
إشكالية النقد داخل حزب العدالة والتنمية.. بين الخطورة والضرورة
رصد المغرب/عبد المولى المروري
1/ على هامش المؤتمر التاسع، وفي عمق الحزب الشاسع
هل يمكن أن يُوجه نقد علني لحزب العدالة أو لقياداته من طرف أحد أعضاء هذا الحزب؟ هل يجوز لأعضاءه انتقاد حزبهم وقادتهم من خارج مؤسسات الحزب الرسمية؟
لقد ظل هذا السؤال صعبا ومعقدا، إلى درجة يمكن اعتباره سؤالا وجوديا بالنسبة لمن يؤيدون هذا النقد، وسؤالا عبثيا بالنسبة لمن يعارضونه!!
هذا التحدي (النقد) يصطدم كل مرة بنوع من الأسئلة المقابلة وهي كالآتي:
ما هي خلفيات هذا النقد؟
لماذا في هذه الظروف بالضبط؟
هل هذا التوقيت بريء؟ هل هو مناسب؟ أم إن وراءه أجندة غير معلنة؟
ما هي خلفيات نشر غسيل الحزب أمام الرأي العام؟
هل هناك إرادة لإضعاف الحزب؟
هل هذا النقد يتناسب مع سياق المرحلة التي يمر منها الحزب؟
هل هذا النقد في عمومه وشكله ومضمونه بريء؟ أم وراءه تصفية حسابات شخصية؟
هل هذا النقد موضوعي؟ أم إن باعثه حقد تاريخي دفين؟
هل هناك جهة ما «مشبوهة» تشجع المنتقدين على انتقاد الحزب في هذه الظرفية الصعبة والمعقدة وبهذه الطريقة؟
ألا يعتبر هذا النقد تواطؤا ضمنيا مع خصوم وأعداء الحزب؟
وغير ذلك من عمليات التشكيك والتهويل والتضخيم واتهام النوايا وإساءة الظن، يُصاحبها أحينا سب وشتم وسخرية وتهكم بِكُلِّ صاحبِ نقد خلال أو بعد كل عملية نقد يكون موضوعها الحزب، في محاولة من هؤلاء للطعن في مصداقية وجدية عملية النقد، وحتى تظهر في أعين القراء بشكل يخالف هدف ونية أصحابها.. أي أن يرى القارئ في هذا النقد استهدافا للحزب وهجوما غير مبرر عليه، وتحاملا مغرضا، وتبخيسا حاقدا.. وغير ذلك من الأوصاف والأحكام الجاهزة.. مما يتسبب له في تشويش وارتباك على مستوى الفهم والتحليل واتخاذ الموقف المناسب..
إن محاولات بعض أعضاء الحزب الجادين، الذين يسعون بإخلاص إلى توجيه انتقاد موضوعي وجاد وبريء للحزب، أو لبعض مواقفه، أو ممارسات وخرجات بعض قادته أصبحت مغامرة محفوفة بالمخاطر، حيث يتعرض هؤلاء إلى حملات من التبخيس والتشهير والتهكم تفوق تلك التي اشتهرت وتميزت بها الأبواق المزعجة ومواقع التشهير المحترفة..
فمن أعراف بعض أعضاء الحزب الغريبة؛ استهجانهم على العضو إجراء عملية نقد علنية لحزبه الذي ينتمي إليه على مستوى المواقف السياسية وتصريحات قادته، ويضعون هذا العمل الفكري والثقافي في خانة الخيانة، وفي أحسن الظروف في منزلة الطيش والتهور.. علما أن السيد الأمين العام مارس هذا النقد العلني المفتوح، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخارج إطار مؤسسات الحزب في مناسبات عديدة إبان ترؤس سعد الدين العثماني للحكومة.. وبمباركة وتأييد مطلق ومساندة مستميتة من طرف من يعارضون – الآن ومن قبل – أقل من ذلك النقد الذي يحاول يمارسه أعضاء آخرون.. في تناقض فج وغير مفهوم بين تأييد النقد الذي يقوم به ابن كيران واستنكار النقد الذي يمارسه غيره..
هذا «التيار» (إذا جاز التعبير عنه بذلك) يعتبر انتقاد الحزب (خاصة أثناء قيادة ابن كيران له) مؤامرة ضده لا تقويما له، يعتبره تشهيرا به، لا تصويبا لأدائه، ويعتبره تحاملا عليه لا زاوية أخرى من زوايا النطر، ويعتبره هجوما مغرضا عليه لا رأيا مخالفا له..
زعماء هذا «التيار» يعتبرون أنفسهم هم وحدهم المخلصين للحزب ولزعيمه، وهم وحدهم حُماته من الأعداء والخصوم، وأبطاله في المعارك والنضالات، أما الأعضاء الآخرون الذين لهم وجهات نظر مخالفة، أو آراء مختلفة فيعتبرونهم دونهم إخلاصا ووفاء وانضباطا ونضالا، ويصفونهم بالخفة والنزق، بل ينعثونهم بالخيانة والمروق والخروج عن الصف (قالها لي أحد الإخوة يوما، وطلب مني الدخول إلى الصف)..
