فضيحة “البقع الأرضية” تهز المجلس الجماعي لمدينة فاس وتضع العمدة في عين الإعصار

فضيحة “البقع الأرضية” تهز المجلس الجماعي لمدينة فاس وتضع العمدة في عين الإعصار
رصدالمغرب / عبدالعالي بريك
من أولاد الطيب إلى واد فاس، فساد البقع يتنقل بين الجماعات والعمران في قلب العاصفة، حيث شهدت قاعة الاجتماعات بجماعة فاس أمس الثلاثاء، أجواءا استثنائية مشحونة خلال انعقاد الدورة الثالثة الاستثنائية، التي كشفت فيها المعارضة الجماعية عن خروقات وصفت بـ“الخطيرة” تتعلق بملف توزيع البقع الأرضية وتدبير مشاريع التعمير داخل تراب المدينة.
وبينما كان العمدة عبد السلام البقالي يحاول تهدئة الأوضاع وتسيير أشغال الدورة، انفجرت القاعة بسيل من الاتهامات التي طالت الأغلبية المسيرة، بعد أن تسربت معطيات حول استفادة بعض المستشارين المحسوبين على نفس الأغلبية من بقع أرضية في تجزئات خاضعة لتدبير شركة العمران بفاس وسط شبهات وتلاعبات بثروة المدينة.
المعارضة التي حضرت بكامل ثقلها، أكدت أن ما يجري يمس جوهر الشفافية في تدبير الشأن المحلي، معتبرة أن توزيع البقع الأرضية تم بمنطق الزبونية والمحسوبية، بدل اعتماد معايير موضوعية ومعلنة، كما وجهت أصابع الاتهام إلى مسؤولين داخل المجلس بتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وهو ما وصفه بعض المستشارين بـ“العبث في ثروة فاس العقارية” وسط غياب وانقسام داخل الأغلبية.
دورة الثلاثاء كشفت أيضا حجم الانقسام الذي بدأ ينخر جسد الأغلبية المسيرة، إذ غاب عدد من أعضائها عن الجلسة، في مشهد عكس حالة الارتباك التي يعيشها الفريق المسير، وترك العمدة شبه وحيد في مرمى النيران، في مواجهة سيل الانتقادات والاتهامات.
العمدة عبد السلام البقالي وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه، بعدما تحولت الجلسة إلى منبر مفتوح لفضح ما اعتبرته المعارضة “تلاعبا في قرارات التوزيع” و“استغلالا لنفوذ سياسي من داخل المجلس”، حيث حاول التخفيف من حدة النقاش بالتأكيد على أن جميع العمليات خضعت للمساطر القانونية، غير أن ذلك لم يقنع الحاضرين، خصوصا في ظل الغموض الذي يلف لوائح المستفيدين والمعايير المعتمدة في منح تلك البقع، مشبوها بخروقات عمرانية تتكرر بين فاس وأولاد الطيب.
إن ما تعرفه جماعة فاس اليوم من تجاوزات وتضارب مصالح في ملف العقار لا يختلف كثيرا عن ما شهدته جماعة أولاد الطيب المجاورة، والتي انتهت باعتقال رئيسها السابق بعد تفجر قضايا تتعلق ببيع واستغلال بقع أرضية خارج القانون، وعزل مسؤولين من شركة العمران بسبب شبهات في تدبير الملفات السكنية بالمنطقة.
هذا السيناريو ذاته يكاد يتكرر اليوم داخل جماعة فاس، حيث تتجه أصابع الاتهام إلى شركة العمران بواد فاس وعدد من المشاريع المجاورة، بسبب نفس النمط من التسيير المشوب بالغموض، والذي جعل المواطنين في النهاية، الضحية الأولى لما يسمى بالمصلحة العامة.
في خضم هذه الخروقات، يبقى المواطن البسيط هو الضحية الذي يدفع الثمن، حيث مئات الأسر جرى هدم منازلها وتعويضها بمبالغ هزيلة لا تعكس القيمة الحقيقية للأراضي، رغم أن جلالة الملك محمد السادس أكد في خطاب العرش لسنة 2015، وفي خطابات اللاحقة، على ضرورة تعويض المتضررين من نزع الملكية بثمن السوق الوطني، وبطريقة تحفظ كرامتهم وتضمن عدالة اجتماعية حقيقية.
لكن هذه التوجيهات الملكية الواضحة تم تجاهلها من طرف بعض المشرفين على مشاريع التعمير والاستثمار العقاري، ما جعل الفوارق تتسع، والاحتقان الاجتماعي يتفاقم بين ساكنة الأحياء المتضررة، خصوصا في فاس ونواحيها، لتبقى جملة من الأسئلة عالقة في انتظار المحاسبة.
القضية لم تعد مجرد خلاف سياسي داخل المجلس، بل تحولت إلى قضية رأي عام، تطالب فيها الأصوات الحقوقية بفتح تحقيق شفاف وشامل حول كل الصفقات المتعلقة بالبقع الأرضية، ومسؤولية شركة العمران في هذا الملف، ليبقى أيضا السؤال المطروح اليوم، هو هل سيفتح تحقيق جدي يعيد ثقة المواطنين في مؤسساتهم، أم ستطوى هذه الفضيحة كما طويت سابقاتها؟
ما يجري اليوم في فاس ليس حدثا معزولا، بل صورة مصغرة لأزمة الحوكمة المحلية في المغرب، حيث تختلط السياسة بالعقار، وتختزل المصلحة العامة في حسابات شخصية ضيقة.
لقد كان جلالة الملك واضحا حين دعا إلى نموذج تنموي جديد يبنى على الشفافية والمسؤولية، لكن بعض المسؤولين ما زالوا يعيشون في عقلية الريع والامتيازات، وكأن الزمن لم يتغير.
ويبقى الأمل في أن تتحرك مؤسسات المراقبة والقضاء لإعادة الأمور إلى نصابها، حتى تستعيد فاس وجهها الحقيقي، لأن تاريخها جعلها مدينة للعلم والحضارة، لا ساحة للصفقات المشبوهة والقرارات الغامضة.
إرسال التعليق