آخر الأخبار

بين صوت العدالة وصمت القانون “قراءة في جدل قرارات وزارة الداخلية”

بين صوت العدالة وصمت القانون “قراءة في جدل قرارات وزارة الداخلية”

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


أثار تصريح وزير العدل فيما سبق، في إحدى اللقاءات بمدينة كلميم، الذي تساءل فيه عن الأساس القانوني لقرار وزير الداخلية القاضي بمنع ذوي السوابق القضائية من الترشح للانتخابات، نقاشا واسعا حول حدود الصلاحيات القانونية بين الوزارات، وحول مفهوم الشرعية القانونية في القرارات الإدارية التي تمس الحقوق السياسية للمواطنين.

فالسؤال الذي طرحه وزير العدل لم يكن مجرد تساؤل عابر، بل كشف عن خلل أعمق يتعلق بكيفية اتخاذ القرارات في مؤسسات الدولة، وعن مدى التوازن بين السلطة التنفيذية واحترام مبادئ الدستور والقانون.

لكن الملاحظة اللافتة في هذا السياق، أن الوزير نفسه لم يبد الموقف ذاته اتجاه قرار آخر أكثر حساسية وتأثيرا في المجال العام، وهو قرار منع الاحتجاجات والتجمعات السلمية، حيث القرار الذي يمس مباشرة أحد أبرز أشكال ممارسة الحريات العامة، والمكفول في جميع الدساتير الحديثة باعتباره ركنا أساسيا في أي نظام ديمقراطي، وخاصة أنه وزير العدل والحريات.

ومع ذلك مر القرار دون تعليق من وزارة العدل، ولا حتى إشارة إلى النص القانوني الذي يمنح وزير الداخلية صلاحية تقييد هذا الحق، حيث في الدول التي تبنى على سيادة القانون، لا يسمح لأي جهة تنفيذية باتخاذ قرارات تقيد الحقوق والحريات دون سند قانوني صريح وواضح، لأن الترشح للانتخابات حق دستوري، كما أن التظاهر والاحتجاج السلمي حق مدني وسياسي مكفول ما لم يترتب عليه إخلال بالأمن العام وفق ضوابط محددة مسبقا.

وبالتالي فإن أي قرار إداري يحد من هذه الحقوق لا بد أن يكون مستندا إلى نص قانوني دقيق، وأن يخضع لمبدأ التناسب والضرورة، غير أن ما يحدث عمليا يشير إلى واقع مختلف، حيث يتخذ القرار أولا، ثم يبحث لاحقا عن مبرر قانوني له، وهذه المفارقة تقودنا إلى جوهر المشكلة، وهو غياب المساءلة القانونية الداخلية، وضعف صوت المؤسسات الرقابية في وجه القرارات التنفيذية.

وحين يتحدث وزير العدل عن غياب النص القانوني في قرار يمس فئة محددة، ثم يلتزم الصمت إزاء قرار آخر يمس عموم الشعب، فإن ذلك يثير تساؤلات عن ازدواجية الموقف، وهو كما تحدث عنه الملك ، بأن المغرب يسير بسرعتين، لأن العدالة لا تكون انتقائية، ولا تتجزأ بحسب الفاعل أو المتضرر.

وإذا كان المعيار هو احترام النصوص القانونية، فإن هذا المبدأ يجب أن يطبق على كل القرارات، لا أن يستحضر في حالات ويغيب في أخرى، فلربما لأن القرار الأول يثير “ألما سياسيا” لدى النخبة، بينما القرار الثاني يمس الشعب بأسره، فكان الصمت سيد الموقف، ولأن القاعدة أصبحت هي ما يؤلم المسؤولين يناقش، وما يؤلم المواطنين يسكت عنه.

صحيح أن وزير العدل ليس خصما سياسيا لوزير الداخلية، وأنه يتحرك ضمن إطار مؤسسات الدولة الواحدة، لكن واجبه المهني والأخلاقي يفرض عليه أن يكون صوت القانون، لا صدى السلطة.

فحين يتخذ قرار يمس الحقوق الدستورية، يصبح من واجب وزارة العدل أن توضح الرأي القانوني فيه للرأي العام، لا أن تكتفي بالصمت أو بالتأويل، لأن الصمت في مثل هذه القضايا لا يفهم إلا كعلامة رضا، والرضا في موضع التجاوز يعد مشاركة ضمنية فيه.

إن ما يميز الدولة القانونية هو أن سلطاتها مقيد بالنصوص لا بالمواقف، لأنه حين يصبح القرار الإداري أقوى من القانون، تتحول الدولة من مؤسسات إلى أفراد، ومن نظام إلى مزاج، لذلك فإن ما نحتاج إليه اليوم ليس فقط مساءلة وزير بعينه عن قراره، بل مراجعة شاملة لمنظومة اتخاذ القرار داخل مؤسسات الدولة، والتأكيد على أن احترام القانون ليس ترفا سياسيا، بل هو أساس الشرعية ذاتها.

فالعدالة لا تقاس بما يقال في المؤتمرات الصحفية، بل بما يسكت عنه في اللحظات الحرجة، حيث السكوت هنا، كما قيل قديما “علامة الرضا” لكنه أيضا علامة على غياب العدالة حين تتقاطع مع السلطة.

إرسال التعليق