البوليساريو : قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي .الحلقة الاولى

البوليساريو : قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي .الحلقة الاولى
رصد المغرب/عبد اللطيف راكز
1) دواعي النشأة :
– تأسست جبهة البوليساريو عام 1970 في طانطان إبان المظاهرات التي قام بها الصحراويون يطالبون فيها المغرب وحكومته بمساعدتهم ، في الفترة التي كان فيها أوفقير والدليمي ذوي النفوذ والقوة أنذاك، وكانت لها حظوة كبيرة عند الحسن الثاني . ولما طالب هؤلاء الصحراويون المسؤولين المغاربة مساعدتهم على تحرير الصحراء من قبضة الإسبان مرددين شعارات من قبيل : ” بالكفاح بالسلاح نفدي الصحراء بالارواح ” و ” الصحراء تصبح حرة ” . وعوض أن تساعدهم الحكومة والمغاربة ، اعتقلوهم وعذبوهم وقالوا لهم :” روحو للصحراء حرروها ، أما هنا في المغرب ماديروش لينا الفوضى ” هذا الكلام : قاله العكوري قائد طانطان أنذاك وهو لازال حيا إلى اليوم ومقيم بالدار البيضاء . ومنذ تلك اللحظة خرج الصحراويون لتحرير الصحراء ، وقد كانت قناعتهم أنذاك تحرير الصحراء، فبنوا جبهة البوليساريو كتيار مناضل وقوي يتأسس على مبادئ واضحة هي الحرية والكرامة ورد الاعتبار للناس والاستقلال . لكن قيادة البوليساريو الحالية حادت على هذه الخيارات وأصبح همها المال والنفوذ والتسلط. حيث اصبحت الآن تتاجر بمعانا الناس وتضحياتهم لكي تحقق الربح الخاص وتؤمن مصالحها الخاصة. والدليل أن هذه القيادة الحالية للجبهة وهي في الحكم ، تلك قمة الديكتاتورية ولذلك برزت داخلها تصدعات وأحزاب معارضة لها ، كان أهمها حزب “خط الشهيد “الذي أسسه القيادي للبوليساريو سابقا المحجوب ولد السالك في تلك اللحظة أصبح هم البوليساريو هو تحرير الصحراء . فقام العقيد معمر القذافي بمساعدتهم وبسط سلطته عليهم ، وبعده ساعدتهم الجزائر وبسطت كذلك سلطتها عليهم. وفي البدء رفضت الجزائر أن تكون البوليساريو جبهة مسلحة وتعلن الثورة المسلحة ، حيث قال قادة الجزائر للولي مصطفى السيد : أن الثورة والكفاح المسلح لهما أبعادهما الخطيرة وتبعاتهم السلبية. ومن الأفضل أن تكون الجبهة حزبا سياسيا في الصحراء وتطالب بتقرير المصير ، ونحن كدولة جزائرية سندعمكم في الأمم النتحدة ومعنى هذا أنه إلى حدود 1972 لم تكن الجزائر ذات أهداف لإعطاء البوليساريو بعدا إنفصاليا حيث لم يكن واردا لديها غير مقاومة إسبانيا وطردها من الصحراء. لكن الوالي مضطفى السيد لم يقتنع بالفكرة، ووضع الجزائر أمام الأمر الواقع حتى فجر الوضع بالصحراء بأسلحة تقليدية كان يملكها أباءهم وأجدادهم يحاربون بها الإستعمار الفرنسي والإسباني، وحت بعد هذا العمل الذي قام به الوالي، رحبت الجزائر بالبوليساريو وقالت لقيادة الجبهة بان الجزائر ستمدهم بالارض التي يوجدون عليها كحركة ثورية وهي أرض جزائرية بالصحراء دون ان تعطيهم أسلحة . لكن الوالي إستطاع ربط علاقات مع القذافي الذي مد بالأسلحة التي كانت تهرب عبر الصحراء دون علم الجزائر في البدء. إلى حين فوجئت القيادة هناك ، بكون البوليساريو يتوفرون على أسلحة حديثة غير موجودة في المنطقة .وحين علم الجزائريون أن ليبيا تمد البوليساريو بالأسلحة خافت أن تصير ليبيا حليفة لهم ضد الجزائر، فاقترحت أن تمدهم بالأسلحة وتدربهم فوق الأراضي الجزائرية . وهنا بدات الأمورتأخذ أبعادا أخرى ، رغم أن زمام الأموربقيت بيد الوالي مصطفى السيد الذي كان يفرض على الجزائر إحترام الصحراويين. لكن بعد وفاته انحرفت القيادة السياسية الجديدة عن مسار الصحراويين وتحولت إلى بيدق بيد الجزائر يخدم مصالحها قبل مصلحة الصحراويين .
