آخر الأخبار

تحالف الضرورة بين الصين وأمريكا ومخاوف الهيمنة المالية

تحالف الضرورة بين الصين وأمريكا ومخاوف الهيمنة المالية

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


بعد أعوام من التوتر التجاري، اتفقت الصين والولايات المتحدة رسميا على خفض الرسوم الجمركية مؤقتا، في خطوة تعكس إدراك الطرفين أن لغة المصالح أقوى من الخصومة، لأن حجم اقتصاد الدولتين معا يتجاوز 50 تريليون دولار، أي نحو 45% من الاقتصاد العالمي، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 582 مليار دولار سنويا، حيث لا يكاد يخلو بيت أمريكي من منتج صيني، حتى أن قبعات “ترامب” الشهيرة كتب عليها “صُنع في الصين”.

تملك الصين استثمارات هائلة في الديون الأمريكية تبلغ 784 مليار دولار، لتكون ثاني أكبر دائن لواشنطن بعد اليابان، بينما استثمرت الشركات الأمريكية نحو 127 مليار دولار في الصين عام 2023، مقابل 23 مليار دولار استثمارات صينية في الولايات المتحدة.

ورغم المنافسة، يستمر التعاون التكنولوجي بين البلدين منذ توقيع اتفاقية عام 1979، والتي جددت مؤخرا في ديسمبر الماضي، حيث الاتفاقات بين العملاقين لا تبنى بين ليلة وضحاها، بل تدار بحسابات دقيقة لأن التصعيد لا يصب في مصلحة أحد.

تغرق الولايات المتحدة اليوم في ديون تجاوزت 32 تريليون دولار، فيما تستهلك فوائد هذه الديون نصف ميزانيتها، ومع ارتفاع أسعار الفائدة، تستمر واشنطن في طباعة الدولارات بلا غطاء، ما جعل إدارة ترامب تبحث عن مخرج غير تقليدي، وهو اللعب بالذهب كخطة لتصفير الديون وإشعال العالم.

تملك أمريكا أكثر من 8333 طنا من الذهب، معظمها في قلعة “فورت نوكس”، لكن وزارة الخزانة لا تزال تقيمه بسعر 42 دولارا للأونصة، بينما يتجاوز سعرها الحقيقي 3700 دولار، أي أن واشنطن تمتلك ثروة حقيقية تقارب تريليون دولار، لكنها تظهر في دفاترها الرسمية 11 مليارا فقط، وهنا تكمن الخدعة.

يقوم المخطط على إعادة تقييم الذهب وفق السعر الحقيقي، ما يجعل أمريكا تبدو فجأة أكثر ثراءا وأقل مديونية، دون أن تسدد دولارًدا واحدا فعليا، لكن هذه الخطوة قد تهز الثقة العالمية في الدولار وتطلق موجات تضخم عارمة.

لم تتوقف الخطة عند الذهب، بل انتقلت إلى العملات الرقمية المستقرة مثل USDT وUSDC، وهي عملات مشفرة مربوطة بالدولار ومدعومة بسندات الخزانة الأمريكية، وهو الدولار الرقمي كسلاح جديد، حيث بهذا التحول، تسعى واشنطن إلى رقمنة الدولار وفرض هيمنة مالية جديدة عبر نظام أسرع وأوسع انتشارا، مما يجبر دول العالم على الاحتفاظ بسندات أمريكية لاستخدام الدولار الرقمي الجديد، بل حتى ترامب نفسه، الذي كان يهاجم العملات المشفرة، عاد في 2024 ليطلق عملته الخاصة Trump Meme Coin، في مؤشر على التحول الاستراتيجي نحو النظام المالي الرقمي.

لكن هذه الخطة، بحسب محللين روس، قد تمثل أكبر احتيال مالي في التاريخ، إذ قد تستخدم واشنطن العملات المستقرة لإخفاء الديون وإعادة تصفيرها رقميا، كما فعلت سابقا عند إلغاء ارتباط الدولار بالذهب في سبعينيات القرن الماضي.

في المقابل، تتحرك الصين بهدوء، لكنها تسحب ملياراتها من السوق الأمريكية، محاولة منها شن حرب مالية صامتة، فقد باعت أكثر من 20 مليار دولار من العقارات التجارية خلال خمس سنوات، وخفضت ملكيتها في الأراضي الزراعية الأمريكية بنسبة 27% في عام واحد، كما انسحبت صناديق سيادية صينية من مؤسسات استثمارية كبرى مثل Blackstone وKKR، مما تسبب في أزمة سيولة بالعقارات الأمريكية.

وفي خطوة أكثر جرأة، أعادت الصين 1500 طن من ذهبها، بقيمة 250 مليار دولار، من خزائن الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى شنغهاي، ضمن ما وصفته بـ”عودة التنين إلى عرشه”، حيث هذه التحركات أثارت قلق أوروبا، التي بدأت بدورها بالمطالبة بإعادة ذهبها من أمريكا، خوفا من انهيار الثقة بالنظام المالي الأمريكي، حيث تخشى الدول الآن من استخدام أمريكا للاحتياطات الأجنبية كسلاح سياسي، كما فعلت مع روسيا بعد غزو أوكرانيا.

تقارير فاينانشال تايمز تشير إلى أن سحب ألمانيا وإيطاليا جزءا من ذهبهما من الاحتياطي الأمريكي قد يؤدي إلى أزمة ثقة بالدولار وتراجع في سوق السندات الأمريكية، لأنها ليست مجرد عمليات نقل ذهب، بل إعادة توزيع للقوة المالية العالمية، حيث الذهب يعود ملكا، والدولار يفقد عرشه.

الصين بدورها تحول الذهب إلى سلاح مالي استراتيجي، إذ رفعت احتياطاتها بأكثر من 70% خلال عقد واحد لتصل إلى 2300 طن، وافتتحت أول مخزن خارجي لبورصة شنغهاي في هونغ كونغ، داعية دول الجنوب العالمي إلى تخزين ذهبها داخل الصين، لأنها بداية نظام مالي جديد متعدد الأقطاب، يسعر الذهب باليوان بدل الدولار، تاركين ترامب بين الواقع والمصالح، حيث أمام هذا المشهد، اضطر ترامب للتراجع عن تصعيده التجاري مع بكين بعد أن بدأت الأسواق تبيع الأصول والسندات الأمريكية.

وزير الخزانة “سكوت بيسنت” حذر من انهيار وشيك، مما دفع ترامب لإعادة فتح باب التفاوض مع الصين قائلا إنه “سيكون لطيفا جدا” في الرسوم الجمركية، لكن الصين لم ترد بالأرقام بل بالموقف: “الاحترام والمساواة، وعدم التهديد”.

ما يحدث ليس مجرد خلاف تجاري، بل إعادة تشكيل للنظام المالي العالمي، لأن الذهب يستعاد، والدولار يستبدل، والعملات الرقمية تتحول إلى أدوات سيطرة، والصين تصعد بهدوء، وأمريكا تحاول قلب قواعد اللعبة لإنقاذ اقتصادها، ليبقى السؤال المفتوح، هو هل تنجح واشنطن في تصفير ديونها عبر هذه الخطة الجريئة؟ أم أن العالم يقف على أعتاب نظام نقدي جديد قد يطيح بعصر الدولار إلى الأبد؟

إرسال التعليق