعلى درجة في أي جيش نظامي _ وهي درجة تسمح له بالتصرف في الكون كما يحلو له! وبما أن صاحبنا الدرقاوي قطب، فقد تصرف في سفن النصارى وأغرقها وجعل ركاب سفينة المسلمين يأسرون ويغنمون من فيها وما فيها!

7- في الرسالة السادسة والسبعون يحض على زيارة شيوخ الطريقة والتمسك بالشريعة، دون أن نعرف على وجه التحديد كيف يمكن الجمع فيما سوف يقوله بين الفكر الظلامي وبين الوارد بوضوح تام في كل من الكتاب والسنة؟

قال: “فاسمع أيها الفقير. إني أحب (ممن) يقتدي بي أن يقوم بالمفروض، وبما تأكد من المسنون، وأن يزور شيوخ الطريقة كالإمام الغزالي بجزيرة الأندلس[7]، وسيدي ابن العربي المعافري، وسيدي علي بن حرزهم، وسيدي عبد الله التاودي، وأستاذنا سيدي علي الجمل. وأشياخه السادات أولاد ابن عبد الله وأشياخهم السادات الفاسيين. فهؤلاء كلهم بمدينة فاس – دفع الله عنها كل بأس – وكذلك الشيخ سيدي أبي يعزى بتاغية، وأبي مدين الغوث بتلمسان، ومولانا عبد السلام بن مشيش بجبل العلم، ونظائرهم من أهل مغربنا ومن غيرهم   – وهم كثيرون – رضي الله عنهم”[8]!!!

مما يعني أن الضلالي الدرقاوي في النص المتقدم لا يدعو إلا إلى التمسك بضلاليات وظلاميات يجهل أو يتجاهل بأنها مبتدعات أنكرها الدين كتابا وسنة! فالرسول ص نهى عن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها والتوسل بأصحابها والذبح عندها وكأن أصحابها أحياء في قبورهم يرزقون!

ومن ضمن ما يعتبر من كرامات الدرقاوي نقدم باختصار ما يلي:

1-  قال: “كنت أدرب الصبيان بفاس البالي – عمره الله – وقد سخن علي مكان المكتب، إذ كان  وقت الصيف، وهناك زاوية باردة حسنة ذات مياه كثيرة، فقلت للصبيان إذ ذاك: زاوية سيدي عبد الله الأغزاوي تليق بنا   – والله أعلم – فقالوا لي: هي عامرة بامرأة صالحة. ومعها بها نساء أهل فاس، ومن جملتهن أخت القاضي سيدي عبد القادر بن أخريض – رضي الله عنه – وكان إذ ذاك هو القاضي هناك. فقلت لهم: أهل الحومة يخرجونها هي ومن معها. فقالوا لي: ياه هي ما تخرجش! فقلت لهم: إن لم تخرج منها تخرج إلى المقابر. وأشرت بيدي بحال قوي إلى المقابر، وكان هذا وقت طلوع الشمس، فإذا بها قد ماتت تلك الساعة من غير مرض! ودفنت رحمة الله عليها وعلينا والسلام”[9]!

فهل هذه كرامة؟ وهل النبوءة المزعومة التي فاه بها من يفترض أنه معلم الصبيان ومربي المريدين، والتي تشبه نبوءة العرافين، تجعل الدرقاوي سعيدا بما يحصل؟ هذا إن صح أنه حصل بالفعل؟ وهل نبوءته دليل إضافي على أنه من الأقطاب؟ وأن قطبانيته منحته القدرة على إهلاك من يريد إهلاكه، دون أن تتضح التهمة التي ارتكبتها السيدة التي توفيت في الحال بمجرد إشارة منه؟ أو لسنا أمام ظلام، لا أمام كرامة؟ أو ليست الزاوية التي دخلت إليها المرأة الصالحة مع بعض نساء أهل فاس بناء أشبه ما يكون بمسجد الضرار؟ على الأقل لأن الزوايا تكريس فعلي وواقعي للتفريق بين المؤمنين؟ أو لا يسجل القارئ – وهو يقرأ صياغة الكرامة المتقدمة المزعومة – عدة ملاحظات؟ منها ضعف لغة الرجل وركاكة ألفاظه! ومنها ضيق أفقه العلمي،، إنه معلم الصبيان، حامل لكتاب الله، لا شيخ للتعليم ذو حلقة علمية بجامع القرويين. ومنها انجرافه وراء الخيال والأوهام. ومع ذلك وجدناه يحظى بالاحترام وهو حي. كما وجدناه يحظى به وهو ميت. شأن مآت أصحاب الأضرحة والقباب الظلاميين الذين يشكلون في المغرب القديم والحديث خطرا على الدين الحق!