وربما مِن هؤلاء المنتقدين مَن هم أكثر وفاء وإخلاصا للحزب وقادته وزعماءه، وأرجحهم عقلا، وأدقهم نظرا، وأبلغهم تعبيرا، وأحسنهم حجة وبيانا.. ولكن لا تتاح لهم الفرصة للتعبير عن ذلك داخل مؤسسات الحزب الرسمية، بل يتم تهميشهم وإقصاؤهم عمدا.. مما يجدون أنفسهم مضطرين لإثارة هذه القضايا في إطار نقاش عمومي مفتوح بالنظر إلى ما يواجهه الحزب من حملات ومؤامرات وإغراءات وتهديدات، وباعتباره موضوعا مشاعا للجميع..
ومن المؤسف حقا أن يرى هذا التيارُ النقدَ عبارة عن أسلحة موجهة إلى الحزب، ولذلك بتضايقه ذاك، جعل منه (الحزب) ساحة للحرب بدل أن يكون فضاء للنقاش الحر والمسؤول، يُستعمل فيها التراشق بالألفاظ النابية والعبارات السيئة بدل تبادل الأفكار الهادفة والآراء البناءة..
وهم يعتبرون النقد خطرا يتهدد الحزب، وليس ضرورةً ينبه قادته وأعضاءه، ويسعى إلى إنقاده من بعض أخطاءه. ويعتبرون النقد ظاهرة مرضية أو ورم خبيث يجب استئصاله من جسم الحزب، وليس ظاهرة صحية ودواء مهما لعلاج بعض أدواء الحزب التي أصبحت تتكاثر وتتفاقم بشكل سريع.. دون أن ينتبه إليها أعضاء الحزب وقادته..
على هامش المؤتمر الوطني التاسع جاء هذا الكلام، بعد أن ظهرت مواقف وردود فعل متباينة وآراء مختلفة حول نتائج هذا المؤتمر ومخرجاته.. إلا أن ذلك كله لم يستطع الغوص في أعماق الحزب الشاسعة التي تنتشر فيها ظواهر ومظاهر تطرح أكثر من سؤال عن واقع الحزب ومستقبله، بصرف النظر عن هذا المؤتمر ونتائجه ومخرجاته..
وعندما يخف مفعول الأضواء القوية التي كانت مسلطة على المؤتمر، وعلى أعين المؤتمرين، وتنكشف تلك الغشاوة أو الومضات الضوئية التي هي على شكل أجسام طافية على العين، والتي تكونت نتيجة الأضواء الساطعة.. التي ربما حجبت عن أعينهم بعض الحقائق المهمة، وحالت دون التبصر في الواقع الموضوعي، وربما أيضا – ودون مبالغة – قد أعمت آخرين وأفقدتهم البصر والبصيرة..
وعندما يزول مفعول نغمات الأناشيد والأهازيج الصاخبة الذي صمت الآذان عن سماع تنبيهات الإنذار بوجود أخطار حقيقية تتربص بالحزب..
وعندما ينقضي مفعول الخطابات العاطفية التي ملأت القلوب بمنسوب مرتفع من العواطف الجياشة التي وصلت حد التضخم، ولم يعد فيها مجال ولو ضيق لحب واحترام المخالفين، وملأ العقول بمفاهيم مُعَلَّبة بعضها منتهي الصلاحية، وأفكار جاهزة جاهزية الأكلات الخفيفة والسريعة.. وصلت بهم بعد استهلاكها حد التخمة، ولم يعد فيها مكان لتقبل مفاهيم وأفكار أخرى تخفف من عسر الهضم بعدما أصاب الأدمغة نوع من التخدير من جراء الإفراط في استهلاكها، فمنعها من رؤية وفهم الواقع على حقيقته..
وبعد أن تضع الحرب أوزارها، وتفك الأقمصة أزرارها.. وتطرد النفوس أشرارها، وربما تستذكر خِيارها.. عندها ستكون لي عودة متأنية هادئة لتسليط أضواء أخرى من فصيلة الأشعة التي تتجاوز الأشعة السينية في اختراق الباطن، إلى استعمال الأشعة المقطعية الأكثر نفوذا إلى الأعماق، داخل أعماق الحزب الشاسعة، لتصف وتشخص أدق جزئياته وتفاصيله..
وسوف أناقش نتائج المؤتمر على ضوء أهدافه المعلنة، وأناقش مخرجاته غير تلك المعلنة.. وعندها سنقف على أمور خطيرة لم ينتبه إليها الكثير من أعضاء الحزب، أو لنقل إنهم يخشون معرفتها، ويتهربون من مواجهتها لأنها ستضعهم أمام حقائق موضوعية لا خيار لهم أمامها إلا مواجهتها بعزة وإباء وكرامة، أو الخضوع لها تحت مسميات التوافق والواقعية السياسية وغير ذلك من أشكال المنطق المقلوب والفكر المغلوط ..
إرسال التعليق