“الوكالة الوطنية للسلامة الصحية” كفاءات غائبة أم مسؤوليات مغيبة؟

“الوكالة الوطنية للسلامة الصحية” كفاءات غائبة أم مسؤوليات مغيبة؟
رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي
تعيش الساحة الوطنية مرة أخرى، على وقع جدل جديد حول فعالية المؤسسات المسؤولة عن حماية صحة المواطن، وعلى رأسها الوكالة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونصا)، لأن الجدل تفجر بعدما كشف مواطن فرنسي في مقطع فيديو متداول أن منتجا يباع في الأسواق المغربية يحمل نفس العلامة التجارية لمنتج متداول في فرنسا، غير أن تركيبته الكيميائية مختلفة، حيث تحتوي على مواد وصفت بالمسرطنة أو المسرعة للإصابة بالسرطان، خاصة لدى الأطفال.
هذا الادعاء الذي كان يفترض أن يستدعي ردا فوريا وواضحا من الجهات الوصية، لم يقابل سوى بالصمت الرسمي، فلا بلاغ من “أونصا”، ولا توضيح من وزارة الصحة، ولا تحرك من أي جهة مسؤولة عن مراقبة السوق وحماية المستهلك، حيث هذا الغياب التام للتواصل، في قضية تمس صحة المواطن وحقه في المعلومة، يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى جاهزية مؤسساتنا وقدرتها على التدخل في الوقت المناسب، ليبقى السؤال هنا هو أين هي الكفاءات؟
يبدو أن المشكل لا يكمن فقط في طبيعة المؤسسات، بل في الكفاءات التي تديرها، لأن”أونصا” يفترض أنها تضم خبراء وتقنيين في مجالات متعددة كالصحة الغذائية، الكيمياء الحيوية، والتحليل المخبري، غير أن الواقع يظهر أن المواطن هو من يكتشف الخلل، والأجنبي هو من يثير الانتباه، بينما تغيب التحاليل المحلية، والتصريحات العلمية، والمواقف الرسمية، فهل يعقل أن ينتظر المغاربة إشعارات من الخارج ليعرفوا أن منتجا في أسواقهم قد يكون خطيرا؟
ما يثير الاستغراب أكثر هو أن هذا الصمت لا يأتي من مؤسسة واحدة، بل من سلسلة من الجهات المفروض أنها تتقاطع في المسؤولية، وسط دور غائب وضمير غافل لكل من وزارة الصحة بصفتها الجهة ذات الولاية العامة على صحة المواطنين، والوكالة الوطنية للسلامة الصحية بصفتها الحارس على جودة وسلامة المواد الغذائية، وجمعيات حماية المستهلك التي يفترض أن تكون صوت المواطن، لكن الصمت وحده كان سيد الموقف، وكأن صحة المواطن قضية ثانوية في سلم أولويات الحكومة، فهل هي حكومة الباطرونا أم حكومة المواطنين؟
وما يجري اليوم يعيد إلى الواجهة سؤالا أكبر، وهو هل نعيش فعلا في ظل حكومة تدبر الشأن العام لخدمة المواطن، أم حكومة الباطرونا والتجار؟ فحين تتغلب مصالح السوق على قيم السلامة والمسؤولية والشفافية، تصبح حياة الناس مجرد رقم في معادلة ربح وخسارة، ويتحول المواطن من مستهلك محمي إلى زبون مغرر به، والقضية ليست في منتج واحد أو في فيديو متداول، بل في ثقافة مؤسساتية يجب أن تتغير، لأن الدولة القوية ليست تلك التي تملك قوانين صارمة على الورق، بل التي تطبقها وتحمي بها مواطنيها، حيث المواطنة لا تقاس بعدد التصريحات، بل بمدى احترام حق المواطن في حياة آمنة وغذاء سليم ومعلومة شفافة.
إن الصمت في مثل هذه القضايا جريمة أخلاقية قبل أن يكون إدارية، و”أونصا” ومعها وزارة الصحة مدعوتان إلى التحرك العاجل لتوضيح الحقيقة، لأن الثقة، متى فقدت، لا تستعاد بسهولة.
إرسال التعليق