جيل زد يُربك خطط التحكم الإعلامي.. وسقوط وهم الإصلاح الموجّه

جيل زد يُربك خطط التحكم الإعلامي.. وسقوط وهم الإصلاح الموجّه
رصد المغرب/ نعيم بوسلهام
يبدو أن القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة لم يأتِ استجابة لحاجة إصلاحية داخل الجسم الإعلامي، بقدر ما يشكل حلقة جديدة في مسلسل ضبط الحقل الصحافي المغربي تحت شعارات “التنظيم” و”التقنين”.
فبدلاً من تعزيز استقلالية المجلس كمؤسسة للتنظيم الذاتي، جاء هذا القانون ليُفرغه من مضمونه، ويحوّله إلى هيئة شبه إدارية تخضع لتوازنات السلطة ومصالح الناشرين الكبار.
مشروع قبل الاحتجاجات… وكشفته يقظة الشباب
تكشف المعطيات أن هذا القانون كان يُحضَّر لتمريره في مرحلة ما قبل احتجاجات جيل زد (GenZ212)، حيث ساد ركود سياسي وإعلامي مكّن بعض الجهات من صياغة المشروع بعيداً عن النقاش العمومي.
غير أن الاحتجاجات الشبابية الأخيرة قلبت الموازين وأعادت الروح للنقاش حول مستقبل الإعلام وحرية التعبير، وطرحت أسئلة جوهرية حول من يملك حق تمثيل الصحفيين والدفاع عنهم.
جيل جديد من المغاربة، متصل بالعالم ومنفتح على تجارب الديمقراطيات الحديثة، أعاد تعريف معنى حرية التعبير والمساءلة. وهو ما جعل تمرير القانون في صيغته القديمة يبدو خطوة متجاوزة زمنياً ومناخياً، لأن المجتمع لم يعد يقبل الوصاية أو الإملاءات من فوق.
جمعية الناشرين.. من الدفاع إلى الاستحواذ
في موازاة ذلك، تبرز الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين برئاسة إدريس شحتان كلاعب رئيسي في هذا المشهد الملتبس. فبدلاً من أن تكون صوتاً مهنياً يعبر عن هموم الناشرين ويدافع عن حرية الصحافة، تحولت إلى قوة ضغط تمارس منطق الاستقواء والاستحواذ على القرار الإعلامي.
تسعى الجمعية إلى احتكار التمثيلية، وتستعمل خطاب “تنظيم المهنة” كذريعة لإقصاء الأصوات المستقلة التي لا تخضع لمنطق السوق السياسي أو الإعلاني.
أما رئيسها إدريس شحتان، الذي عرف يوماً بطابعه النقدي، فقد صار رمزاً لما يمكن تسميته بـ“التحول الانتهازي داخل المهنة”، حيث تغلبت المصالح والعلاقات على المبادئ التي كان يدافع عنها بالأمس.
قانون يشرعن الضبط بدل التنظيم
القانون رقم 26.25 في جوهره ليس تنظيماً مهنياً بقدر ما هو إعادة تموضع سياسي للسلطة داخل الحقل الإعلامي.
فهو يمنح صلاحيات واسعة لتعيين أعضاء المجلس ويُضعف آلية الانتخاب، ما يعني تقليص دور الصحفيين في اتخاذ القرار المهني لصالح فئات محددة قريبة من دوائر النفوذ.
وبدل أن يكون المجلس الوطني للصحافة فضاءً للدفاع عن الصحفيين في وجه المتابعات والطرد التعسفي، أصبح أداة لتأديب الأصوات الحرة تحت غطاء “أخلاقيات المهنة” و”احترام الثوابت”.
جيل زد يغيّر المعادلة
لقد فجّر حراك جيل زد وعياً جديداً داخل المجتمع، وأربك الخطاب الإعلامي التقليدي الذي ظل يشتغل بمنطق التعليمات.
ففي الوقت الذي فشلت فيه المؤسسات الإعلامية الكبرى في مواكبة نبض الشارع، تولّت المنصات الرقمية والمحتوى المستقل مهمة نقل الحقيقة دون وسائط، ما أفقد الإعلام الرسمي جزءاً كبيراً من مصداقيته.
ولذلك، لم يعد من الممكن تمرير قوانين تضبط الفضاء الإعلامي بنفس الأساليب القديمة، لأن جيل اليوم يصنع محتواه بنفسه، ويملك أدواته، ويحاسب بلغة العصر: التفاعل والانتشار والمساءلة الجماعية.
بين الصحافة الحرة والإعلام الموجّه
القانون 26.25 والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين يمثلان وجهين لعملة واحدة: عملة التحكم في المعلومة وتوجيه الرأي العام باسم التنظيم.
وما يثير القلق أن هذا المنطق يعيدنا إلى زمن “الإعلام الموجَّه”، حيث تُحدَّد حدود النقد مسبقاً، ويُختزل دور الصحفي في الترويج لا في التحليل أو المساءلة.
لكن ما غاب عن واضعي هذا القانون هو أن المشهد الإعلامي المغربي تغير، ولم يعد محكوماً بنقابة أو جمعية أو قانون، بل بوعي جماعي شبابي يتشكل في الفضاء الرقمي الحر، ويصنع التوازن الجديد بين السلطة والمجتمع.
وعي جديد يقاوم الوصاية
إن محاولة تمرير هذا القانون في سياق احتجاجات الشباب يمثل مفارقة تاريخية: فبينما ينادي الجيل الجديد بالحرية والكرامة، تسعى بعض الجهات لتقنين الصمت.
لكن ما لا تدركه هذه الجهات أن زمن الوصاية الإعلامية انتهى، وأن بناء الثقة مع المواطن يبدأ من الاعتراف بحقه في المعلومة والرأي الحر، لا من هندسة المجالس وتوزيع المناصب.
فالقانون رقم 26.25 لن يُصلح المشهد الإعلامي، بل سيُعمّق أزمته ما لم يُفتح حوار وطني حقيقي حول مستقبل الصحافة، بعيداً عن الاستقواء الجمعياتي والتوجيه السلطوي.
جيل زد قال كلمته: المغرب الجديد يحتاج إعلاماً حراً، لا إعلاماً على المقاس
إرسال التعليق