2- قال: “كنت أشتري موضعا بقصد (بناء) الزاوية بحومة كدان هنالك أيضا. فإذا برجل من تلك الحومة يقول لي: إن سيدي فلان يقول لك: فإن اشتريته فأنا أشفعك. فقلت له: إن يشفعني يشفعه هو سيدنا عزرائيل – عليه السلام-  وكان إذ ذاك وقت غروب الشمس، والرجل صحيح البدن، لا بأس به، لقيني بالطريق حين مشيت إلى الموضع، ولقيني أيضا حين رجعت، فما طلع الفجر حتى كان مشفوعا عند سيدنا عزرائيل – عليه السلام – فشفعته قبل أن يشفعني كما قلنا. رحمة الله عليه وعلينا والسلام”[10]!

هذه الكرامة الظلامية مثل شقيقتها الأولى. تكشف عن محدودية دين الرجل وعقله وإنسانيته! كما تكشف عن اعتزازه بنفسه كولي قطب قادر على التأثير الفوري المباشر في كل من يقف ضد تحقيق رغباته! فالسيدة التي كانت داخل زاوية لم يتمكن الدرقاوي من دخولها، أرسلها بإشارة ظلامية منه إلى المقابر على التو! والرجل الذي عزم على أن يشفع الأرض التي أرادها الدرقاوي لبناء زاوية من زواياه أصبح “مشفوعا عند عزرائيل”! ثم يسعد الشيخ، وينشر في الناس ما فعله، وكأنه يفخر بما له من كرامات!

3- قال: “قبضت على لحيتي وأنا أضحك، ثم قلت لرجل من قرابتي: ها هي فيك! فإذا برجل قليل الدين، قلل الله مثله في المسلمين، قد ضربه بعكاز حذو أذنه حتى سقط في الأرض كأنه ميت، ولحيتي على يدي وأنا أنظر بعيني مما فعل. وكان أمر الله مفعولا والسلام”[11]!

نقول: هل هذا الرجل المخبول الأقرب في عقليته إلى الصبيان ولي لله حقا؟ وهل كل ما قلناه بخصوصه حتى الآن يفرض على أتباعه وعلى المسؤولين في الدولة بناء ضريحه، ورفع القبة عليه، وزيارته،، وطلب العون منه؟ والحال أن الرجل غارق في الضلال، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه؟ ومن أراد المزيد من التأكد، فعليه قراءة مجموعة رسائله بكثير من التروي والتعمق!

هذا كله بغض النظر عن المبتدعات التي يدعو إليها ويمارسها هو وأتباعه حتى الآن. فالذكر الجماعي، وإقامة مسمى “الحضرة” وتفضيل التجريد على التكسب، يعني تفرغ المتصوفة للعبادة على أساس أن يتولى غيرهم توفير ما يلزمهم من طعام ولباس وفراش! مقتديا في هذا الزعم المغلوط بالغزالي! فضلا عن خضوعه وإخضاع مريديه لرباعي الجوع والسهر والعزلة والصمت. وهي شروط خطرها على الدين والعقل والبدن والنفس كما قال ابن خلدون في “شفاء السائل” خطر قائم! بحيث تكون الظلاميات التي قدمنا نماذج منها للعربي الدرقاوي منذ حين، بعضا من النتائج التي أسفر عنها التقليد الأعمى لشيوخ ضلاليين ظلاميين! كما أسفر عنها الخضوع الأعمى للرباعي المذكور قبله!

 

 

 

[1] – مجموعة رسائل مولاي العربي الدرقاوي. ص 35. تحقيق بسام محمد بارود. طبعة عام 1999م. المجمع الثقافي. أبز ظبي. الإمارات العربية المتحدة.

[2] – ن.م. ص 279-280.

[3] – ن.م. ص 381-382.

[4]– مجموعة رسائل مولاي العربي الدرقاوي. ص119.

[5]– ن.م . ص 119.

[6] – ن.م. ص313.

[7] – توهم بأن قبر الغزالي موجود فعلا بالأندلس.

[8] – مجموعة رسائل مولاي العربي الدرقاوي. ص159.

[9] – ن.م. 319-320.

[10] – مجموعة رسائل مولاي العربي الدرقاوي. ص 320-321.

[11] – ن.م. ص 338.

إرسال التعليق