مراجعات الاسلاميين الجهاديين في المغرب دراسة مقارنة

آخر الأخبار

مراجعات الاسلاميين الجهاديين في المغرب دراسة مقارنة

رصد المغرب/الباحث نورالدين الحاتمي 

على غرار باقي دول العالم، عرف المغرب نموذجا متشددا من الإسلام ، وشهد نمطا صلبا من التدين، تمثل فيما اصطلح عليه[[ بالسلفية الجهادية[1] ]] وهو النموذج، الذي يعود الفضل في التعريف والتبشير به ـ حسب الافغان المغاربة ـ اليهم، حيث يقولون  انهم، هم الذين نقلوه إلى المغرب بعد أن كانوا تعرفوا عليه، في بيشاور وافغانستان.

وعلى غرار باقي دول العالم أيضا، سيتعامل النظام المغربي مع هذا الامر[الوافد الثقافي غير المرغوب فيه] وفق مقاربته الامنية الضاربة، وسيعمد الى تصفيته عبر هذه المقاربة ومن خلالها، اي المقاربة الامنية،وسيزج بهذا التيار في السجن وسيدين الفاعلين فيه، بالمدد السجنية الطويلة، والطويلة جدا، وسيضربه بالقسوة الشديدة .

وتماما كما في باقي الدول العربية والاسلامية، التي عرفت هذه الظاهرة، سيعمد جمع من الاسلاميين المغاربة ـ المنتسبين إلى هذا المنهج ـ الى القيام بمراجعات شاملة لمنظوماتهم الفقهية والعقدية والفكرية ،التي كانوا قد تبنوها وجعلوها مصادر رؤاهم ومرجعياتهم.

ان تجارب الاسلاميين في المغرب نماذج مستنسخة من اصولها  في مصر والشرق الأوسط، وربما كان الفرق الوحيد بينهما ان التيار الجهادي في مصر اصيل انبثق فيها نتيجة سياقات وشروط اجتماعية وسياسية محلية، في حين ان التيار المغربي تأسس في المغرب كتقليد للنموذج الاصيل، وكتشبه به. فما الذي حمل المغاربة على تبني هذا الفكر الاصولي المتشدد ؟ وما الذي حملهم ايضا على الخروج عليه والتبرؤ منه؟ هل كان تبرؤهم من هذا الفكر تبرؤا صادقا؟ وهل هو نتيجة نضج وتطور فكريين كما يدعي اصحابها؟ وبين هذا وذاك كيف كانت نخبة التيار السلفي الجهادي في المغرب تنظر الى المراجعات التي كانت قد صدرت وتصدر عن اساتذتهم في مصر؟ وهل النخبة المثقفة عند هذا التيارـ في المغرب ـ مثقفة بما يكفي للإسهام في التأصيل لهذا الفكر أو القيام بمراجعاته ؟

 

مقدمات لا بد منها

يقول غير واحد من المغاربة الافغان، انهم هم الذين يقفون وراء التعريف بالمنهج السلفي الجهادي والتبشير به ، حيث كانوا قد تعرفوا عليه من خلال احتكاكهم بأعلام  ورموز التجربة الجهادية المصرية، في المعسكرات الأفغانية، وتلقيهم عنهم و تتلمذهم عليهم.[2]

صحيح انهم لم يدعوا اليه، كمذهب مكتمل الاركان وواضح المعالم ،إلا أنهم هم الذين وضعوا حجره الاساس ولبنته الاولى. وان المنهج هذا، لم تتبد صورته ولم تلح ـ كما هي اليوم ـ إلا بعد ان تعرف المغاربة على كتابات ابي قتادة الفلسطيني وابي بصير الطرطوسي وسيد امام الشريف و… واشرطتهم التي كان يتم تداولها بقدر من السرية والتكتم .

دور الشيوخ المغاربة في صياغة المنهج والتأطير به

كي يصبح الرجل شيخا[ في السلفية الجهادية] لا يلزمه الكثير،يلزمه، فقط ،أن يكون على قدر من فصاحة اللسان أوان يطلع  ويستوعب الادلة ،التي يعتمد عليها التيار، في الموقف من الدولة والحكم عليها ككيان  طاغوتي، يجب الكفر به والدعوة والعمل على الاطاحة به واسقاطه،  واستظهار مجموعة من النصوص الدينية المتعلقة بالولاء والبراء، واعتبار الجماعات والطوائف العاملة للإسلام جماعات بدعية ومنحرفة ، يجب البراءة منها، وتكفيرها في حالات. وتتبع اخبار الجهاد وممارسيه والاعلان عن موالاتهم والبراءة من خصومهم واعدائهم[3].

و يتقدم في السلم، اذا كان على اطلاع ومعرفة بعقائد الشيوخ الاخرين، ويمتلك الادلة على التشكيك في إخلاصهم  واتهامهم ،واذا كان محظوظا وقدر له ان يعتلي المنبر ويخطب في الناس، بهذه المواضع، فقد بلغ المنتهى وصار أيقونة .

هذا الكلام، على طوله ضروري، للخلوص، الى ان النخبة المثقفة في هذا التيار لم تكن مثقفة، في الغالب ،الا في هذه القضايا . ولم يكونوا يحسنون القول والكلام الا في هذه القضايا بالذات . وأنه كان، فيهم ، من اذا سحب الى خارج هذه القضايا، انكشف جهله وافتضح امره[4].

والقضايا، التي كانوا يزايدون فيها، لم يكونوا يعرفون فيها، وعنها، إلا بقدر ما يطلعون عليه، مما يتوصلون به، من انتاجات المشارقة وكتاباتهم، وهم لا يختلفون في إدراك هذا المنهج والوعي به، عن الذين يقرأون ويتابعون نفس المراجع،من عدد من الشباب .

وإنما تفوقوا عليهم بما نالوا من الحظ في اعتلاء المنابر والقاء الخطب على الناس، مما مكنهم من الاشتهار، و كان مما يكرس  هذا التفوق، ان الكتب التي كان يتم ادخالها الى المغرب، شارحة للمنهج ومؤصلة له، كانت تحمل اليهم قبل غيرهم ،مما يمنحهم فرصة التعالم على الناس والمزايدة عليهم .

إذن، لم يكن هؤلاء نخبة مثقفة كما يروج البعض، ولم يكونوا شيوخا علماء كما يدعون هم .وانما كانوا ـ في واقع الامرـ اناسا، لعب الحظ معهم،وتهيأت لهم فرص صعدت بها اسهمهم وتضخمت بها حساباتهم ،حتى جعلت  منهم الدولة مخاطبين ،وسلطت عليهم الكثير من الضوء.

هل كان هؤلاء الشيوخ شيوخا جهاديين؟

من استفاد من الاخر؟ الشيوخ ام السلفية؟ لقد كانت بداية كل واحد، ممن أصبحوا شيوخا، اعلان الحرب على شهير، طمعا في الاستفادة من شهرته. إذ الراد على الشهير ادعى ان يجعل الراد مشهورا بشهرة المردود عليه.

وهكذا لم يعرف المهتمون بالشأن الاسلامي محمد الفزازي الا من خلال كتابه[[ رسالة الاسلام الى مرشد جماعة العدل والاحسان ]] ولم يتعرفوا على عمر الحدوشي الا من خلال كتابه [[الجهل والاجرام في حزب العدل والاحسان]] ولم يتعرفوا على عبد الكريم الشاذلي الا من خلال كتيباته، التي اوقفها على الرد عن المرجئة العصر والذب عن معتقد اهل السنة.

لقد ادرك هؤلاء، انه لا سبيل الى الاشتهار، إلا عن طريق مخالفة السائد والخروج عليه، بل والعمل على ابطاله .وبما أن السائد، كان هو التصوف والاسلام السياسي ممثلا في جماعة العدل والاحسان وحركة التوحيد والاصلاح والسلفية التقليدية والعلمية، فإنه لم يكن ممكنا للرد على هؤلاء والتصدي لهم وتفنيد افكارهم، للفت الانتباه والانظار، إلا تبني هذا النموذج البكر وهذه المنظومة العذراء ، والتوسل بأسلحتها المفهومية والنظرية.