2) على هامش مصطفى الوالي : قراءة في شخصه والحدث:
مصطفى الوالي كان شابا نحيلا أسدل شعره على كتفه ، ولكنه من مؤسسي جبهة البوليساريو الإنفصالية .وكان ناشطا جمعويا بالمغرب يدافع عن مغربية الصحراء بقوة. حيث أسس فرع الشبيبة الاستقلالية في العيون قبل ان تغويه وعود العقيد القذافي يمساعدته على تحرير الصحراء، لانه كان قومي التفكير ووحدوي الرؤيا، وكان يكتب في الصحف المغربية بألقاب مستعارة هو وامحمد فاضل الكاتب الصحراوي . وكان طالبا من طلاب كلية الحقوق بالمغرب ويجتمع ىإلى جانب الصحراويين في بيت عمر الحضري في “بلاس بتري ” في الرباط ، وهو بيت يأوي طلابا في كلية الحقوق ينحدرون من أصول الصحراء وبينهم الوالي ومحمد الأمني وماء العينين وغيرهم، تحذوهم فكرة تحرير الصحراء بشكل لافت للنظر، خصوصا بارتباط مع الإنفراج الذي وقع بعد أن استرجع المغرب منطقة سيدي افني على اعتبار أنها كانت مسجلة في وثائق الأمم المتحدة كقضية تصفية إستعمار بين المغرب وإسبانيا تحت بند “سيدي إفني والصحراء ” كما أن ملف سيدي إيفني لم يتحرك إلا بعد دخول فصائل جيش التحرير والمقاومة على الخط في إطار انتفاضة قبائل ىيت باعمران مما حدا إلى تسجيلها في الأمم المتحدة عام 1957 ، فإن أعدادا من الشباب الصحراويين يتقدمهم المناضل محمد بصير، نفذوا انتفاضة مماثلة في العيون عام 1970، اختطف على اثرها بصير الذي يعتبر أقدم معتقل لم يظهر له أثر إلى اليوم ، حسب قول الصحفي محمد الأشهب في مقاله من مدارس محمد الخامس إلى الزويرات ، ضمن سلسلة مقالات ” معاينات بلا حدود” ، وصادفا ذلك أن زملائه من غير المنتمين إلى الحزب المسلح، نفذوا تظاهرة في مدينة طانطان وكان من بينهم مصطفى الوالي ، طالبوا خلالها السلطات المغربية بتسريع خطوات تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، غير ان توقيت تظاهرة طانطان لم يرض السلطات المغربية خصوصا الجنرال محمد أوفقير الذي سارع إلى تقديم الموضوع على أساس أنه يناهض دستور عام 1970 الذي قوبل برفض أحزاب المعارضة الرئيسية : الإستقلال ، الإتحاد الوطني للقوات الشعبية . فاعتقل أولئك الشبان بضعة أيام نقلوا خلالها إلى أكادير وبعد الإفراج عنهم توجهوا لاحقا إلى الزويرات شمال موريتانيا التي ستعرف البنة الأولى لتأسيس ما يعرف بجبهة البوليساريو في العام 1973 ، كان أولئك الشباب ومن بينهم مر الحضرمي وأيوب الحبيب وإبراهيم غالي بحاجة إلى دعم قبلي . وكان لابد من استمالة الشيخ خطري ولد سعيد الجماني رئيس الجماعة الصحراوية ، الذي وقع على خطة تحرير الأقاليم في سياق عودتها إلى السيادة والوحدة المغربية .
لقد كان الشغل الشاغل للركبي الوالي مصطفى السيد هو تحرير الصحراء في إطار وحدوي وبأي شكل ، سلميا كان أو مسلحا ، فجميع زملاء دراسته الصحراويون من أمثال ولد السالك الذي أصبح لاحقا مؤسسا لجبهة البوليساريو بدوره وإبراهيم حسين موسى الذي شغل سفير المغرب في الدومينيكان كانوا يدركون مغربية الوالي الذي صار زعيما لهذه الجبهة ، في حين ابن عمه بالحاج سداتي سيلتحق بسلك القضاة في المغرب وقد كان وكيلا للملك في تطوان ، قالوا لي أنه كان يدرس في كلية الحقوق بالرباط ، وكان يحضر أمسيات رمضان لسنة 1970و 1971 التي كانت فيها محاضرات ينشطها مثقفون كالمهدي بن عبود الدكتور وعبد الكريم غلاب وعبد الله العروي ومحمد عزيز لحبابي وغيرهم وكان الوالي الركيبي أكثر الطلبة حرصا على التدخل في الندوات والأمسيات الشعرية التي كان ينظمها اتحاد كتاب المغرب وذلك لطرح قضية تحريرالصحراء من الإستعمار الإسباني وضمها لحوزة الوطن ، وداخل نشاطاته السياسية كان ينسق مع طلبة آخرى من بالناظور ويشحنهم بأفكاره الثورية التحررية وذلك لإزعاج الإسبانيين في المناطق المحتلة سبتة ومليلية. وكان يبحث بين الطلبة على أكثرهم تمكنا من الإسبانية وذلك لترجمة بعض الآيات القرآنية المشجعة على الجهاد مثل : ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون “لغرض