
“غانغارام” حارس المرور الذي حوّل الألم إلى رسالة إنسانية
رصد المغرب / عبد العالي بريك
في زحام العاصمة الهندية دلهي، وفي أحد أكثر التقاطعات ازدحاما وخطورة، يقف رجل سبعيني بملامح هادئة وعصا بسيطة في يده، ينظم حركة المرور بكل التزام، كما يفعل منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث هذا الرجل هو “غانغارام”، والذي لم يكن مجرد موظف، بل أصبح رمزا للتفاني والإنسانية بعد أن حول مأساة شخصية إلى رسالة مجتمعية مؤثرة.
تبدأ قصة “غانغارام” قبل 32 عاما حين فقد ابنه في حادث سير مأساوي عند أحد التقاطعات المزدحمة، ولم تمر الصدمة بسلام، إذ توفيت زوجته بعد فترة قصيرة من الحادث، متأثرة بالحزن الشديد، ليجد نفسه وحيدا في مواجهة الحياة، بحيث كان بإمكانه أن يغرق في حزنه وينسحب من العالم، لكنه اتخذ قرارا نادرا واستثنائيًا، بأن يقف في المكان الذي فقد فيه فلذة كبده، ليمنع حدوث المأساة ذاتها مع آخرين.
ومنذ ذلك اليوم، بدأ “غانغارام” بتنظيم حركة المرور يوميا من الساعة التاسعة صباحا حتى العاشرة ليلا، دون مقابل مادي، ودون أن يتغيب أو يتذمر، وليس لديه زي رسمي ولا أدوات حديثة، فقط ملابس بسيطة، وعصا في يده، وعينان تسهران على سلامة المارة والسائقين.
رفض “غانغارام” على مدار السنوات أي مساعدات مالية أو هدايا، مفضلا أن يواصل خدمته بصمت وإخلاص، حيث لم يكن يبحث عن شهرة أو مقابل، بل كان يحمل بداخله رسالة واضحة، وهي أن يحمي الآخرين من الألم الذي عاشه.
ومع مرور الوقت، بدأت قصته تلامس القلوب، بعدها حصل على تكريمات وميداليات من شرطة دلهي ومنظمات اجتماعية، تقديرا لجهوده التطوعية، حيث في عام 2018، وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الخدمة المجتمعية النبيلة، تم تعيينه رسميا كحارس مرور، ليحصل أخيرا على راتب مقابل عمله الذي لم يتوقف يوما.
إن “غانغارام” ليس مجرد رجل عجوز ينظم المرور، بل هو مدرسة في العطاء والصبر والتفاني، لأن قصته تذكرنا بأن الألم يمكن أن يتحول إلى طاقة إيجابية، وأن العمل من أجل الآخرين قد يمنح لحياتنا معنى يفوق ما نتوقع.
في زمن تكثر فيه القصص السلبية، يسطع نجم “غانغارام” كأيقونة إنسانية، أثبتت أن التغيير يبدأ من فرد، وأن الوفاء لذكرى من نحب يمكن أن يصبح مصدر أمل لآلاف الأرواح.
إرسال التعليق