وكان ،مما ساهم في تبني هؤلاء لهذا المثال الإديولوجي، ما كان تحقق له من الزخم والوهج على يد مؤسسيه ورجالاته، وبفعل الاعمال الخطيرة التي وقعوها، وبفعل المغامرات التي اقدموا عليها ،حتى هيمنوا على المشهد الاعلامي العالمي ،واصبح لهم حضور قوي في الخطاب السياسي والأمني على مستوى الدول.

تريد الورقة القول، ان الشيوخ المنتسبين الى التيار، لم يكونوا جهاديين بمعنى جهاديين، أي عقائديين .

لقد كانوا يوظفون هذا المنهج لصالحهم، وبما يلائم تطلعاتهم ورهاناتهم عليه، ويبدو ذلك من خلال ما يستقى من كتابات محمد عبد الوهاب رفيقي في [[مراجعات لا تراجعات ]] التي كان يكتبها لليوم اربعة وعشرين، حيث قال أن احد الشيوخ نصحه أن لا يفتي إلا بما تريده الناس، وليس وفق ما يؤمن به أو يعتقده،حتى لا ينفض الناس[5] عنهم الحلقة 17بتاريخ11 07 2015

وذكر في ذات الحلقة، أنه نفسه كان يخفي قناعاته ، كموقفه من تارك الصلاة الذي لم يكن يختلف عن موقف جمهور العلماء، اي التوقف عن تكفيره.

لقد كانت السلفية الجهادية بناء من اختيارات فقهية متشددة ومتصلبة، وقع الاختيار عليها من قبل نخبة الاسلاميين، في كل من مصر والشرق الاوسط .ولم للمغاربة، اي فضل أو دور في التأصيل والتقعيد لها، وانما سعوا الى الركوب على[ امجاد] بنائها ورجالها.    خصوصا إذا وضعنا بعين الاعتبار أن السلفية الجهادية  تنمرت وخرجت عن السيطرة ولم يعد سهلا التحكم فيها ولا التنبؤ بأفعال وردود أفعال المؤمنين المنتسبين إليها.

سيكون هذا الكلام ضروريا ،لأنه سيشرح سرعة تحول هؤلاء الشيوخ عن هذا المنهج  وانسلاخهم منه.

موقف شيوخ التيار الجهادي في المغرب من مراجعات الجهاديين المصريين

لم يوثق مثقفو المنهج السلفي الجهادي، في المغرب، موقفهم من المراجعات التي صدرت عن القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية المصرية، ولكن ،بالتأكيد، كان موقفهم لا يختلف عن موقف الذينيرفضونها ،تحت ذريعة التشكيك في نسبتها الى اصحابها، والادعاء[ أن الاسير لا رأي له] كما يقول الفقهاء.وهي القاعدة ،التي لم يكونوا يفترون عن ترديدها،أو القول أنهم كتبوها تحت ظروف قاسية، أي تحت الإكراه.

وكان منهم من يقول أن الذين كتبوها تراجعوا لضعف لحقهم، ولتخاذل أصابهم ، وأن هذا التراجع اختبارتقتضيه الحكمة الالهية من الابتلاء، اي تصفية الصفوف وتطهيرها من المخذلين والمرجفين والمثبطين.

لقد كان موقف النخبة السلفية الجهادية في المغرب من تلك المراجعات هو الرفض والتنديد ، تبعا لموقف باقي القيادات في الخارج، بل ولم يكونوا يكلفون انفسهم حتى قراءة رسائل وكتب هؤلاء القائمين على تلك المراجعات والإطلاع عليها [6]

وتأييدهم للقاعدة  وإشادتهم بعملياتها ـ في داخل الدول العربية والاسلامية و خارجهاـ دليل واضح على رفضهم لتلك المراجعات.

ارهاصات المراجعات عند الاسلاميين في المغرب

عام او يزيد قليلا على بدء الاعتقالات بسبب احداث 16 ماي،  سيشرع بعض المعتقلين الاسلاميين في إعادة النظر في منظومتهم الاديولوجية، وسيشرعون في طرح الاسئلة بشأنها،وهكذا صاروا يتحدثون عن ضرورة القيام بحركة تصحيحية للسلفية الجهادية وكانوا يرجون منها، التمكن من فتح حوار مع الدولة.

تمثلت تلك المحاولات المتعثرة في عدد من المبادرات،حملت ذات العنوان اي من اجل الحوار والمصالحة مع الدولة.

صحيح ان هذا بدأ باحتشام ، على استحياء وتخوف من ردود افعال سلبية، من قبل المعتقلين، لكنه شق الطريق في هذا الاتجاه ، وساهم في تعبيدها ،حتى اصبح المعتقلون يتجرؤون على مناقشته  والانخراط فيه .

وكان هذا أن اسفر عن بدء تمايز الصفوف بين السجناء الاسلاميين، وانقسامهم بين مؤيد للمصالحة مع الدولة والحوار معها، وبين رافض لها مندد بها .

أعقب ذلك اعلان بعض طلبة العلم الشرعي قيامهم بهذه المراجعات[7]، وتدوينها في سلسلة مقالات تناولوا فيها الخروج على الحاكم واستعمال العنف وقتل السياح وغيرها ، ونقلوا فيها ذات الادلة التي تناولها غيرهم، لأنهم ، ليس بمقدورهم اكثر من ذلك.

وقد كانت هذه المراجعات، او قل التراجعات، تتم من طرف واحد، ولا تعني الا اصحابها والمنخرطين فيها. أما الدولة فقد كانت غير معنية بها نهائيا، بل كانت تشكك في صدق هذه النوايا، التي يسعى المعتقلون الى ابرازها ،في سياق قيامهم بهذه المراجعات، على غرار الجماعة الاسلامية في مصر والجماعة الاسلامية في ليبيا ، و وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم التي كتبها الفقيه الاول والعالم الابرز في التيار الجهادي سيد امام الشريف.

ومع مضي الوقت في السجون، بدأ السجناء ينفتحون على الكتابات التي اندرجت تحت مسمى المراجعات، و بدؤو يتشجعون على البث فيها  واعادة قراءتها ، بعين، غير تلك التي كانوا ينظرون بها اليها في السابق، حيث لعب تواجدهم رهن الاعتقال  ووراء القضبان دورا مهما في تغيير قراءاتهم لتلك المراجعات وتبنيهم لها.

والحقيقة ،أن تلك الكتابات كان في مكنتها أن تمدهم بمبررات تراجعهم عما كانوا عليه   والتبرؤ منه، وذلك بفضل ما كانت تحتوي عليه من التأصيل العلمي القوي لفكرة المراجعات.

وينبغي عدم تجاهل أن السلفية الجهادية ،في المغرب، كانت تعاني فقرا مدقعا، من حيث الكوادر والمثقفين، القادرين على التنظير لها والإسهام في التقعيد والتأصيل لها. ولذلك، كانواـ لا يزالون ـ مجرد تلاميذ للأساتذة في مصر والشرق الأوسط،ولذلك حتى في المراجعات او التراجعات لا بد ان يكونوا تلاميذ لهؤلاء الأساتذة أيضا. ولا ننتظر منهم التأصيل لهذا الانقلاب.

المراجعات كمأزق للسلفيين الجهاديين

كيف للسلفي الجهادي ان يقوم بالمراجعات ويبقى سلفيا جهاديا ؟ كان هذا واحدا من الاسئلة الملحة التي يطرحها المعتقل السلفي على نفسه واقعا.

لقد كانت المراجعات تعني الانسلاخ عن المنظومة السلفية الجهادية، والانفصال عنها والى الابد. فاذا كانت السلفية الجهادية تتأسس على تكفير الانظمة واعتبارها طاغوتا، واعتبار من ينتسب اليها من جند الطاغوت، الذين تجب البراءة منهم ، والكفر بها [أي الانظمة] والتحريض على اسقاطها ، والكفر بالديمقراطية، وكانت المراجعات هي التراجع عن هذه القضايا، فان المراجعات ـبهذا المعنى ـ  تعني القطع مع هذا المبدأ وتطليقه، وكان الانخراط في هذه المغامرة يقتضي قدرا كبيرا من الشجاعة والجرأة ،لأنه يرتبط بالاخلاقي والنفسي والكرامة والكبرياء .

