
الدولة المرابطية: ذاكرة المؤسسين وصراع الهويات الحلقة الاولى
رصد المغرب/حاوره الحيداوي عبد الفتاح
في زمن تتقاطع فيه الهويات وتتداخل الأسئلة حول الدولة والسلطة والتاريخ، يبرز صوت يونس بلمالحة كبوصلة نقدية حادة في فك شفرات الذاكرة المغربية، واستنطاق لحظاتها المؤسسة. من خلال إظهار التشابك “تمغربيت/تمخزنيت” في سلسلته المنشورة مؤخراً على يوتيوب، يحفر بلمالحة في المفارقات التي تنتج الخطاب المخزني، وتعيد تشكيل الذاكرة والانتماء، وتحول تمخزنيت من مجرد فكرة إلى عصبونات رمزية تنشط في العقل الجمعي.
.
وفي سياق هذا التفاعل مع التاريخ والمخيال السياسي، تتجه بوصلته الفكرية نحو الدولة المرابطية، لا بوصفها لحظة تاريخية منجزة، بل كمعطى هوياتي و ثقافي ثم سياسي يستحق إعادة القراءة و الاكتشاف، بما يحمله من أسئلة مركزية حول الدولة الدينية، والعلاقة بين السلطة والشرعية، والنزعة التوسعية باسم الدين، وحدود الهوية الصحراوية-الأمازيغية في بناء النموذج السياسي.
.
نلتقي في هذا الحوار مع يونس بلمالحة، لا لنكرر ما قيل، بل لنقتحم معه مناطق المسكوت عنه، وننصت إلى نبض الأسئلة القلقة التي تشاغب السرديات الكبرى. حوار يتجاوز الوثيقة إلى التأويل، ومن الحكي إلى الفهم
السؤال الأول
ما الذي يجعل الدولة المرابطية تحتل مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي والمغربي مقارنة بغيرها من الدول؟
—
على المستوى المحلي تمثل التجربة المرابطية، ما يمكن تسميته بالنموذج المؤسس للدولة في المغرب، فهي أول دولة تؤسس في المغرب بعد دخول الإسلام. لأن ما حدث من قبل في تجربة الأدراسة أنهم لم يؤسسوا لدولة بل فقط لإامرة كباقي الإمارات الأخرى التي كانت في المغرب و لم تستطع الغمارة الإدريسية توحيد المغرب. من غير المنجز الوحيد و الرمزي و هو بناء مدينة فاس التي ستصبح العاصمة “الرمزية” للدولة في المغرب، و عند البعض العاصمة الروحية.
المرابطون أسسوا لكيان قوي وهو الدولة الممتدة أو افمبراطوية إن جاز التعبير. بل و تمكنوا من تدعيم الوجود الإسلامي بالأندلس لعدة قرون. و أيضا تأسيس عاصمة جديدة و برمزية جديدة و هي مراكش والتي كانت المدينة الوحيدة التي نافست فعلا مدينة فاس في رمزيتها سواء الروحية أو السياسية.
و على المستوى الخارجي: مثلت الدولة المرابطية، دولة إمارة المسلمين، حيث رفض يوسف بن تاشفين أن يلقب بأمير المؤمنين و اعتبر أن اللقب هو حبيس “للخلافة” و أنه أمير للمسلمين. و هذه رمزية أيضا لقناعة الدولة المرابطية بمشروع الدولة الفيدرالية الإسلامية او دولة “الخلافة” الإسلامية. على الرغم من أن الدولة العباسية كانت في أرذل العمر.
السؤال الثاني” هل الاهتمام بالدولة المرابطية اليوم هو اهتمام علمي خالص، أم أنه يحمل أيضًا أبعادًا أيديولوجية أو سياسية في سياق الهويات المعاصرة؟
–
للامانة هو اهتمام يشمل كل هذه الجوانب، و لكنه في المقام الأول هو رد اعتبار لهذه التجربة ومحاولة للتصالح مع الذات. و بحث في الذات التاريخية. و أيضا محاولة للبحث عن الأصول المؤسسة للذات المغربية أو ما أصبح يصطلح عليه ب:”تمغرابيت” و التي يراد أن تحرف عن مسارها الصحيح و يتم حشوها بأكاذيب و أغاليط ما أنزل الله بها من سلطان نتيجة اختلال موازين القوى. فهناك تيار “محظي” من محظيات النظام تفتح له الأبواب لأنه مكلف بمهمة. و يكفي أن رموز التيار “المحظي” أنه لا تقام ندوة و لا نشاط و لا مأدبة و لا حتى جلسة خاطفة الا و تم إحضارهم و كأنهم يمارسون الرقابة على المجتمع و على هوية او ما كان يسمى بدور “المحتسب” سابقا. و المهمة هي محاولة اجتثتا المغاربة من أصولهم و صناعة هوية جديدة بأوهام جديدة.
