
مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقطاعات الأشغال العمومية بين رهانات العدالة الاجتماعية وتحديات الحكامة
رصد المغرب / لبنى موبسيط
منذ تأسيسها، حملت مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقطاعات الأشغال العمومية على عاتقها هدفا نبيلا، وهو تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للعاملين في القطاع، وتوفير خدمات تراعي كرامة المنخرطين واحتياجاتهم المتزايدة، إلا أن الواقع الراهن يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى قدرة المؤسسة على تحقيق هذه الأهداف، وسط تصاعد أصوات منخرطين يشكون من ضعف الخدمات، وغياب معايير التسيير الرشيد، بل و”انحرافات” محتملة عن المسار الاجتماعي المفترض.
عدد من الشهادات التي توصلت بها الجريدة، أبانت عن معاناة مشتركين في برامج الاصطياف التي تنظمها المؤسسة، حيث من بين أبرز الملاحظات هو سوء التجهيز، وضعف النظافة، وتدني جودة المرافق مقابل أثمنة تقارب أسعار الإقامات الفندقية، لذلك تقول إحدى المهندسات: “حتى النوم لم يكن ممكنا بسبب الضجيج… طلبت تغيير الشقة وتعويضا عن الضرر، دون جدوى”، وهي شهادة تنضاف إلى أخرى توثق لظروف غير لائقة، واصفة الشقق بأنها متسخة، بالإضافة إلى روائح كريهة، وأثاث متهالك، وكل ذلك دون آليات واضحة للشكاوى أو التقييم.
ومن بين النقاط التي أثارت استياء فئة واسعة من المنخرطين، تخصيص المعهد العالي للدراسات البحرية بالدار البيضاء كمخيم صيفي لفائدة أبناء بعض الموظفين، رغم أنهم لم يعودوا ضمن الفئة المنخرطة بالمؤسسة، حيث هذه الخطوة اعتبرها البعض خروجا عن مبدأ الإنصاف، وحرمانا غير مبرر لمنخرطين فعليين بدعوى “الاكتظاظ”.
وما زاد من الجدل، فيديو ترويجي تم تصويره داخل مطبخ المؤسسة، وصف بأنه يروج لمنتجات بعينها، ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول حدود النشاط الاجتماعي، والجهات المستفيدة فعليا من هذه الخدمات.
وفي مدينة كلميم، نموذج آخر يختزل إشكالات تدبير بعض المرافق، حيث هناك روض أطفال، أُحدث سابقا لفائدة أبناء موظفي الأشغال العمومية، أغلق ثم تحول لاحقا إلى محل تجاري يبيع المواد الغذائية والسجائر، في غياب أي تأطير قانوني، وكل المعطيات المتوفرة تشير إلى كراء المحل بمبلغ شهري، دون وثائق رسمية، رغم أن البناية تعود إلى الأملاك المخزنية، وكانت موجهة أصلا لأهداف اجتماعية.
والسؤال الجوهري هنا هو كيف يسمح باستغلال عقار عمومي لأغراض تجارية، خارج أي إطار قانوني؟ ومن يراقب هذا النوع من الانزلاقات التي قد تضرب في العمق فلسفة العمل الاجتماعي؟
وفي خضم هذا الوضع، أصدرت النقابة الوطنية لموظفي وزارة التجهيز والنقل بيانا شديد اللهجة، أعلنت فيه تعليق مشاركتها في جلسات الحوار المتعلقة بالمؤسسة، داعية إلى الكشف عن لائحة المستفيدين، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث النقابة تعتبر أن الوضع الحالي لا يعكس أهداف المؤسسة، بل يساهم في تعميق فجوة الثقة بين المنخرطين والإدارة المسيرة.
وفي ضوء كل هذه الوقائع، تبرز الحاجة إلى مراجعة شاملة لآليات اشتغال مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقطاعات الأشغال العمومية، مراجعة لا تقتصر على تصحيح الأخطاء، بل تمتد إلى إعادة توجيه البوصلة نحو خدمة حقيقية وعادلة للفئات المستهدفة.
فهل تتدخل الجهات الوصية لإعادة الاعتبار للمرفق الاجتماعي؟ أم أن الوضع سيستمر في التدهور حتى يفقد المشروع معناه وشرعيته؟
إرسال التعليق