إن القيام بالمراجعات، وفق المفهوم المعروف، يعني الانقلاب على السلفية والتخلي، بالتالي، عن الاستفادة من الوهج الذي يتحقق لها ،والزخم الذي تستمتع به .

لا يمكن ان تكون سلفيا جهاديا ومتصالحا مع الدولة في ان .

ولذلك ، كان غير واحد منهم، اي المعتقلين الاسلاميين ينخرط في هذه المبادرات الفردية، في جنح الظلام، اي بعيدا عن الناس، حتى لا يتفطن له غيره ممن يقاسمونه المبدأ والفكرة، فينكر عليه او يرميه بالجبن والخور والضعف ،أو يحرض عليه[8] .

مراجعات عبد الوهاب رفيقي ابو حفص

ابو حفص محمد عبد الوهاب رفيقي واحد من نخبة التيار السلفي الجهادي، الذي ذاع صيته في مدينة فاس، كخطيب مفوه مناصر للقاعدة ومؤيد لها، وقد تأتى له ان يكون خطيبا قويا، بما تأثر به من وعاظ الجزيرة العربية، حين كان طالبا يدرس العلوم الشرعية.واشتهر بفضل التيار الذي كان قد تأسس في المدينة والدعاية المكثفة التي قام بها من أجله، إثر انتسابه اليهم والدعوة إلى منهجهم.وتأييده للحملات التعزيرية، التي كان الشباب يقومون بها تحت عنوان [[الامر بالمعروف والنهي عن المنكر]] وتحريضه لهم، في سعي جاد منه، للفت الانتباه اليه وتوسيع قاعدته الجماهيرية، والتفاف الناس عليه.

ويشرح في مقالاته [[مراجعات لا تراجعات]] كيف انه كان يخفي قناعاته حتى لا ينصرف الناس عنه ،وينقل كيف ان احد المشايخ نصحه بذلك.

يقول عن نفسه انه تحول الى ايقونة في تلك المنطقة، بفضل الخطب التي كان يلقيها  والمواضيع التي كان يطرقها ويتناولها في تلك الخطب، وهي الخطب  ـ الكافية وحدها ـ أن تجعل منه اسما لامعا ونجما ساطعا في وسط هذا التيار،خاصة وأنهاكان يشهدها الالاف من الناس.

لقد كان جهاديا، يجادل عن التيار ويساجل عن مقولاته، ووفق ابنيته وادلته ، تماما ، كما صاغها منظروه ، في كل من مصر والشر ق الاوسط .

وهكذا، كانت دروسه وخطبه تدور حول البلاء في سبيل الله، وتمجيد المنهج الجهادي، الذي لم يكن له اي دور في صياغته، و كذا، الاشادة بأعلامه ورموزه ،والحديث عنهم وعن مناقبهم بالتبجيل والحمد والثناء، والقدح، في المقابل، بالأنظمة العربية والاسلامية المتخاذلة والعاجزة، والترويج لثقافة القاعدة كرأس حربة الجماعات الجهادية العالمية، وتفسير الصراع بين تلك الجماعات والدول الإستكبارية، وفق منطقها وحسب اطروحاتها[9]، وكان يقف داعما للأعمال التعزيرية التي كان يقوم بها جمع من الشباب الجهادي في منطقته فاس.

ثم إنه بعد أن دخل السجن وحكم عليه بتلك المدة الطويلة[30سنة] ،يحكي كيف انه وبفضل الخلوة التي وجد نفسه فيها في داخل السجن، وتحت تأثير قراءاته في الفكر والفلسفة وتوسعه فيهماـ كما يحلو له أن يقول دائما ـ  قرر ان يتسلح بالشجاعة وانخرط في مراجعاته التي صدرها برسالته[ انصفونا ]التي كتبها بمشاركة حسن الكتاني والتي طرحا فيها ادلة مراجعاتهم التأصيلية، تحت مثل هذه الاسئلة أو التساؤلات [لماذا نستنكر العمليات المسلحة ؟ لماذا لا نكفر المجتمع ؟ لماذا لا نعارض الملكي ؟ لماذا نقدر كل العاملين في حقل الدعوة الاسلامية ؟ لماذا ندعوا الى التواصل مع الفعاليات المدنية؟] والتي حسم فيها موقفه  الرافض  للعنف المسلح كسلوك في مواجهة الدولة و إعلانه اعترافه بالملكية وتبرؤه من تكفير المجتمع، هذا الأمر الذي لم يتهم به احد من التيار السلفي الجهادي، وانما هو من أصول التيار التكفيري.

لقد بدأ ابو حفص الرفيقي مسيرة مراجعاته ب[انصفونا] الذي لم يخرج فيه عما هو كائن وموجود في داخل البنية الفكرية والفقهية الاسلامية، وظل فيه اسلاميا خالصا، رغم خروجه عن مسار السلفية الجهادية ، وتبنيه لأفكار فيها الكثير من السلمية، وعرف فيها فكره تطورا لافتا [10].

وبقي محمد عبد الوهاب رفيقي ماضيا في طريق المراجعات الى حدود ابعد،  تمثلت في كونه لم يعد يكتفي بالاختيارات من داخل المدارس الاسلامية، وإنما تعداها الى توسيع دائرة اختياراته  فأصبحت تشمل التجارب الفكرية والثقافية البشرية، باتساع رقعتها. حتى انه دعا الى اخضاع النصوص القرانية، التي يعتبرها المسلمون ثابتة لا يجوز المساس بها ولا الاقتراب منها، منها المساواة بين الذكر والانثى في الارث، واعلان موقفه الداعم والمؤيد للحريات الفردية .

مراجعات الشيخ محمد الفزازي

الشيخ محمد الفزازي  علم هذا التيار في المغرب، بدون منازع. لعب دورا خطيرا في التعريف بهذا المنهج والتبشير به، وكان قريبا من الجهاد الافغاني ومن المشاركين فيه، من المغاربة خاصة ،كما لعب دورا على الساحة[ الجهادية] الجزائرية، بالتحريض والدعوة للفصيل الأكثر قسوة [الجماعة الإسلامية المسلحة] ، والدفاع عن مواقفها [11].

يكاد الحديث عن السلفية الجهادية، في المغرب، يقتضي، بالضرورة، الحديث عنه. انه علمها ورمزها ، وربما لم يلعب رجل ما لعبه هو في سبيل الدعوة اليها واشهارها، حيث انخرط فيها في زمن مبكر، وتعرف على ابي قتادة الفلسطيني الذي يصفه ب[العالم المتمكن][12] من خلال زيارته في لندن، وهي الزيارة، التي عدت بمثابة تزكية من هذا الاخير له، اي الفزازي.

وكانت رحلاته واسفاره الى اوروبا بمثابة فرص كبيرة يتعرف فيها على ما يستجد  في هذه الاديولوجيا، وكان يظفر بما يصدر عن النخبة المثقفة المفكرة في التيار، مما يؤهله للحفاظ على تعالمه.

يعرف الفزازي باختياراته الفقهية الشديدة ،والعسيرة جدا ،ولا يكاد يتبنى الا الاختيارات التي تثير عليه الخصوم، وتورطه في معارك متعددة مع الكثير من الناس والجبهات والجماعات.وكمثال على ذلك ، مشاركته في برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة مع[ عبد الحسين شعبان]، والآراء التي كان يطرحها، من مثل أن المساواة بين الناس كمبدأ تبنته الأمم المتحدة في ميثاقها لحقوق الانسان، يعتبرـ من وجهة نظره ـ  جريمة  لأن الله لا يقبل ذلك، واعتباره تلك الحقوق وضعية ووضيعة وترحمه على قاتل فرج فودة  وغيرها من الطروحات التي عاد يفاخر بها بحسبانها دليلا على انتصاره على خصمه [ العلماني ][13]

ومحاضراته وخطبه و تآليفه، كلها تندرج تحت هذا العنوان [الردود والردود المضادة] وكانت انتقاداته كلها ،من الحدة  والشدة والقسوة، بمكان[14].بل لقد كان يتكلف ليثبت أن شيخا ما ارتد عن الإسلام أو كاد[15]

يتبنى الرجل المبدأ السلفي الجهادي كله، بدقائقه وتفاصيله، [على مستوى القول والخطاب وليس على مستوى الفعل]،علىالرغم  من انه لا يفتئ يقول [انا لست سلفيا ولكنني مسلم مجرد مسلم][16] [اني ارفض ان اتخندق في خندق السلفيين ….انا ابرا الى الله منهم فالخلافات بيننا وبينهم عقدية صرفة ][17]

ومواقفه من الخصوم الاديولوجيين، تصل حد التكفير، من ذلك وصفه لجماعات اليسار ب[ اليسار الملحد][18]وكتاب الصحف التي تهاجمه ب[اقلام الردة][19] وهو يتهم الحكومة المغربية بالكفر يقول بالحرف [وانا اتهمها بالكفر رأس الخطايا لأنها لا تحكم بما انزل الله والله تعالى كفرها ][20] من كتاب السلفيون والحكومة المغربية.

