من الناطق باسم الحكومة إلى الناطق باسم العجز

من الناطق باسم الحكومة إلى الناطق باسم العجز
رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي
في زمنٍ تتكاثر فيه المنابر وتتراجع فيه المصداقية، صار الصوت الرسمي للحكومات أقرب إلى صدى يتردد في فراغ من الثقة، لأن حين يكون الناطق باسم الحكومة قد بدأ مساره من القسم، لا من مقاعد التكوين الأكاديمي، ثم انتهى به المطاف ناطقا باسم سياسة العجز، نفهم تماما لماذا صارت اللغة الرسمية تمطرنا تبريرات أكثر مما تمطر حلولا.
إن الكفاءة في النطق لا تعني بالضرورة الكفاءة في الفهم، فالبلاغة قد تقنع لحظة، لكنها لا تبني ثقة، وما أكثر أولئك الذين يملكون لسانا فصيحا ولكنهم يفتقدون العقل المنهجي القادر على تفكيك الأزمات أو شرحها بمسؤولية، لأن الخطاب الحكومي يعاني من هذا الخلل تحديدا، وهو هيمنة الشكل على الجوهر، والاحتفاء باللغة بدل المضمون، فتغدو المؤتمرات الصحفية عروضا بلاغية تصاغ فيها الكلمات بعناية لتخفي أكثر مما تظهر، ولتهدئ الرأي العام بدل أن تنيره.
وسط كل ذلك، غالبا ما تغيب المعرفة ويحضر التبرير، لأن حين يستبدل الصدق السياسي بالدهاء اللفظي، تتحول وظيفة الناطق الرسمي من ترجمان للحقائق إلى متراس يحتمي خلفه العجز، ولأن الخطاب الرسمي الذي كان يفترض أن يكون جسرا بين السلطة والمواطن، أصبح في كثير من الأحيان جدارا من اللغة الرمادية.
فبدل أن يصارح الناس بحقائق الوضع، يغرقهم في عبارات مطاطة، وهي عبارات غالبا ما تصاغ حين تفشل الحكومة ، وهي “الظروف صعبة»، «الموارد محدودة»، «نحن على الطريق الصحيح»، لكن الحقيقة كما يدركها المواطن، ليست في الطريق بل في الهوة التي تتسع بين القول والفعل، لأن السياسة وعد ينجز لا درسٌ يلقى، فالسياسة ليست دروسا تلقى على أطفال بل وعود تنجز لمواطنين واعين.
وهذه الجملة الأخيرة، تختصر أزمة علاقة الحكومة بالشعب، حيث لا تزال السلطات تتعامل مع المواطن وكأنه متلق جاهز يحتاج إلى توجيه، لا شريكا في القرار، لأن المواطن اليوم لم يعد ذلك المستمع الصامت، بل هو قارئ ومحلل وناقد يعرف أن الفجوة بين الوعود والمنجز لا تروم بالكلام، بل بالإرادة والشفافية.
المشكلة ليست في الناطق بأسم الحكومة وحده، بل في ثقافة سياسية ترى في الخطاب غاية لا وسيلة، لأنه حين يتحول المتحدث الرسمي إلى لسان بلا عقل، والخطاب إلى ستار للضعف، تفقد الدولة قدرتها على الإقناع، وتفقد السياسة معناها كفعل يغير الواقع لا ككلام يسوق له.
فالناطق باسم الحكومة في النهاية، ليس مجرد متحدث، بل إنه مرآة لمستوى الوعي داخل الحكومة نفسها، وحين تعكس تلك المرآة وجه العجز بدل الحكمة، فذلك إيذان بأن السياسة فقدت لغتها، وأن اللغة فقدت صدقها.
إرسال التعليق