آخر الأخبار

خطاب وزير الأوقاف بين شعارات الحرية وواقع الهيمنة: قراءة في كلمة المولد النبوي

خطاب وزير الأوقاف بين شعارات الحرية وواقع الهيمنة: قراءة في كلمة المولد النبوي

رصدالمغرب / نعيم بوسلهام


حين تحدث وزير الأوقاف أمام الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف عن الحرية والمسؤولية و”نظام الحياة في شموليتها”، بدا وكأنه يصف واقعا مثاليا لا نعرفه. فالخطاب المليء بالشعارات عن “يقظة الضمير” و”الفهم الرباني للحرية” يخفي واقعًا آخر، حيث تتحول المساجد إلى فضاءات محاصرة، والخطاب الديني إلى نصوص موحدة تُقرأ تحت رقابة مشددة.

“نظام الحياة” أم نظام الوزارة؟

الوزير قال بالحرف: “ننظر إلى الدين لا على أنه مجرد جزء من الحياة، بل نظام الحياة في شموليتها، على أساس فهم رباني لقضية الحرية والمسؤولية”. كلام جميل، لكن ماذا عن الأئمة الذين جرى توقيفهم لمجرد الخروج عن نص الخطب الموحدة؟ ماذا عن المساجد التي أُغلقت بدعوى عدم توفر الشروط؟ أليست هذه السياسات نقيضًا للحرية التي بشر بها الوزير؟ الحقيقة أن “نظام الحياة” الذي تحدث عنه الوزير ليس سوى نظام مركزي تتحكم فيه الوزارة بكل تفاصيله.

حين يصبح الذكاء الاصطناعي مبررًا للقمع

أكثر ما يثير الاستغراب في خطاب الوزير هو قوله: “تحليلات قواعد الذكاء الاصطناعي تُجمع على إيجابية الخطب المقترحة ضمن خطة التبليغ”. هل وصلنا إلى مرحلة نحتاج فيها إلى شهادات الخوارزميات لتبرير سياساتنا الدينية؟ ثم كيف يمكن لآلة أن تقيس أثر خطبة الجمعة في القلوب؟ هذا الاستخدام للتكنولوجيا ليس تطويرًا للخطاب الديني، بل تسويق لهيمنة مطلقة في ثوب حداثي.

بين خطاب “التبشير” وواقع الإقصاء

الوزير اعتبر أن هذه الخطة المؤصلة في القرآن هي السبيل لتحقيق النموذج المطلوب، قائلا: “هي سبيل المسلمين لتحقيق النموذج المطلوب منهم، وهو أن يكونوا خير أمة تخرج للناس”. لكن السؤال: هل خير أمة تخرج للناس تُبنى على كمامات فكرية توضع على أفواه الخطباء؟ تجارب دول مثل ماليزيا وإندونيسيا اختارت الانفتاح على العلماء المستقلين، فحافظت على التوازن بين المرجعية الدينية والتنوع الفكري. أما المغرب فيصر على الوصاية، وكأن الاستقرار لا يتحقق إلا بإقصاء كل اجتهاد خارج النص الرسمي.

كلمة الوزير لم تكن مجرد عرض ديني، بل تكريس لنهج واحد: المزيد من السيطرة على الدين تحت غطاء الثوابت. لكن هل الاستقرار يتحقق بالإقصاء أم بالحرية المسؤولة؟ هل نريد مساجد تنبض بالحياة والاجتهاد، أم منابر صامتة تردد ما يُملى عليها؟ الإصلاح الحقيقي يبدأ بجرأة فتح النقاش حول تدبير الحقل الديني، بعيدًا عن سياسة “التوحيد القسري” التي تُفرغ الدين من حيويته، وتُحوله من رسالة إلى بروتوكول.

إرسال التعليق