
500 مليون دولار.. لماذا تختار العرب شراء الذل بدل الحرية؟
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
خرج وزير الحرب الإسرائيلي قبل أيام متحدثا عن أنهم اكتشفوا وثائق في نفق بغزة ، وفيه تطلب الحركة الخضراء من إيران مبلغ 500 مليون خلال عامين ، ويقول نص الوثيقة بأنهم بهذا المبلغ وخلال العامين سيغيرون وضع المنطقة وينهون هذه الحقبة من تاريخ أمتنا .
وجاء الرد الإيراني بالوعد بالمساعدة ، لكن دون القدرة على الالتزام بمبلغ شهري ثابت في ظل ضعف الأوضاع الاقتصادية في إيران ، وعلى حد علمنا ، لم تنف الحركة الخضراء صحة الوثيقة حتى لحظة كتابة هذه السطور . ولا يعني هذا تأكيدا بصحتها بطبيعة الحال . ولكن الذي يهمنا الآن يتجاوز فكرة صحة الوثيقة ، ولو افترضنا أن الوثيقة صحيحة فهذا يعني أن تقدير الحركة الخضراء لثمن معركة مصيرية كبيرة هو 500 مليون دولار.
فلو افترضنا أن الوثيقة غير صحيحة، وأنها محاولة إسرائيلية لتوريط إيران (مثلا) أو تحميلها مسؤولية هجوم 7 أكتوبر ، فهذا يعني أيضا أن العقل الإسرائيلي الذي تقمص روح الحركة الخضراء وعقل قيادتها ، وتقمص الرد الإيراني كان تقديره أن معركة مصيرية تحتاج إلى 500 مليون دولار ، وهذا هو الذي يهمنا الآن ، هذه الخمسمائة مليون دولار.
فإذا كان عقل الحركة المتمرسة ، أو عقل من حاول تقمص عقلها ، يقدر أن زوال إسرائيل وانتهاء حقبتها يحتاج إلى 500 مليون دولار فقط تضخ في جسم هذه الحركة ، فهذا في واقع الأمر يخبرك أي كارثة نحن فيها الآن ، فماذا يعني هذا؟
إنه يعني أول ما يعني أن إزالة هذا الكيان ليس شيئا عسيرا ولا مستحيلا . بل وليس في الحقيقة شيئا مكلفا . لأن 500 مليون دولار هذه ليست شيئا في ميزانيات الدول العربية ، بل هو مبلغ يمكن أن يوفره عدد من رجال الأعمال بسهولة ، وسيكون مضحكا حين نتذكر أن انتقال نيمار لنادي الهلال السعودي كان يكلف (100 مليون دولار)، أي أن خمسة لاعبين مثل نيمار يمكنهم تحرير فلسطين ، وكذلك سيكون مضحكا حين تتذكر أن تكلفة إنشاء قطار “المونوريل” الذي سيخدم العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، سيتكلف (4.5 مليار دولار) أي: تسعة أضعاف مبلغ تحرير فلسطين ، ولا نظن أحدا سيضحك من القهر، بل سيضحك لأن شر البلية ما يضحك ، حين نتذكر يوم أخذ ترامب في صفقة واحدة من دولة واحدة (ألف ضعف) لهذا المبلغ (500 مليار دولار).
فالسؤال الحارق هنا هو : لو أن هؤلاء يدفعون كل هذه الأموال ليحافظوا على عروشهم . ويرتكبون كل هذه الخيانات ليستمر الحكم في نسلهم . فحتى بميزان المنفعة المادية وحدها ، فإن إنفاقهم هذه الأموال على الحركة الخضراء وأمثالها سيكون أقل كلفة وأبعد أثرا وأقوى لهم في ميزان القوى الدولية .
فهل رأى أحد أناسا يسرت لهم الجغرافيا ، ووطأ لهم التاريخ ، حلفاء استشهاديين مثل الحركة الخضراء القادرة على إزالة تهديد وجودي عظيم لكل المنطقة ، ثم هم ينكصون عنه وينكثون عهد الله وعهد شعوبهم فيه ؟ ثم ينقضون كل هذا فيذهبوا إلى العدو نفسه فيتوسلون إليه بأضعاف أضعاف أضعاف هذه الأموال ليبقيهم في عروشهم .
دعونا الآن من حسبة الدين والدار الآخرة ، ولنبق في حسبة الدنيا وحدها ، في السياسة النفعية البرغماتية وحدها ، ولنقل إن تقدير الحركة (أو تقدير من تقمص عقلها) كان مخطئا في مبلغ 500 مليون دولار، وأن المسألة كانت تحتاج مليارا أو مليارين أو حتى عشرة ، فكم من المليارات تذهب في القصور والملاهي والأفلام والمسرحيات ومسابقات السيارات وكرة القدم والغناء ، وشراء نوادر المجوهرات وسلالات الخيل والصقور وأنواع المسك والعنبر والكافور ، وسائر ما يمكن أن يستغنى عنه وعن بعض بعضه؟ ، فأيها أنفع وأجدى وأقوم سبيلا . أن تدفع مليارا أو مليارين أو عشرة لتقيم حليفا استشهاديا صلبا يصد عنك الأذى ويصنع لك قوة ومكانة ونفوذا؟ . أم أن تدفع التريليونات ثم لا تستطيع أن تتجنب حتى إهانات الديك الرومي العلنية مثل: أنا أحمي مؤخرته ، أو: أين ديكتاتوري المفضل؟.
إرسال التعليق