جهاد الفتوى أم فتوى التخلّي؟ علماء يشعلون الساحات… ثم يغيبون عن ساحات الدفاع

آخر الأخبار

جهاد الفتوى أم فتوى التخلّي؟ علماء يشعلون الساحات… ثم يغيبون عن ساحات الدفاع

رصد المغرب / عبدالكبي بلفساحي

في زمن تتزاحم فيه الجبهات وتتسابق فيه المواقف، لا تمر فتوى الجهاد مرور الكرام . فصدور فتوى حديثة عن علماء عرب تدعو إلى الجهاد ضد الكيان الصهيوني يعيدنا إلى مشاهد مألوفة من العقدين الماضيين، حينما كانت فتاوى الجهاد تصدر في ذروة الأزمات، وتتحول لاحقا إلى مآس فردية يتكبدها الشباب الذين لبوا النداء.

وبينما تتقد نيران العاطفة، يطرح سؤال جوهري ، هو  هل العلماء الذين يصدرون هذه الفتاوى يدركون تماما تبعاتها ؟ وهل يواكبونها بمواقف عملية حين يتحول المجاهدون إلى متهمين؟ أم أن دورهم ينتهي عند لحظة الإلقاء، ليبدأ بعدها زمن التخلي؟

فهل فتوى الجهاد: نص شرعي أم موقف سياسي؟، لأن في التراث الإسلامي، يعد الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومظهرا من مظاهر الدفاع عن الأمة . غير أن تنزيل هذا المفهوم على الواقع المعاصر لا يمكن أن يتم بمعزل عن السياقات السياسية والقانونية الدولية. فالواقع الذي نحياه مختلف جذريا عن ساحات الجهاد في العصور الأولى، حيث لم تكن هناك كيانات دولية، ولا منظومة قانونية تجرم الفعل المسلح خارج مظلة الدولة.

وحين يصدر عالم من علماء الأمة فتوى تدعو للجهاد في أرض محتلة، يجب أن يسأل : هل وفر البيئة الشرعية والقانونية لمقاتليه؟ هل وضع تصوّرا لمسؤولية ما بعد الفعل؟ وهل راعى التعقيدات السياسية التي قد تحول المجاهد إلى “إرهابي” في خطاب الإعلام المعادي؟

فمن سوريا إلى فلسطين: هل تتكرر مأساة الفتاوى؟ بل ليست هذه المرة الأولى التي نشهد فيها هذا النمط. فقد صدرت فتاوى مشابهة إبان الثورة السورية، وألهبت حماس الآلاف، ثم تحول العديد ممن استجابوا إلى معتقلين، مطاردين أو منبوذين سياسيا، دون أي مساندة تذكر من الهيئات الدينية التي أطلقت الفتوى.

فاليوم، ومع تكرار السيناريو في السياق الفلسطيني، يبدو أن النمط ذاته يعاد إنتاجه ، وتكرر الدعوة الجهادية ذات البعد التعبوي، دون ضمانات سياسية، أو مرافقة قانونية، أو حتى دفاع إعلامي واضح عمن قد يزج بهم في السجون تحت تهم الإرهاب ، والتداعيات الناتجة ككل مرة هي أزمة ثقة تستمر في الاتساع.

إن أخطر ما في هذه الفتاوى غير المكتملة ليس آثارها السياسية فقط، بل ما تخلفه من تصدع داخلي ، فقد فقدت شريحة من الشباب الثقة في المرجعيات الدينية، حين رأوا أن من دعاهم للقتال، لم يظهر في ساعة الشدة ، بل تركهم يواجهون مصيرهم منفردين ، وهذا الخذلان لا ينسى ، بل يتراكم، وينتج عنه انفصال تدريجي بين التدين التقليدي والشباب المتحمس، وهو ما تترتب عليه مخاطر فكرية كبيرة، أقلها الميل نحو تيارات متشددة ترى في المؤسسات الدينية التقليدية أداة خائنة أو متخاذلة.

فالفتوى في العصر الحديث هي مسؤولية شاملة لا تختزل ، والمسؤولية العلمية، وفق منهج العلماء الربانيين، لا تكتمل بمجرد إصدار الفتوى، بل تقتضي وضوحا في الرؤية، ومتابعة للتداعيات، وشجاعة في مواجهة العواقب ،

لأن هؤلاء المستقطبين والذي أصبحوا مجاهدين إنعدمت حمايتهم قانونيا ، وفي حال تشويه صورهم ذاخل مجتمعاتهم لا يستطيع الإعلام دعمهم أو الدفاع عنهم ، لأنهم في الأخير هم مغرر بهم ولا يقدم لهم أي دعم لتغيير حياتهم ، فحتى متابعة ملفاتهم القضائية إن اقتضى الأمر لا يحضون بأي متابعة أو اهتمام .

وأما الاقتصار على خطاب تعبوي، ثم الانسحاب بعد ذلك، فهو ما يجعل الفتوى عبئا على الشباب بدلا من أن تكون سندا هو مسؤولية العلماء في لحظة المواجهة. لأن الأمة اليوم بحاجة إلى علماء لا يصدرون الفتوى فقط، بل يقفون بجانب من نفذوها ، علماء قادرون على الجمع بين فقه الواقع وفقه النص، بين الحماسة والمآلات، بين الشجاعة والاتزان.

ففي ظل تصاعد حملات التشويه لمن لبو فتوى الجهاد ، وتزايد حالات الخذلان، تبرز الحاجة إلى خطاب ديني جديد، أكثر عمقا، لا يستجيب للعاطفة فقط، بل يقدّم استراتيجية واضحة، تنطلق من مقاصد الشريعة، وتراعي مآلات الفعل.

فالجهاد شرف والفتوى عهد لا ينقض و الجهاد في فلسطين ليس محل خلاف بين أهل الحق ، ولكن طريقة مقاربته شرعيا وإعلاميا هي ما يصنع الفارق بين خطاب بناء وخطاب انفعالي ، فالفتوى أمانة، لا مجرد رأي ، ومن يفتي، عليه أن يدفع ثمن كلماته إن لزم الأمر، لا أن يتوارى حين تشتد العاصفة. فإعادة الاعتبار للفتوى هي بإعادة الاعتبار للثبات بعد النطق.

إرسال التعليق