آخر الأخبار

موقف الدول الإفريقية غير العربية من العدوان على غزة

موقف الدول الإفريقية غير العربية من العدوان على غزة

رصد المغرب/ياسين امغان 

منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، تباينت مواقف الدول الإفريقية غير العربية بشكل ملحوظ، مما يعكس تعقيد المصالح والتوجهات السياسية في القارة، وإذا كانت بعض الدول العربية الإفريقية قد تبنت مواقف واضحة بحكم انتمائها الديني والجغرافي والثقافي، فإن بقية الدول الإفريقية اتسمت مواقفها بدرجات متفاوتة من الدعم أو التحفظ أو الحياد، تبعا لاعتبارات سياسية وتاريخية واقتصادية.

أولا: المواقف الداعمة بقوة لفلسطين
برزت جنوب إفريقيا كأبرز صوت إفريقي مدافع عن الفلسطينيين، فقد ذهبت أبعد من مجرد التنديد، حين رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان بتهمة الإبادة الجماعية، معتبرة أن ما يجري في غزة يشكل خرقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، هذا الموقف انسجم مع تاريخ جنوب إفريقيا في مقاومة نظام الفصل العنصري، حيث يرى قادتها تشابها بين معاناة شعبهم سابقا ومعاناة الفلسطينيين حاليا.
كما أيدت دول مثل ناميبيا الموقف الجنوب إفريقي علنا، وأكدت دعمها للتحرك القانوني والدبلوماسي ضد الكيان، من جهتها صدرت عن نيجيريا ومالي بيانات تنديد بالاعتداءات، مع مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، وهو ما يعكس حساسية هذه الدول تجاه قضايا العدالة والحقوق الإنسانية.
ثانيا: المواقف المعتدلة أو المتوازنة
في المقابل، فضلت بعض الدول الإفريقية غير العربية اتخاذ مواقف دبلوماسية متوازنة، فقد دعت كينيا وغانا وأوغندا إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، لكنها امتنعت عن استعمال لغة الإدانة المباشرة للكيان، هذه المواقف تعكس محاولة الجمع بين الالتزام بالمبادئ الإنسانية والحفاظ على علاقات استراتيجية مع شركاء دوليين، بمن فيهم الكيان والدول الغربية الداعمة له.
كما أن مواقف هذه الدول ظهرت جلية خلال جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوتت أغلبها لصالح القرارات الداعية لوقف العدوان، لكنها في بياناتها الرسمية اكتفت بالدعوة إلى الحوار السياسي وحل الدولتين.
ثالثا: المواقف المتحفظة أو المحايدة
مجموعة أخرى من الدول اختارت التحفظ أو الحياد. إثيوبيا ورواندا مثلا تبنتا خطابا عاما يركز على الدعوة للحوار والسلام دون توجيه أي لوم صريح. هذا الموقف لا ينفصل عن شبكة العلاقات الأمنية والعسكرية التي تجمع هذه الدول بالكيان، سواء في مجال التكنولوجيا أو التعاون الاستخباراتي.
كما أن بعض الدول امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة أو غابت عن الجلسات الخاصة بفلسطين، ما يعكس رغبتها في تجنب الاصطفاف المباشر في قضية دولية مثيرة للانقسام.
تحليل المواقف
يمكن تفسير هذا التباين بمجموعة من العوامل:
* الإرث التاريخي: دول مثل جنوب إفريقيا وناميبيا تعكس في مواقفها ذاكرة النضال ضد الاستعمار والفصل العنصري، وهو ما يقربها سياسيا وأخلاقيا من القضية الفلسطينية.
* المصالح الاقتصادية والأمنية: دول أخرى مثل كينيا وإثيوبيا ورواندا ترتبط بعلاقات اقتصادية أو أمنية مع الكيان، ما يجعلها أكثر حذرا في صياغة مواقفها.
* الضغوط الدولية: كثير من الدول الإفريقية تعتمد على المساعدات الغربية أو التمويل الدولي، الأمر الذي يدفعها إلى تبني خطاب معتدل لا يضعها في مواجهة مباشرة مع القوى الكبرى الداعمة للكيان.
* العامل الإقليمي: بعض الدول تحاول الحفاظ على حيادها لتفادي الانخراط في سجالات قد تضعها في خلاف مع شركاء إقليميين أو دوليين.
يمكن القول إن المواقف الإفريقية غير العربية من العدوان على غزة تراوحت بين دعم قوي يقوده صوت جنوب إفريقيا وبعض حلفائها، ومواقف معتدلة اتسمت بالحرص على التوازن الدبلوماسي، وأخرى متحفظة سعت إلى الحياد. هذه التباينات تعكس غياب موقف إفريقي موحد، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن قدرة بعض الدول، وفي مقدمتها جنوب إفريقيا، على لعب دور ريادي في الدفاع عن قضايا العدالة الدولية وحقوق الشعوب.
وعلى الرغم من محدودية التأثير المباشر لهذه المواقف في مسار الحرب، فإنها تحمل دلالات مهمة على مستوى السياسة الدولية، إذ تظهر أن إفريقيا ليست كتلة واحدة، بل فسيفساء من المواقف التي تتأرجح بين الذاكرة التاريخية والمصالح الآنية.

إرسال التعليق