عمالة سلا و 20 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… أين الأثر؟

آخر الأخبار

عمالة سلا و 20 سنة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية… أين الأثر؟

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

بمناسبة الذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، نظمت عمالة سلا، كما جرت العادة، احتفالا تحت شعار: “20 سنة في خدمة التنمية البشرية”، إلا أن هذا الشعار، على بريقه يثير من الأسئلة أكثر مما يجيب عنها، في ظل غياب الشفافية حول الأرقام والمشاريع والمستفيدين.

فمنذ أن أعلن جلالة الملك محمد السادس عن إطلاق المبادرة سنة 2005، وضعت المملكة هدفا واضحا ، وهو محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي والهشاشة ، حيث خصصت لها ميزانيات ضخمة عبر السنوات، وأُنشئت لجان محلية وإقليمية لتتبع وتنزيل المشاريع، غير أن الواقع كما يلاحظه سكان سلا، لا يعكس دائما هذه الطموحات.

ففي الوقت الذي ترفع فيه الشعارات ويتم تخليد الذكرى سنويا، يظل المواطن البسيط يتساءل، أين ذهبت أموال المبادرة؟ ومن استفاد فعلا؟ ولماذا لا نجد أثرا ملموسا على الأرض؟، لا في الأحياء المهمشة، ولا في ظروف الشباب العاطل، ولا في البنيات التحتية للمناطق الأكثر فقرا؟.

ورغم مرور أزيد من عقدين على انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي قدمت عند إطلاقها كأحد أكبر المشاريع الاجتماعية الطموحة في المغرب، فإنها ما تزال، في نظر كثير من المتتبعين والمهتمين بالشأن العام، عنوانا بلا مضمون حقيقي، ورقما بلا تفاصيل شفافة، فقد ظلت هذه المبادرة محاطة بكثير من الغموض، سواء من حيث طبيعة المشاريع التي تم إنجازها فعلا، أو تلك التي توقفت في منتصف الطريق، أو حتى تلك التي لم ترَ النور مطلقا.

وما يزيد من منسوب الشك لدى المواطنين والفاعلين، هو غياب التقارير المفصلة والدقيقة التي توضح سير المشاريع، ومراحل إنجازها، ونسب تقدمها، والأسباب الحقيقية وراء تعثر بعضها أو إعادة برمجتها، فـالبيانات المتوفرة إما قديمة أو عامة جدا، ولا تسمح بأي نوع من التتبع أو المحاسبة، ما يفرغ شعار “الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة” من مضمونه.

والمثير للاستغراب، بل والقلق أيضا، هو الصمت السياسي المطبق، حيث لم نسمع إلى حدود الساعة أي صوت من الأحزاب السياسية، سواء من الأغلبية أو المعارضة، يطالب بافتحاص دقيق لأموال المبادرة، أو يقترح آليات لمراقبة صرفها وتقييم أثرها الفعلي على الفئات المستهدفة، وكأن الأمر يتعلق بـ”منطقة رمادية” خارج دائرة النقاش العمومي والمؤسساتي، رغم أن الأمر يتعلق بأموال عمومية يفترض أن توظف في تحسين حياة المواطنين، ومحاربة الفقر والهشاشة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.

إن هذا الغياب شبه التام للرقابة المؤسساتية، إلى جانب الضبابية التي تكتنف سير المبادرة ومشاريعها، يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة، قد تصل إلى حد الشك في جدوى هذه المبادرة، أو في سلامة تدبيرها، مما يفرض ضرورة إعادة النظر في بنيتها وآليات اشتغالها، وتوفير معطيات دقيقة ومفتوحة أمام العموم، ووضعها تحت مجهر التقييم والمساءلة، أسوة بأي مشروع عمومي في دولة تسعى إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية.

فهذه الذكرى تبقى محطة للتأمل والمساءلة، ولعل أهم ما تحتاجه اليوم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ليس الاحتفالات، بل وقفة صادقة لتقييم ما تحقق، وتصحيح المسار حيث اختل، وضمان إشراك المواطنين في المراقبة والتقرير، بدل تركهم على هامش “تنمية” لا يرون منها سوى شعارات ليس لها أثر على أرض الواقع.

يتبع……

إرسال التعليق