وقدشن في كتابه[ الفوائد] حربا ضروسا على المختلفين معه من الكتاب والصحافيين وغيرهم. اعتبر فيه ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان[احد طواغيت العصر ورأس من رؤوس الالهة الباطلة في هذا الزمان][21]ويقول كاشفا موقفه من البرلمانيين الاسلاميين [نحن بريؤون منهم كما هم بريؤون منا ولا نقبلهم معنا][22]

وكان ، متى حضر لمناقشة احد ما او موضوع ما اثار اللغط وخالف واختار من الآراء ما من شأنها ان يظهر بها،  ويفعل ذلك متعمدا .

ويقول ان الديمقراطية كفر، وأن الانتخابات كفر، وأن الداعي اليها داع الى الكفر، وكان يعتبر الشيخ اسامة بن لادن صحابيا في هذا القرن، وكان يكفر بعض البرلمانيين الإسلاميين، الذين يقول أنه ناقشهم واقام الحجة عليهم.

كما شن حربا على من يقاسمونه العقيدة الا قليلا،  ورماهم بأنهم من المرجئة يهود القبلة مستحضرا في ذلك قولا مأثورا عن ابن جبير، ورماهم بالخيانة والعمالة للآل والريال،كما في كتابه[ جذوا حذركم عملاء لا علما]ء و[المرجئة يهود القبلة ]

وبالجملة، فقد كان الرجل سلفيا جهاديا حتى النخاع، ومتبنيا الخطاب السلفي الجهادي، بكل تفاصيله ودقائقه، ومنافحا لا تلين له قناة في سبيل الانتصار له.

لقد اتينا على ذكر هذه الامور، لنبين حجم تغير الرجل وحجم تحولاته ،لم يكتب محمد الفزازي مراجعاته ولم يخرجها. وهذا ما يحمل عددا من اتباعه وانصاره على التساؤل عنها وعن اسباب تغيره وتبدله  ومبرراتهما، إلا ان الواقع الذي اضحى عليه يؤكد انه لم يقم بالمراجعات فقط،  وإنما قطع مع تلك المرحلة التي لعب فيها دورا محوريا، حيث كان قد اسس لنفسه تيارا قاعديا مهما من الشباب، واكتسب شعبية كبيرة بين الناس.

ان الخرجات الاعلامية والتصريحات التي ادلى ـ و يدلي ـ بها ، والممارسات التي تصدر عنه وصدرت عنه،  مذ كان في السجن،  تقطع انه  لم يبق له من منهج السلفية وخطابها الا الماضي .

فالرجل منذ دخل السجن وهو اخذ في التأسيس لنفسه ،على الاقل، لفكر نقيض لما كان عليه ، معلنا فك ارتباطه بمنهجه القديم، و هم بكتابة رسالة تنديدية بأحداث مدريد 2004منعه من نشرها خوفه من ردة فعل رفاقه في السجن[23]، وأعقبها بأخرى يناشد فيها جماعة الزرقاوي ان تطلق سراح المغربيين الذين كانا مختطفين عندها قائلا لهم ما معناه انكم تطلقون سراح اليهود والنصارى،وهذان المواطنان المغربيان ليسا أضل من اليهود والنصارى، واليهود والنصارى ليسوا أهدى منهما.[24]

ثم ما فتئت كتاباته ورسائله تترى، يكتب في بعضها انه هو الملك محمد السادس يقفان في صف واحد وجبهة واحدة ضد الفساد ،وان الملك يقود الثورة على الفساد، الى ما هنالك من هذا الكلام [25].

كما كان يخرج بين الفينة والاخرى بتصريحات، يغازل فيها الاجهزة الامنية، ويقول أن عناصرها مؤمنون، وأن فيهم عناصر كثيرين يتقون الله، وكانوا يأسفون على حاله، ويقول ان الامن المغربي لا يد له في اعتقاله.

هذا، بالإضافة إلى بعثه  رسالة  إلى منتدى حقوق الانسان أكد فيها على ان العلماء لا ينبغي لهم ان يصطفوا في جبهة معارضة السلطان، وأنهم ينبغي ان يكونوا داعمين له، وانه لا شان لهم بالسياسة، في مخالفة صارخة لمبدأ السلفية الجهادية.

الشيخ محمد الفزازي وبعد خروجه من السجن، أصبح عضوا في المجلس العلمي بطنجة وعمل خطيبا في واحد من أهم مساجد المدينة، وشارك في الانتخابات وأسس جمعية السلام للدعوة والبلاغ و كان يخطط لتأسيس حزب سياسي، معية جمع من مشاهير هذا التيار، كما تراشق بالسباب والشتائم مع المحسوبين على التيار ممن كانوا بالأمس من اتباعه وأزلامه بسبب مواقفه الجديدة هذه.

يشار هنا الى أن الرجل محمد الفزازي لم يكتب أي كتاب أو كتيب في التأصيل لهذه التحولات او التراجعات، أو يشرح فيها طبيعة الاجتهادات التي قام بها في هذا المجال، ويفسر فيها لأتباعه  العلم الذي فتح له و اكتشف ،عن طريقه، أن المنهج السلفي كان قاصرا او فاسدا، وأن الحق اللاحب هو هذا الذي اصبح عليه الان.

ليس شرطا أن يقوم الرجل بتقديم اوراق في النقد الذاتي، حتى يصدق الناس أنه قام بهذه المراجعات، وربما كانت ترجمة هذه المراجعات في الواقع أصدق وأعمق.

محمد الفزازي قام بالمراجعات فعلا….لا قولا….. ويعيشها واقعا.

مراجعات حسن الخطاب

لحسن خطاب مراجعات من نوع اخر مغاير، لا يشبه ـ لا من قريب ولا من بعيد ـ نموذج المراجعات التي قامت ـ وتقوم به ـ اسماء من هذا التيار.

وحسن خطاب هذا، دخل السجن مرتين ، في المرة الاولى، حكم عليه بسنتين خرج بعدها ليؤسس خلية خطيرة، عرفت بخلية[ انصار المهدي] وحكم عليه بثلاثين سنة سجنا نافذا،وكان يعمل على تأطير عناصر هذه الخلية، بتحريضهم على العنف وتهيئتهم للابتلاء ،لأن طريق هذا المنهج ـ كما يحلو لمنظريه أن يقولواـ محفوف بالمخاطر، و لم يكن ينسى الدعاء على الملك [الطاغوت] وكان يبكي ويتباكى لهم للتأثير فيهموالسيطرة عليهم[26].

لقد أخذت مراجعات الشيخ حسن ـ كما يحلو له ان يسميه الناس ـ شكل كتابات، تناول فيها اعتراضاته على الحركة الاسلامية ،وذكر فيها مؤاخذاته عليها وصاغها، بطريقة بعيدة عن لغة التيار واسلوبه، ويغلب عليها النقد الفكري ويكاد يغيب فيها النقد الشرعي.

