
تعددية سياسية جديدة في المشهد الصحراوي تربك قيادة البوليساريو
“صحراويون من أجل السلام” تنضم إلى الأممية الاشتراكية، حيث تعيش قيادة جبهة البوليساريو على وقع ارتباك متزايد بعد الخطوة التي اتخذتها الأممية الاشتراكية بقبول عضوية حركة “صحراويون من أجل السلام” كمراقب، وهي نفس الوضعية التي تحظى بها الجبهة داخل المنظمة، و هذا القرار، الذي تم اعتماده خلال آخر مجلس للأممية المنعقد في الرباط ديسمبر الماضي، شكل ضربة سياسية للجبهة التي طالما تشبثت بكونها “الممثل الشرعي والوحيد” للصحراويين.
لذلك فالتحول الجديد اعتبر من قبل العديد من المتابعين تطورا نوعيا يكرس بداية تعددية سياسية داخل المجتمع الصحراوي، ويفتح المجال أمام رؤى جديدة لحل النزاع، فهذا الحل هو أكثر واقعية وانسجاما مع المتغيرات الإقليمية والدولية.
فمشاركة وازنة وصدمة داخل الجبهة، فإن المؤتمر الأخير للأممية الاشتراكية المنعقد بمدينة إسطنبول، شهد مشاركة وفد من حركة “صحراويون من أجل السلام”، حيث ضم شخصيات وازنة من داخل المخيمات والأقاليم الجنوبية المغربية، ومن الجالية الصحراوية حول العالم، أبرزهم سفير سابق للبوليساريو في فنزويلا، وحضور هذا الوفد شكل صدمة لقيادة الجبهة التي سارعت إلى تقديم احتجاج رسمي للأمانة العامة للأممية، مدعية أن الحركة مجرد “واجهة سياسية” أنشأها المغرب بهدف تقويض شرعيتها.
غير أن هذا الموقف قوبل ببرود داخل أروقة المنظمة، التي أكدت على أن الحركة استوفت كامل شروط العضوية، ومرت عبر جميع المساطر التنظيمية بشكل قانوني وشفاف.
فهناك خطاب متآكل أمام واقع جديد، لأن محاولات البوليساريو لتقويض مصداقية الحركة الجديدة عبر اتهامات بالتضليل والارتهان لأجندات خارجية لم تلق تجاوبا يذكر داخل الأوساط السياسية الدولية، وفي وقت يتراجع فيه تأثير الجبهة على المستوى العالمي لصالح مقترح الحكم الذاتي الذي بات يحظى بتأييد متزايد من دول إفريقيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
ويلاحظ أن هذه الدينامية السياسية الجديدة داخل المجتمع الصحراوي تعكس تحولات عميقة، تتجه نحو البحث عن حل سياسي واقعي للنزاع، يتجاوز الشعارات التقليدية التي لم تعد تقنع الجيل الجديد من الصحراويين الذين يعيشون تحولات اقتصادية واجتماعية متسارعة.
ولذلك فهناك دور مغربي حاسم في الدفع نحو التعددية، فلا يمكن إغفال الدور الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تسهيل انخراط حركة “صحراويون من أجل السلام” داخل الأممية الاشتراكية، بعد أن احتضن اجتماعها الأخير في الرباط، وعمل على إقناع الأحزاب الاشتراكية بجدية الملف الذي تقدمت به الحركة، وديناميتها داخل المجتمع الصحراوي.
إن دخول حركة سياسية صحراوية جديدة إلى منظمة دولية بحجم الأممية الاشتراكية لا يعد فقط منعطفا في مسار القضية، بل يمثل تحولا في كيفية تمثيل الصحراويين على الساحة الدولية، ويطرح تحديات كبيرة أمام البوليساريو التي تجد نفسها اليوم مطالبة بالتأقلم مع معطى جديد يفرض الاعتراف بالتعددية السياسية داخل الساحة الصحراوية.
إرسال التعليق