لا يمكن القفز على “الإديولوجيا” كما أن الحديث عن الفكرة المجردة و للا انتماء هو قبيل من التغليط و الكذب بل و الخيانة. على المثقف و غيره أن يكون منحازا بل و منافحا شرسا على انتمائه و أفكاره و قناعاته و هويته. فتاريخ البشرية هو تاريخ “صراع” و “تدافع” و لهويات و الحضارات.
السؤال الثالث:في ظل تعدد التجارب الإسلامية في الغرب الإسلامي، ما الذي يميز التجربة المرابطية لتظل موضوعًا متجددًا للبحث؟
–
ما يميزها أن النموذج المؤسس للدولة في المغرب و وانه نموذج للدولة البسيطة القريبة من المجتمع إلى حد ما و المتصالحة معه و ليست المتصادمة و يكفي أن في عهد الدولة المرابطية العنف السياسي يكاد يكون منعدما و حرية التعبير كانت في أعلى درجاتها و هو ما استفاد منه خصوم الدولة مثل المهدي بن تومرت ليصبح منفذ تدمير الدولة المرابطية و التآمر عليها. إن ساطة الدولة عكست بساطة فكرة التأسيس. لن الفكرة كانت المرابطة على الثغور و الدعوة ثم الدولة التي تمارس الدولة. و يكفي أن المؤسسين للدولة و للدعوة كانت في غاية البساطة و التقشف و هو النموذج لم يتكرر في المغرب. حيث أثبت التجارية اللاحقة ان الدولة و القع و المال و السلطة مكونات متحالفة.
ثم إن دولة المرابطية تمثل إلى حد دولة الهامش أو القاصي، الذي قدم من الجنوب وليبني الدولة في الشمال….و إن حاولت التجربة السعدية و من بعدها العلوية ماحولة استنساخه إلا أنها لم ترق إلى مستوى الفكرة و وضوح الفكرة عند الدولة المرابطية. و الدليل أن الدولة المرابطية هي الدولة الوحيدة التي لم يتعرض حكامها و أمراؤها للاغتيال السياسي و لا التآمر الداخلي من داخل البلاط و الأسرة و السلالة.
كما أن النموذج المرابطي يمثل حالة فريدة من نوعها في تاريخ المغرب، و هي حالة تصالح ثقافة الشعب/المجتمع مع ثقافة السلطة/الدولة. فلم يكن هناك صراع بينهما كما هو الحال عند كل الدولة التي حكمت المغرب لاحقا.
و هنا نربطه بالسؤال الأخير :وهل كانت حقًا ثورة “بادية” على “مدينة”؟ وهي لم تكن بمعنى الكامل لثورة الهامش او ثورة “بدوية” أو الصحراء تحديدا على المدينة، بل هي “الثورة” التي انطلقت من الصحراء/البادية لتؤسس المدينة و تدعم وجود و بقاء “المدينة” مثل ما فعلوا مع الأندلس. فالمرابطون لو كانوا يطلبون الدنيا لما غادروا الأنلدس و ما أدراك ما الأندلس حيث طيب العيش و الماء و الخضرة و نعيم الدنيا و بهاء العلم و المعرفة، فقد اجتمع فيها ما تفرق في غيرها. بل بقي المرابطون أوفياء لفكرة الدعوة و بساطة الدعوة و أولوية الدعوة على الدولة. و ظلت وفية لمبادءها التأسيسية و لم تمارس الميكيافيلية في تكريس المشروعية وتجديد الشرعية و تبريرها بعد الوصول إلى الحكم أو حتى الانقلاب عليها كما حدث عن الدولة الموحدية التي بدأت بالدعوة المهداوية ثم سرعان ما انقلبت عليها بعد وصولها إلى سدة الحكم. المرابطون بقوا أوفياء للدعوة من أول التجربة إلى آخر رمق فيها.
–
إرسال التعليق