ينتقد حسن خطاب الحركة الاسلامية لأنها [ لا تركز على التفاعل والابداع التنظيمي القاعدي …اي في الكسب المشترك الناجم عن علاقة تأثر و تأثير ….لان المشيخة التنظيمية تمطط الاقزام فيصبحون عمالقة ][27]

ويطالبها ،بالتالي، اي الحركة الاسلامية أن [تمحو الذاتية وتكرس ثقافة الحوار و المصلحة العامة  والتحدي والابداع…][28]

يفترض خطاب ان [العادات السلبية والمتخلفة]هي التي تقف وراء [جمود نخب الحركة الاسلامية وذلك ان عقلها الجمعي ـ كما قال ـ يقاد باللاوعي والعواطف.[29]

وقد توضح له ذلك من خلال [الانسدادات والانحدارات الفكرية ]التي تتوالى، بفعل حصول التماس مع الواقع والانخراط في العمل السياسي.[30]

كما يؤاخذها على عجزها عن [انتاج نخب قادرة على التفسير والتفكير] ويؤاخذ نخبها على افتقادها [للجرأة وجدة الطرح] وعجزها عن الاجابة على سؤال الماهية، حسب عبارته

ويؤكد على أن التيار السلفي الجهادي اليوم مطالب بان يتنازل عن [بعض خصوصياته للمصلحة الاسلامية العليا ] ومطالب ايضا [بالرجوع الى الاصول … والانطلاق من نقاط الاتفاق…][31] والاعتبار بالمقاصد لا بالوسائل.

ولا ينسى خطاب الاشارة الى قضية مهمة، ومهمة جدا، في جملة أزمات واشكالات الحركة الاسلامية. يتعلق الامر هنا ب[فريضة التفكير] التي يقول عنها انها، كفريضة اساسية، غائبة عن ابناء الحركة الاسلامية، وانهم يعطلونها.[32]

ويقول ان الحركة الاسلامية [في حاجة الى مزيد من التحررعلى المستوى الثقافي والفكري من الثقافة التراثية والتاريخية والتحرر من كافة السلط لتنطلق انطلاقة صحيحة في رحاب هذا الكون…][33]

واضح هنا أن خطاب يوجه هذه الانتقادات إلى نفسه، باعتباره واحدا من نخبة التيار هنا في المغرب ، [ طبعا هو يقدم نفسه كذلك] فإذا كانت النخبة الإسلامية عاجزة عن التخلص من الانانية وعاجزة عن الإبتكار وأنها معطلة لأداة التفكير، فإن هذه الآفات تطاله هو أيضا وهو مع هذه النخبة مطالب بأن يقوم بهذه المغامرة من أجل ابتكار الحلول لأزمة الحركة الإسلامية ومن أجل التخلص من هذه الامراض والعقد.

وقد ذهب في كتيباته تلك، الى اختيارات لا تختلف عما صدرـ ويصدرـ عن كثير المفكرين، الذين كان التيار يشوه سمعتهم ويصد الناس عنهم ،فقال في رسالة له تحت عنوان[[ من دولة الانسان الى دولة القران ]]

أن[دولة الانسان ذات النظام السياسي العالمي الذي تسعى الامة لتحقيقه نظام يضم امما وجماعات عقدية مغايرة وبالتالي لا يحق لاحد داخل دولة الانسان ان يطالب بفرض شريعته بكل تفاصيلها على المجتمع المدني برمته والزامه بذلك][34] وفي هذا ردة واضحة عن الفهم الكلاسيكي للدولة الاسلامية التي يسعى السلفيون الى احيائها،حتى تطبق الشريعة الاسلامية المحصورة في الحدود، و احياء نظام الاسترقاق واستخلاص الجزية من اهل الذمة ،إذلالا لهم وقهرا وتمكينا لأهل التوحيد وإظهارا.

ثم يقول ان اجتهاد العلماء ،في بناء الدولة، لا ينبغي ان يقتصر على[احياء نمط تاريخي بعينه للدولة باعتباره نمطا تنظيميا عرفه وعاشه الكيان الاجتماعي الحضاري في لحظة مضت ولكنها تتضمن وتنطوي على جوهر وطبيعة الطور الحضاري والاجتماعي المعاصر بكل ما تدعيه من دواعي وما تنتجه من انعكاسات][35] وهذا الراي يعتبر عند الخطاب السلفي الجهادي مقدمة للانحراف عن المنهاجالصراطي الممثل في السلفية الأرثودكسية.

والناظر في رسائل الرجل يلحظ انه خربش ورقاته تلك، بطريقة لا صلة لها بأسلوب المراجعات الذي اعتاد عليه الناس، وذلك من خلال ابتعاده عن مناقشة القضايا الجوهرية والمفاهيم المفصلية، التي تتشكل منها بنية الخطاب السلفي الجهادي.

فبدلا من إبداء الرأي ،بشكل صريح من اشكالية الجهاد، اي التوسل بالعنف في مواجهة الدولة كسبيل للإطاحة بها وتقويضها، وبدلا من إبداء الموقف من الآخر المخالف في الفكرة والمبدأ، ومن المشاركة في السياسة والقبول بقوانينها، تقوم الورقات التي سطرها بوظيفة النصيحة للحركة الاسلامية، ويوجه الانتقادات التي تعرفها كل الوان واطياف الصحوة الاسلامية، وما استقت هذه الورقات مؤاخذاتها إلا منها، اي من كتابات مفكري هذه الحركات ،الذين يثبت الواقع انها تحظى بمفكرين لا يكادون يقومون الا بفريضة التفكير.

وهو يفعل ذلك انطلاقا من موقع الراصد المراقب وليس من موقع الفاعل، ولذلك عوض ان يهتم بتدارك نواقصه ويشتغل على تحسين أدائه وتطوير ذاته، ينهض للقيام بدور المثقف الناقد والباحث.

ويستطيع من تعرف على حسن الخطاب وسمع منه ،أن يدرك، بسهولة ،أن رسائله و وكتيباته تلك، التي خص بها الحركة الاسلامية في الوطن العربي، والتي أوقفها على ترشيدها ، ليست ،في الواقع، إلا سرقات ادبية  مكشوفة ومفضوحة ، وكان فاشلا حتى في وضعها في سياق يسهل على المتلقي السلفي فهمه.[36]

إن بضاعة خطاب بالنسبة لإنتاجات الحركة الاسلامية، يمكن إجمالها في انها بضاعتهم، اي الاسلاميين، ردت اليهم، لكن بشكل فاسد وملتبس.

مراجعات ريتشارد روبير

ارتبط هذا الاسم بزعامته لخلية ارهابية متشددة، كانت تنشط في كل من طنجة وفاس، ويعتبر بعض افرادها خليتهم من أخطر الخلايا السلفية، وحسب بعض وسائل الاعلام، فانه كان يخطط للقيام بعدة عمليات داخل التراب الفرنسي .

تأثر الرجل بالفكر السلفي الراديكالي وسافر الى افغانستان وتلقى تداريب على استعمال بعض الاسلحة ،وتنقل بين عدد من البلدان ليستقر في المغرب ويشكل تنظيما سريا،واتهم من قبل الاجهزة الامنية المغربية بانه كان يعد لشن هجمات ارهابية يهز بها استقرار المغرب، وحكم عليه من القضاء المختص بالمؤبد، قضى منها ما يقرب من عقد من الزمان داخل السجون المغربية قبل ان يرحل الى فرنسا .

روبير ريتشارد بدوره، انخرط في مبادرات المصالحة مع الدولة وعرض على المسؤولين إشراكه في هذه المبادرات لان الناس ـحسب قوله ـ يتخذونه قدوة ،وهذا من شأنه ان يجعله مؤثرا في برنامج تحذير الشباب من الانجرار وراء الخطاب المتطرف، والإغترار بشبهاته،ولكن الجهات المعنية بهذا البرنامج كان لهم رأي آخر فلم يشركوه.[37]

وعلى الرغم من انه تم ابعاده عن هذا البرنامج، إلا أنه كتب ورقة ضمنها جملة اعتراضاته على التيار، ودون فيها ما اعتبره مراجعات قام بها، شن فيها هجوما على التيار السلفي الجهادي معتبرا اياهم لا يحترمون[ لا العلماء ولا العلم الشريف][38] وذلك عندما يتجرؤون [على إصدار فتاوى تكفيرية …توشك أن تخرب الديار المغربية لولا يقظة السلطات الامنية والمجتمع المدني][39]

واعتبر انه مع [عولمة حقوق الانسان التي تضمن للجميع حق التدين] فلا حاجة اليوم للجهاد، لان النبي لم يخض حربا إلا للدفاع عن الدعوة والطائفة المؤمنة، وهذا المبرر مفقود اليوم ،لأن حق الدعوة مكفول والطائفة المؤمنة محمية حسب رأيه.

