ميزانية بالملايين لقياس الفقر: هل نحتاج إلى إحصاء أم نعيش داخل المعاناة؟

آخر الأخبار

ميزانية بالملايين لقياس الفقر: هل نحتاج إلى إحصاء أم نعيش داخل المعاناة؟

رصد المغرب  

في خطوة أثارت تساؤلات كبيرة وسط الرأي العام، أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن إطلاق طلب عروض دولي بقيمة تفوق 13.2 مليون درهم، أي ما يعادل 1.4 مليار سنتيم، لتوظيف عاملين مؤقتين بهدف إنجاز البحث الوطني حول مستوى معيشة الأسر المغربية.

الإعلان يأتي في سياق اقتصادي واجتماعي متأزم، حيث لا يخفى على أحد أن القدرة الشرائية للمواطن المغربي شهدت تراجعاً حاداً، والأسعار تعرف منحى تصاعدياً في معظم القطاعات الحيوية.
الأمر الذي جعل كثيرين يتساءلون: هل من الضروري إنفاق كل هذه الأموال لمعرفة حقيقة أصبحت واضحة للعيان؟

تتنوع الدراسات، وتتكاثر الأبحاث، لكن الحقيقة التي لا تتغير هي أن المواطن البسيط يدفع دائماً ثمن السياسات.
ففي الوقت الذي تكشف فيه المؤشرات أن نسبة كبيرة من المغاربة يعانون لتأمين أساسيات العيش، يتم إطلاق أبحاث ضخمة لتأكيد ما يعرفه الجميع: أن المعيش صعب، وأن الفقر يتسع.

ألا يمكن تحويل هذا المبلغ الكبير إلى مشاريع فورية لدعم الأسر، أو لتقوية البنية الصحية، أو لتوفير فرص شغل للشباب العاطل؟ أليس من الأجدى أن يُستثمر المال العمومي في تخفيف الضغط عن المواطن عوضاً عن مراقبته من بعيد بـ”استمارات” و”جداول” و”نسب مئوية”؟

من الناحية الشكلية، يُعدّ البحث الإحصائي وسيلة أساسية لتوجيه السياسات العمومية، لكن حين تتكرر مثل هذه المبادرات دون أن تترجم نتائجها إلى حلول ملموسة، يُطرح السؤال المشروع: هل الغاية فعلاً تحسين الأوضاع؟ أم مجرد إنتاج تقارير تزين رفوف المؤسسات؟

في ظل معاناة يومية من ارتفاع الأسعار، وتراجع في جودة التعليم والصحة، تبدو مثل هذه المشاريع وكأنها فصل جديد من التخطيط من فوق، بعيداً عن نبض الشارع، وواقع المواطن.

وراء هذا المشروع الضخم رسائل غير معلنة. من أبرزها:

الدولة تعرف تماماً أن الوضع المعيشي صعب، لكنها تفضّل توثيقه بإحصاءات بدل التدخل العاجل.

المواطن البسيط لم يعد يثق في لغة الأرقام، بل يبحث عن أثر حقيقي في معيشته اليومية.

ربما لا نحتاج اليوم إلى من يخبرنا أن المعيشة صعبة، بل إلى من يغيّر هذا الواقع.
فالمغربي لم يعد يطلب كثيراً: فقط وظيفة تحفظ كرامته، تعليم جيد لأبنائه، وخبز كريم على مائدته.
أما الأبحاث، فربما آن أوان أن تُوجَّه لفهم كيفية الخروج من الأزمة، لا فقط توثيقها.

 

إرسال التعليق