توظيفات مشبوهة وصفقات بالملايير.. الفساد الصحي الذي فجّر احتجاجات جيل زد

توظيفات مشبوهة وصفقات بالملايير.. الفساد الصحي الذي فجّر احتجاجات جيل زد
رصد المغرب/ نعيم بوسلهام
تعيش وزارة الصحة المغربية على صفيح ساخن بعد أن كشفت تقارير إعلامية عن شبهات فساد خطيرة في ملفات توظيف وصفقات بملايير الدراهم، في واحد من أكثر القطاعات حساسية وتأثيراً في حياة المواطنين. هذه المعطيات، التي نشرتها جريدة الصباح، لم تمر مرور الكرام، بل كانت – وفق مراقبين – الشرارة التي أعادت إشعال غضب شباب جيل زد، الذين باتوا يرون في الفساد الإداري أحد أبرز تجليات فشل السياسات العمومية.
وحسب اليومية نفسها، فقد عرف القطاع خلال السنوات الثلاث الأخيرة ما يشبه “تسونامي التوظيفات”، بعدما تم إغراق الوزارة بموجات من التعيينات في صفوف المتصرفين والتقنيين والإداريين ومساعدي الصحة، مقابل تجاهل شبه تام للخصاص المهول في صفوف الأطباء والممرضين.
مباريات على المقاس، وولاءات نقابية، و”باك صاحبي”، ودفوعات خفية… هكذا تصف مصادر نقابية الطريقة التي جرى بها اقتسام كعكة المناصب داخل الوزارة، في ظل غياب تام لمبدأ تكافؤ الفرص.
التقارير تحدثت أيضاً عن صفقات ضخمة في فترة كوفيد-19، شملت اقتناء تجهيزات طبية بمئات المليارات، ومستشفيات متنقلة بقيت لسنوات خارج الخدمة، دون محاسبة أو تتبع، فيما التزمت الجهات الرقابية صمتاً يثير التساؤلات.
الأدهى من ذلك – حسب المصادر ذاتها – أن النجاحات في مباريات الماستر والكفاءة المهنية وامتحانات الأساتذة المساعدين لم تكن دائماً نتيجة الاستحقاق، بل كانت ثمرة تفاهمات في الكواليس بين مسؤولين ونقابيين نافذين، ما فتح الباب واسعاً أمام “أبناء الدار” على حساب الكفاءات المستحقة.
وبينما يقدّر الخصاص الوطني بـ 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض، تواصل الوزارة تنظيم مباريات لتوظيف إداريين وتقنيين، في مفارقة صارخة بين ما يحتاجه الميدان وما تُنفّذه الإدارة. هذا الخلل البنيوي، يقول مراقبون، هو ما جعل المستشفيات العمومية تعاني من شبه شلل في عدد من المدن.
وتكشف الصباح أيضاً عن فضيحة في ملف التقاعد النسبي والتنقيلات الغريبة لأطباء مختصين تركوا وراءهم فراغاً قاتلاً في تخصصات حيوية. ففي مستشفى مولاي إسماعيل بمكناس مثلاً، غادر أطباء التخدير والإنعاش، وأطباء الأشعة، وأطباء الأمراض التعفنية والباطنية، ما أدى إلى انهيار شبه كلي في الخدمات الطبية.
هذه المعطيات وغيرها غذّت الاحتقان الشعبي الذي عبّر عنه شباب جيل زد في احتجاجاتهم الأخيرة، معتبرين أن الفساد الإداري والريع الوظيفي وجهان لعملة واحدة اسمها “اللامحاسبة”.
ويرى متابعون أن ما يحدث داخل قطاع الصحة ليس مجرد “اختلالات تقنية”، بل صورة مصغرة لأزمة الثقة العميقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
اليوم، ومع تصاعد الغضب الشعبي وتزايد الدعوات إلى المساءلة، تتجه الأنظار إلى الحكومة ووزارة الصحة:
هل ستفتح تحقيقاً جدياً في هذه الملفات؟
أم سيُطوى الملف كسابقيه، لتظل المنظومة الصحية رهينة الفساد وسوء التدبير؟
إرسال التعليق