ولم يفته ان يذكر بأن[  العلماء لم يكفروا حكام الدول العربية لان لا احد منهم صرح بانه كافر بما انزل على محمد….] وبالتالي فالتيار السلفي الجهادي على خطاء في خروجه عليهم اي الحكام.

وحسم موقفه من المذهب السلفي الجهادي، الذي تعتبر جماعة القاعدة  عنوانه من خلال  اعتباره [قتال القاعدة واجبا دينيا لمنعها من بغيها]

ودعا في ذات الورقة [ الشعوب العربية ان توحد صفوفها ضد الخطر الذي يهدد استقرارها ونموها وتقدمها وعلى المجتمعات المدنية ان تنخرط بشكل فعال في القضاء على الفكر المنحرف][40]

لا شك ان كتابة مواقف كهذه من المنهج السلفي الجهادي لا تعد مراجعات فقط، وانما هي، في تصور السلفي الجهادي، انقلاب وردة عن هذا المنهج، لا يبقى لكاتبه ان ينسب نفسه اليه، ويكون موقف المنتسبين الى هذا المنهج أن يتبرؤوا منه وان يخرجوه من دائرتهم فالقول أن الجهاد، اليوم، لا مسوغ له ،و أن حكام العرب والمسلمين ليسوا مرتدين ولا كفارا، والدعوة إلى محاربة الجماعات التي تؤمن بخيار العنف ضد الدول، يعد ـ في عرف السلفيين الجهاديين ـ ردة عن الدين، وليس فقط ردة عن المنهج او المذهب.

ويشار هنا، إلى أن ادريس الكنبوري الذي نشر هذه المراجعات في كتابه[ سلفي فرنسي في المغرب]شكك في أن يكون هذا الفرنسي هو الذي كتبها ورجح أن يكون وراءها تيار ما   هو الذي كتبها له. وكان ينتظر ردود الأفعال عليها كما ذهب غلى أنها تصدر عن أطروحات وأفكار محمد رفيقي.

والتعالم،الذي ترشح به الورقة، يشي بأن كاتبها ليس روبير، وقد يكون شخصا اخر،خاصة وان هذا الفرنسي لا يعترف بأحد من النخبة ،التي تقبلها الدولة، كشيوخ سلفيين جهاديين، ويعترف برفيقي الذي يعتبره جاوز مرتبة طالب العلم .

مراجعات اسلاميين اخرين

ثمة من[ اهل العلم] الذين لعبوا ادوارا في نقل هذا المنهج إلى الناس والدعوة اليه، وقضوا في السجون مددا طويلة، وخرجوا منها دون ان يصرحوا أنهم قاموا بمراجعات ما، وحاولوا ان تبقى مواقفهم كما في السابق، منهم ابو الفضل عمر الحدوشي وابو عبيدة عبد الكريم الشاذلي.

ابو الفضل عمر الحدوشي يقول عن نفسه انه[ دخل اسدا وخرج اسدا ][41] وانه لم يجبهم الى ما طلبوه منه، وكان الناس يتناقلون عنه ان يرفض التفاوض مع المسؤولين الذين تبعثهم الدولة لمفاوضته كما غيره[42].

وكان قبل دخوله السجن سلفيا جهاديا، بتبنيه لمقولاتها، وقوله أن دخول البرلمان كفر بموالاته لأعداء الله واحترامه للطاغوت ووقوفه في ظل مظلة نظام جاهلي كافر واعترافه بالأحزاب العلمانية والشخصيات الكافرة [43]

ولكن مع ذلك فقد لانت مواقفه وتغيرت.

من ذلك موقفه من الشيخ عبد السلام ياسين ومن جماعته،  فقد كان الحدوشي قد كتب باكورة تآليفه في تسفيه الجماعة وشيخها، وحمل عليهما. قال الرجل في كتابه حوار هادئ مع الاستاذ عبد السلام ياسين   [قال ابن رشد سئل مالك أينبغي لأحد ان يتسمى بياسين؟ قال ما أراه ينبغي][44]

وقال ص22

[يحرم على المسلم ان ينظر في كتب الاستاذ ياسين لأنها ملغومة ولا يؤمن شرها،والاستاذ ياسين حاطب ليل وجارف سيل وناقد لا يفرق بين الصحيح والضعيف ويظن ان كل مدور رغيف وكل جمرة ثمرة وكل شحمة لحمة وكل حكمة حديث وكل زندقة نورانية …وعلى العلماء ان يحذروا من كتبه في خطبهم ودروسهم ومحاضراتهم ومواعظهم ][45]

وكان كتب في كتابه [الجهل والاجرام في حزب العدل والاحسان] ان كتب عبد السلام ياسين ليست من الاسلام، وانها يجب ان تحرق وتتلف.

ثم انه بعدما خرج من السجن ،وتوفي الشيخ عبد السلام رحمه الله حضر جنازته ونعاه بكلمات الثناء عليه وذكر فضائله ومجهوداته في مجال الدعوة الى الله والتربية، وما هناك وقال إن ظفر عبد السلام ياسين افضل من الحكومة[46].

ثم انه رفع الحرج عن التيار السلفي، الذي كان يعتبر ان وصف الملك بصاحب الجلالة فيه الحاد في اسماء الله تعالى، وقال أن قول صاحب الجلالة لا بأس به ولا حرج فيه، لأن جلالة الله تليق بالله وجلالة الملك تليق به، والفرق بينها بين واضح[47]، أو كما قال.

وقد كان محمد عبد الوهاب رفيقي قال في رسالة، نشرتها فتيحة الحسني ام ادم، أن الحدوشي كان مؤيدا له في خطوة مراجعاته ومبادرته للحوار مع الدولة ومشجعا له، الا أنه طلب منه ان لا يذكر اسمه[48].

ابو عبيدة عبد الكريم الشاذلي

يعتبر الشاذلي نفسه المؤسس الحقيقي للتيار السلفي الجهادي، ويقول ذلك في كل المناسبات [49]،وكان كتب في ذلك كتبا رد فيها على المرجئة،الخصوم التقليديين للسلفية الجهادية، الذين لا يقلون كفرا عن الانظمة الحاكمة [حسب الفكر السلفي الجهادي] وكان يكثر فيها من النقل عن عبد القادر بن عبد العزيز، و يحرم فيها التحاكم الى غير الله، أي الطاغوت. وفق العبارة الأكثر استهلاكا واستعمالا من قبل التيار.

وكان يشرف على تأطير جلسات سرية، تعقد داخل المنازل والبيوت، ويرى ـ كباقي السلفيين ـ ان الديمقراطية كفر، وأن الدخول الى البرلمان عمل كفري، وغيرها من القضايا المشكلة لهذا المنهج وخطابه.[50]

هذا الرجل، ايضا، لا تعرف له مراجعات مكتوبة ،يدافع فيها عن التراجعات، التي من الممكن ان يكون قام بها اثناء مكوثه في السجن، خاصة وأن اسمه لم يكن له ذلك الحضور، كما كان لباقي الاسماء.

لكنه بمجرد خروجه من السجن التحق بأحد الاحزاب السياسية[51] واصبح يقوم بالترويج له والدعوة له، ويحث السلفيين على الالتحاق به وبحزبه الجديد .

و هو ينفي ان يكون قد دعا الى ممارسة العنف، أو أن يكون أحد ما من المتورطين في العمل الارهابي الذي استهدف المغرب  ـ او كان ممكنا ان يستهدفه ـ قد فعل ذلك تحت تأثير كتبه أو بالإستلهام منها.

والواقع الذي ينبغي الإشارة إليه، أن جميع الشيوخ ، الذين كانوا يؤطرون التيار ويسهرون عليه،[او يركبون عليه لا فرق] لم يكونوا يدعون الى العنف او إلى ممارسته، داخل البلد. لأنهم يوقنون تماما، أن الوطن خط احمر، وأن التورط في اجتراح العنف داخله، أو تعريض استقراره للاهتزاز، تشكل قطع خط الرجعة .

ولكن دعم من يفعل ذلك خارج المغرب، والدفاع عنه والترويج لأفكاره ونشرها بين الناس، لا يختلف كثيرا عن الدعوة الى التورط فيه داخل الوطن.

