حين يتحدث وزير العدل بكلمة فإنها تساوي بلاغا للنيابة العامة

حين يتحدث وزير العدل بكلمة فإنها تساوي بلاغا للنيابة العامة
رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي
في لحظةٍ نادرة من الصراحة السياسية أو ربما من الاندفاع غير المحسوب، سبق وخرج وزير العدل عبد اللطيف وهبي بتصريح تحت قبة البرلمان قال فيه: “جيب لي أي رئيس بلدية فالمغرب و عطيني غير أسبوع ندخلو للحبس”، حيث كلمة واحدة في قاعة البرلمان، لكنها كافية لهز ثقة الرأي العام في مؤسسات يفترض فيها أن تكون عنوانا للنزاهة والمحاسبة.
فحين يقول وزير العدل، وهو المسؤول الأول عن السياسة الجنائية في البلاد، إن بإمكانه إيداع أي رئيس جماعة السجن خلال أسبوع، فإننا أمام واحد من أمرين لا ثالث لهما، فإما أن الفساد مستشر فعلا في مفاصل الجماعات الترابية إلى درجة أن الملفات جاهزة تنتظر فقط “الإرادة”، أو أن الوزير يتحدث بلغة التهديد السياسي في مؤسسة يفترض أن تكون منبرا للتشريع لا لتصفية الحسابات.
إن تصريح من هذا الحجم لا يمكن التعامل معه كـ”نكتة برلمانية” أو مزحة ثقيلة، حيث الوزير لا يتحدث من مقهى أو منبر حزبي، بل من داخل البرلمان، المؤسسة التي تمثل الشعب وتمارس الرقابة على العمل الحكومي.
لذلك فإن أي إشارة إلى وجود ملفات فساد جاهزة تتطلب بالضرورة فتح تحقيق رسمي، ليس فقط مع رؤساء الجماعات، بل أيضا مع الجهة التي تحتفظ بهذه الملفات دون تحريك المتابعة.
وما قاله وهبي يعيدنا إلى جوهر المعضلة، وهي أزمة الثقة بين الخطاب الرسمي والممارسة الواقعية، حيث إذا كانت الوزارة تتوفر على دلائل أو مؤشرات على فساد ممنهج، فالقانون واضح، والنيابة العامة تملك صلاحياتها الكاملة للتحرك، أما إذا كان التصريح مجرد مبالغة خطابية لتبرير اختلالات المنظومة أو التنصل من المسؤولية، فهنا تكمن الخطورة الحقيقية، لأننا نصبح أمام سلطة تتلاعب بالكلمات بدل أن تحارب الفساد بالأدلة والقانون.
وزير العدل ليس أي فاعل سياسي، لأن كلمته تزن بميزان القانون والدستور، فعندما يقول “أستطيع أن أسجن أي رئيس جماعة في أسبوع”، فهو يعلن ضمنيا أن العدالة يمكن أن توجه بالإرادة السياسية، وهذا في حد ذاته تهديد لجوهر دولة القانون.
تصريحات مثل هذه، إن لم تواكبها مساءلة مؤسساتية، تضعف ثقة المواطن في العدالة وتعمق الإحساس باللاجدوى، فإما أن يكون الوزير جادا فيما قال، فيتحمل مسؤوليته القانونية بفتح تحقيق شامل، أو أن يكون التصريح مجرد خروج عن اللياقة المؤسساتية يستوجب الاعتذار والمحاسبة السياسية.
في جميع الأحوال، لا يمكن لمثل هذه التصريحات أن تمر دون مساءلة، لأن العدالة لا تقوم على الأقوال، بل على الأدلة وسيادة القانون، وأي تجاوز لذلك من شأنه أن يفقد المؤسسات مكانتها داخل دولة عريقة، معروفة بتقاليدها السياسية والسيادية الراسخة، التي تمنحها هيبتها على امتداد ربوع المملكة، ومكانتها المرموقة في المحافل الدولية.
إرسال التعليق