آخر الأخبار

المقابر هي مرايا لاحترام الإنسان في حياته وبعد رحيله ومقابر سلا هي ذاكرة مثقلة بالإهمال

المقابر هي مرايا لاحترام الإنسان في حياته وبعد رحيله ومقابر سلا هي ذاكرة مثقلة بالإهمال

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


حين تزور المقابر في المغرب، قد يخالجك شعور بحزن مضاعف، ليس فقط لأنك تقف أمام من غيبهم الموت، بل لأن المكان نفسه يفتقر إلى النظام والعناية، حيث شواهد متفرقة وأعشاب يابسة ومسالك غير واضحة، وكأن الإهمال يطبع الفضاء بما لا يليق بحرمة الراحلين.

ليست صورة المقابر في المغرب واحدة، لكنها في الغالب تعكس مظهرا من مظاهر الإهمال الجماعي لحرمة الموتى، حيث في مدينة سلا على سبيل المثال، تتجلى المشكلة بشكل صارخ، غير أن المشكل لا يتوقف عند ضعف العناية، بل يتفاقم مع تحول بعض هذه المقابر إلى فضاءات غريبة عن غايتها الأصلية، فهي مأوى للمتشردين أحيانا، وملجأ للهاربين من القانون أحيانا أخرى، وأيضا مسرحا لممارسات الشعوذة والدجل، و بذلك تصبح أماكن الذكرى والسكينة أرضا للفوضى والاستغلال.

وما يزيد من مرارة المشهد هو غياب الجهة الواضحة المسؤولة عن التدبير، فحتى حين تنشأ جمعيات تحمل اسم “تدبير مقابر سلا”، تستغل هذه التسمية أحيانا في التسويق السياسي أو الحملات الانتخابية، بينما المقابر نفسها تظل خارج دائرة الاهتمام، حيث من المفروض أن ترتبط الجمعية بالمقبرة التي اختارتها، لا أن ترفع شعار “مقابر سلا” وكأنها كلها تدار باحتراف وعناية، والحال أنها مهملة ومهمشة.

هذه الفجوة بين الخطاب والواقع، بين الواجب الديني والأخلاقي وبين الممارسة اليومية، تطرح سؤالا أعمق، وهو كيف يمكن لمجتمع يدعي تقديس الموتى أن يترك مقابرهم بهذا الوضع المزري؟ وهل يمكننا الحديث عن احترام للإنسان الحي إذا كان حتى بعد وفاته لا يجد موطنا يحفظ كرامته؟

إن إصلاح أوضاع المقابر ليس مجرد مسألة تنظيف أو تنظيم، بل هو استعادة لجزء من الذاكرة الجماعية، وإشارة إلى أن الإنسان يظل قيمة مكرمة في حياته وبعد رحيله.

وفي لحظة مقارنة عابرة مع ما نشاهده في كثير من البلدان الغربية، يبدو التباين صارخا، حيث هناك تتحول المقابر إلى فضاءات أشبه بحدائق هادئة، تضم أشجار مورقة وورود متفتحة وممرات مرسومة بعناية، إضافة إلى أن المكان لا يثقل زائره بالكآبة، بل يمنحه سكينة خاصة، ويذكره بأن كرامة الإنسان لا تنتهي عند حدود الحياة.

والمفارقة المؤلمة، هي أن ثقافتنا الدينية تشدد على إكرام الميت، لكن ممارساتنا لا تعكس ذلك إلا نادرا، حيث في المقابل، مجتمعات تعلي من قيمة الحقوق في حياة الأحياء، وتواصل احترامها لهم بعد الممات أيضا.

قد لا يكون الأمر مجرد تفاصيل شكلية، بل هو انعكاس لفلسفة أوسع في النظر إلى الإنسان، فهل نراه قيمة قائمة بذاتها، تستحق الاحترام في كل مراحل الوجود، أم نتركه نهبا للنسيان بمجرد أن يغيب؟

إن إصلاح صورة المقابر ليس ترفا جماليا، بل خطوة رمزية تعيد وصل ما انقطع بين الأحياء وذاكرة موتاهم، وتذكرنا بأن الكرامة ليست حالة مؤقتة، بل عهد ينبغي أن يستمر إلى ما بعد الرحيل.

إرسال التعليق