مصير مراجعات الجهاديين في المغرب

للوقوف على هذه القضية، تلفت الورقة الانتباه إلى المراجعات، التي أقدم عليها الاسلاميون المصريون، وعقد مقارنة بينها وبين هذه المراجعات، التي يفترض ان المغاربة قاموا بها .

لا شك ان مفردة المراجعات ،قبل أن ترتقي الى درجة المفهوم، ارتبطت بالكتابات التي قامت بها نخبة التيارات الجهادية في ارض الكنانة،والتي شكلت، بحق، تطورا حقيقيا في الفكر الجهادي المصري، وشكلت نضجا واضحا لدى هؤلاء الرجال.

فكتاباتهم كلها، كتابات علمية وفقهية أبان فيها القيادات التاريخية للجماعة الاسلامية أنهم تقدموا كثيرا في مسار العلوم الشرعية وامتلكوا الأهلية العلمية للقيام بالمراجعات، بل واتضح ،من خلال تلك المراجعات، انهم قاموا بها، ليس فقط طلبا لمغادرة السجن وطمعا في معانقة الحرية، ولكنهم فعلوا ذلك ايمانا منهم بأن اعمالهم ،التي قاموا بها، كانت اخطاء وخطايا اجترحوها في حق انفسهم، وفي حق اسرهم واقربائهم ودولتهم، وهم يقولون ان مبادرتهم لوقف العنف ليست مقايضة [اي المبادرة من أجل المغادرة ]وفق عبارة المغاربة وانما هي[[ قرار استراتيجي ]] تمليه مصلحة الإسلام والشعب والدولة.[52]

وقد تبين لجل المهتمين ان تلك المراجعات امتازت بالتسلح بعلم اصول الفقه والإحاطة به، بل وتوظيفه بطريقة الراسخين في العلم،  وظهر ذلك من التوسل [[بالمصلحة ]] ومن فقه مالات الاحكام .

والقواعد الفقهية، التي تم توظيفها في مجال مراجعاتهم، تبين أنهم تطوروا من الناحية الفكرية والفقهية، الى حد أنهم اصبحوا فقهاء حقيقيين، وأثبوا انهم على بصيرة من امرهم [53]، وذلك ، حين اعترضوا على هجمات 11ايلول ضد الولايات المتحدة الامريكية للنتائج الكارثية ، التي افضت اليها .

فهذه المراجعات، على الرغم من كونها بهذا القدر من العلمية، ومن التسلح بالعلم الشرعي ومراعاة مقاصده وابعاده، إلا انها لم تثمر ما كان مرجوا منها، اي الاسهام في تطويق الخطاب الاسلامي المنحرف ومحاصرته، وظل عبارة عن قناعات لا تعني غير اصحابها الذين انتهوا اليها، في حين بقي الخطاب الاصولي الذي يتغذى على لغة الشارع و الجهل والفقر وتوظيف المظلومية هو الغالب وهو المنتصر.

ونفس الامر يقال بالنسبة الى الخطوة العملاقة، التي خطاها الشيخ سيد امام الشريف في وثيقته[[ لترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم ]]حيث اعتمد على القوة العلمية ، التي أصل بها لوثيقته والقواعد التي استثمرها فيها حيث استعان بأزيد من ثلاثين قاعدة فقهية معتبرة، و كانت وثيقته من الوضوح  ومن الصلابة العلمية بمكان ، وقد نص بشكل صريح ان القدرة هي[[مناط التكليف بواجبات الشريعة بعد العقل والعلم]]وان[[القدرة في الجهاد لا تنحصر في ذات المسلم البدنية والمالية وانما تتعداه الى واقع الظروف المحيطة من الموافقين والمخالفين]] والشروط الدولية والاقليمية وغيرها لا تسمح بالقيام بمثل هذه المغامرات لما يترتب عليها من المفاسد المهلكة .

وقال ان [[المقصود من الجهاد هو اظهار الدين والتمكين لأهله ]] والواقع ان العمليات العنيفة، التي تقوم بها تيارات الجهاد اليوم ،تعود بنتائج عكسية تماما من هذا الهدف حيث يساء الى الدين ويعرض اهله للإذلال والتشريد ، ويتراجع التدين خطوات كبيرة إلى الوراء.

واوضح بشكل لا لبس فيه، واعتمادا على القواعد المبثوثة في بطون امهات الكتب العلمية انه[[لا يجوز القيام بالجهاد والولاء والبراء وتغيير المنكر باليد على المسلمين حال ضعفهم ]] و خصوصا [[اذا كان لا يرجى منها اظهار الدين ]] إذ [[ما غلب ضرره على نفعه فالصحيح منعه ]]

وان [[المحافظة على المسلمين وعدم الدفع بهم الى خوض ما لا يعود على الدين بنفع او ظهور من المواجهات المهلكة واجب وهو الصواب ]]لأن[[الضرر لا يزال بمثله ]]فأحرى بأشد منه كما ينقل عن الفقهاء.

وانه [[لا يجوز التعرض لقوات هذه الحكومات … بالأذى لما في ذلك من المفاسد]][54] واضح اذن اننا امام رجل متمكن عالم بالشرع لا يمكن المزايدة عليه، وهو واثق مما يقول ومطمئن اليه، و نفسه العلمي واضح في وثيقته، وان الادلة التي ساقها في تلك الوثيقة تقطع بانه لم يكن يفعل ذلك مناورة منه لمغادرة السجن ومعانقة الحرية.

اقول ان مراجعات عبد القادر بن عبد العزيز التي توقع منه عدد من الباحثين والمراقبين انه سيكون لها ما بعدها وستسفر عن انصراف عدد كبير عن هذا التيار، لأنها صادرة عالم اصولي متمكن، وكان اميرا للتنظيم وهو عارف بخباياه، وبمستوى اهلية ابنائه وعناصره، الا انه انتهى بسببها الى ان تخلى عنه الناس وانصرفوا وبقي وحيدا داخل سجنه.

وبالتالي، لم يكن لها أي تأثير على الناس، اللهم إلا على المثقفين والدارسين الذين يعنيهم ان يزنوا الامور بقسطاس العلم والشرع، اما العوام،الذين تتشكل منهم الجماعات المقاتلة فانهم لا يتأثرون بالعقل ولا يعتبرون به.

اذا كانت مراجعات الاسلاميين في أرض الكنانة ،وهم من هم في العلم والتمكن منه، لم تمنع من مضي الناس في طريقهم العنيف والمسلح ضد [الإستكبار] و[عملائه] من حكام العرب والمسلمين ومن يتحالف معهم ، وكل ما فعلت أنها مدت خصوم هذه التيارات بالأسلحة النظرية للرد عليهم و[ تفنيد شبهاتهم ] ومكنت من لديهم القابلية للإنصراف عنهم والتعلق بالحياة من أن يفعل ذلك وهو مرتاح البال ومطمئن إلى أن ما يفعله صواب ومشروع.

فكيف بالمراجعات التي تنسب للإسلاميين المغاربة أو يفترض أنهم قاموا بها ؟ لا شك أنها لن تكون أحسن حالا من نظيراتها في الشرق الأوسط.

من نافل القول أن هذه المراجعات لا تعني إلا اصحابها ، وهم توسلوا بها من أجل تصحيح مواقفهم والدفاع عن انفسهم وتبرئتها مما قد يكون علق بها ،بالحق أو بغير الحق. وربما لعبت هذه المراجعات دورا ما في عزل هؤلاء [المتراجعين] وفصلهم عن التيار العام وافقدتهم القدرة على التأثير في هذا التيار والإسهام في تأطيره.

و الذين تورطوا في المراجعات، سواء بالفعل أو القول، وجدوا انفسهم خارج التيار وفقدوا ، بالتالي ،عددا مهما من الأنصار أو الأتباع .

فالسلفية الجهادية ثقافة محنطة ومتعالية على الزمان، لا تقبل بالتاقلم مع الواقع ولا بالتعايش معه ،ولا تقبل بأن تتغير من داخلها وان تتطور من قبل كوادرها ، وبالتالي ،فإن أي باحث ومثقف انتسب إليها ثم تقدمت أفكاره ونضجت إلى درجة أن يتصالح مع واقعه ويتنازل له، لا يمكن أن يبقى سلفيا اللهم إلا بنوع من[[ التقية]]

الخطاب الراديكالي المتمثل في الإديولوجيا الجهادية خطاب متمنع والمراجعات هي بمثابة إعلانات وبيانات يشعر فيها أصحابها انسحابهم من التيار وبراءتهم من خطابه

وبقي أن نتساءل ماذا لو لم يقم هؤلاء بتلك المراجعات ؟ ماذا لو بقي هؤلاء سلفيين جهاديين ؟ ما هو الإيجابي في هذه المراجعات المكتوبة أو غير المكتوبة ؟

تفترض الورقة أن اهم ما في هذه المراجعات أنها شجعت من كانوا يرتابون في مصداقية هذا المنهج والخطاب ومن كانوا ينتسبون إليه على حرف بعبارة القرآن  شجعتهم على الخروج منه والتحول عنه واعلان قناعاتهم الحقيقية بشأن هذا المنهج

كما اسهمت في تعرية هذا الفكر وتعرية مؤسسيه والمستفيدين منه  وساعدت من كانوا من الممكن أن ينتسبوا إليه وهم غير واثقين من مطابقته للهدي الاسلامي العام على أن لا يغرقوا فيه ولا ينساقوا له ولديماغوجيته

وبالجملة فإن التراجعات أو المراجعات [لا فرق هنا]ساهمت في الدفع بالسلفيين الجهاديين إلى الانقسام وافقدت الناس الثقة في رموز هذا التيار، مما سهل إضعافه وصرف الناس عنه وبالتالي إنقاذ المغرب من فتنة محتملة

ربما لو كان هؤلاء سلفيين جهاديين حقيقيين وبقوا متماسكين ومتكاتفين لبقي الخطر محدقا بأمن المغرب

إن هذه المراجعات سواء كانت حقيقية ام لم تكن إن لم يكن لها من الايجابيات إلا أنها اجلت مشكلا حقيقيا وقلصت دائرة خطره، لكفاها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ا

 

 

[1] ينكر كل من الفزازي و الحدوشي وابو حفص وجود السلفية الجهادية ويعتبرونها لقيطة وبنت زنى الا عبد الكريم الشاذلي فانه يعترف بها ويقول أنه هو من اسسها.

[2] استقينا هذا الكلام من بعضهم مباشرة

[3] قريب من هذا ما ذكره محمد عبد الوهاب رفيقي في سلسلة مقالاته مراجعات لا تراجعات في موقع اليوم24

[4]ذكر الحسين شهبار كمينا نصبه رفيقي للشاذلي في زيارة كان قام بها إلى فاس واعد رفيقي مجموعة من الأسئلة عن الطهارة وأحكامها وكان يعلم أن الشاذلي شيخ في التكفير والولاء والبراء …وليس في غيرها وذلك كي يحرجه ويكشف جهله أمام الأتباع

[5] انظر في ذلك مراجعات لا تراجعات لرفيقي الحلقة17بتاريخ 11ـ07ـ2015

[6]عرفنا ذلك عن طريق الاحتكاك والمواكبة للتيار

[7]يتعلق الأمر هنا بكل من جلال المودن ورشيد بريجة

[8]هذا عايشناه وكان عدد من المعتقلين يسارعون إلى تقديم طلبات العفو والبراءة من الماضي سرا

[9] ينظر في ذلك خطبه ودروسه التي كان يلقيها على الأتـباع والمريدين من مثل طالبان والحرب الصليبية وعذرا فلسطين ولله درك يا اسامة وغيرها

[10]في مبادرته[ انصفونا] لم يكن يفعل غير ان يتخير من المواقف الإسلامية  المختلفة حسب المدارس والمذاهب وينتقي منها ما يجعله مقبولا ومتصالحا مع مجتمعه ودولته ولا يخرج عنها.

[11]سبق للشيخ فزازي أن زار الجزائر في مطلع تسعينات القرن الماضي والتقى بعدد من قيادات العمل الإسلامي وشارك في تقديم الدعم لل[[الجهاد]]هناك

[12]وصفه بذلك في كتابه الفوائد

[13]لقد ظل الرجل يفاخر بتلك المشاركة [التي كانت بتاريخ 3مارس من 1998] زمنا ويروج أنه خرج من تلك الحلقة منتصرا ، والواقع أن عبد الحسين شعبان هو الذي كان يمثل صوت العقل والحكمة ولكنه كان خائفا مترددا لا يقوى على إبداء رأيه بصراحة ووضوح في حين كان الفزازي يعمد إلى استفزازه حتى يثير عليه الشارع الإسلامي المتصاعد آنذاك.

[14] انظر في ذلك كتابه الفوائد وعملاء لا علماء والمرجئة يهود القبلة و مقالاته قلوب متشابهة وفتاوى متسيبة…وغيرها

[15]انظر فتاوى متسيبة في الرد على القرضاوي

[16]السلفيون والحكومة المغربية ص6

[17]ن م ص29

[18]ن م ص32

[19]ن م ن ص

[20]ن م ص64

[21] الفوائد ص 9

[22]ن م ص 54

[23]اخبرني بذلك أحد اقربائه

[24]هذه الرسالة نشرتها عدد من المنابر الإعلامية في السنوات الأولى لاعتقاله ولم يتسنى لي العودة إليها

[25]قرأت ذلك بخط يده

[26] انظر في ذلك درسين له ،أحدهما تحت عنوان معالم الطائفة المنصورة والثاني تحت عنوان الابتلاء

[27]حسن خطاب هذه مؤاخذاتي على الحركة الإسلامية والتيار السلفي

[28]ن م

[29]ن م

[30]ن م

[31]ماهو بين معقوفتين من رسالة خطاب

[32]ن م

[33]ن م

[34] مفاهيم التيار السلفي بين دولة الانسان ودولة القرآن ص11

[35]ن م ص21

[36] الاسلوب الذي كتبت به تلك الرسائل واللغة التي صيغت بها من مثل [الحركة الإسلامية بين سؤال الهوية ورهانات المستقبل والتيار السلفي بين تجديد الكينونة ومساهمة التغيير وبين دولة الانسان ودولة القرآن ] وعجزه عن توضيح مراده منها وشرح مضامينها ، بالإضافة إلى كونه ربي على التيار السلفي ويحلو له أن يكون شيخا يقطع يقينا ان رسائله تلك ليس من بنات افكاره ومثل هذه الجملة الطويلة[إن الاختلاف التنوعي يكتسب مشروعيته من انفلات المعرفة الإنسانية من صرامة البداهة واندراجها في دائرة الممكن والمحتمل] لا يمكن أن تصدر عن سلفي .

[37]ادريس الكنبوري سلفي فرنسي في المغرب ص108

[38] ن م ص80

[39]ن م ص80

[40]هذه الجمل الموضوعة بين معقوفتين منقولة عن ادريس الكنبوري من كتابه المذكور اعلاه

[41]هذه العبارة مأثورة عنه وهو ما يفتئ يرددها في كل المناسبات

[42]قال ذلك غير ما مرة وهذا الكلام موثق عنده ومبثوث على اليوتيوب

[43]انظر في ذلك رسائل توجيهية للشباب في فقه الواقع

[44]حوار هادئ مع الاستاذ عبد السلام ياسين ص21

[45]ن م ص22

[46] نص الكلمة مبثوث على شبكة اليوتيوب

[47] موثق ايضا على قناته في اليوتيوب

[48] منشورة على موقع شباب المهجر تحت عنوان رسالة سرية من ابي حفص تعيد المراجعات الفكرية الى الواجهة

[49]يقول في كافة اللقاءات والخرجات الصحفية وهي مبثوثة على النت

[50]هذه خبرناها من بعض مقربيه واشار اليها الرفيقي في سلسلته مراجعات لا تراجعات في اليوم 24

[51] يتعلق الامر هنا بالحركة الاجتماعية لعرشان

[52]انظر في ذلك نهر الذكريات دار التراث الاسلامي الطبعة الاولى2003

[53]شهد بهذا عدد من المهتمين والباحثين والمراقبين ، بعض من هذه الشهادات في نهر الذكريات للجماعة الاسلامية

[54] الجمل الموضوعة بين معقوفتين منقولة من وثيقة الترشيد

إرسال التعليق