توزيعها في المدينتين المحتلتين لترهيب الإسبان قبل القيام بحركة مسلحة حسب رواية بهاء الدين الطود في كرسي الإعتراف بجريدة المساء عدد 2253 في سياق حديثه عن الوالي مصطفى السيد ” الركيبي ” مؤسس البوليساريو، لكنه عام 1972 حل بعائلة له بطانطان ونظم فيها تظاهرة سلمية منددة بالإستعمار الإسباني للصحراء، فتم التصدي لها بعنف كبير واعتقل على إثرها وبعد شهرين أو ثلاثة نظم تظاهرة أخرى أعتقل فيها وعذب، مما دفعه إلى الفرار في اتجاه الجزائر، ومنها إلى تونس ثم بعدها إلى ليبيا حيث استقبله معمر القذافي ومده بالمال والسلاح لإغاظة المغرب، يقول قذاف الدم ابن عمر الراحل معمر القذافي متحدثا عن أسرار العلاقات المغربية الليبية أسرار في مذكراته التي نشرت في جريدة الشرق الأوسط اللندنية في الحلقة الثامنة : ” أن ليبيا كانت مرتيطة بالجزائر بخصوص الموقف من المغرب ولم تراجع هذا الموقف إلا بمجرد زيارة الرئيس الجزائري الشادلي بن جديد للمغرب. ويقول :” إن المغرب وليبيا كانا على طرفي نقيض ويتبادلان الإتهامات بشأن دعم كل منهما لخصم الآخر.. فالرباط كانت تتهم ليبيا بدعم جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية بالمال والسلاح إلى درجة أصبح معها مقاتلو البوليساريو ، من وجهة نظر المغاربة ، يمثلون مصدرا للقلاقل وعدم الإستقرار في المملكة ، بينما كانت الجزائر جارة لكل من المغرب وليبيا. فكانت تتهم المغرب بمساعدة بمساعدة فرنسا في وجودها في التشاد ضد الوجود الليبي هناك.” وفي ملف الصحراء ودعم ليبيا للبوليساريو يقول قذاف الدم : ” نحن أول من بدأ المقاومة فيها.. نحن من سلح ودرب الأحرار في الصحراء لمقاومة الإستعمار الإسباني إلى أن خرج منها . وبعدها بدأت القضية تأخذ منحى آخر وهو صراع بين المغرب والجزائر ، فنحن انحزنا في تلك المرحلة للجزائر بحكم العلاقة التي بيننا “.بينما لم تعترف الجزائر بجبهة البوليساريو التي تأسست كما اشرنا عام 1973 إلا في نهاية 1974 . وهكذا استمر مصطفى الوالي في نضاله من أجل القضية الصحراوية لكنه كان مغربيا وكان يود لو أنه لم يسر في مساره بعد أن اكتشف المؤامرا ت الجزائرية وخبثها واستغلالها لهذا الملف الصحراوي خدمة لمصالحها الخاصة لا وفاء لتعهداتها إتجاه الصحراويين. لذلك يذكر ولد السالك صديق مصطفى الوالي ومؤسس جبهة البوليساريو إلى جانبه ورفيق نضاله أنه قيل وفاته أحس بأنه ارتكب خطأ إستراتيجيا حين حمل الشعب الصحراوي ما لا يحتمله وأوجده في أرض قاحلة بالتراب الجزائري. فقد قال له شخصيا : لقد حملنا شعبنا ما لا يطيق ن والآن يجب أن نتحمل مسؤولياتنا عن ذلك “. وقد تحمل مسؤوليته كما يقول ولد السالك ، حيث أعطى دمه كي يثبت للناس أنه لم يذخر حياته في سبيل تحريرهم-ويؤكد ولد السالك أن مصطفى الوالي استشهد أثناء المواجهات مع موريتانيا. فالوالي قاد قوة عسكرية قصفت القصر الرئاسي الموريتاني يوم 8 سبتمبر 1976، واعاد القصف في اليوم الموالي وخلال انسحابه كان على رأس مجموعة من سبعة أفراد في سيارة. وكان أكبر سلاح معهم أنذاك هو الدوشكا” لأن موريتانيا لم تكن تمتلك مصفحات ولا دبابات كالتي يمتلكها المغرب أنذاك، لهذا لم يكن الولي مصطفى السيد يحمل معه صواريخ مضادة للدبابات، فإذا به يفاجأ بأن موريتانيا قبل شهر من ذلك التاريخ تلقت دعما من موبوتو رئيس الزايير، عبارة عن مصفحات، فقامت بمحاصرته رفقة مجموعته، وصفتهم كلهم شـرق ” أكجوجت ” ب 75 كيلومتر. وقد قام الوالي بقصف القصر الرئاسي الموريتاني ردا على خيانة المختار دادة الذي قسم الصحراء بين المغرب وموريتانيا وهو يعلم أن القبائل الصحراوية تطالب بحقها في الصحراء . دادة عايش القبائل الصحراوية منذ أن كان مترجما للإستعمار الفرنسي والمصطفى الوالي كان يرد أن تبقى الصحراء كلها منطقة مجتمعة لها علاقة بالمغرب ولا علاقة لها بموريتانيا . لذلك اعتبر الوالي تقسيم الصحراء من طرف المختار ولد دادة خيانة . لكن بهاء الدين الطود في كرسي الاعتراف وفي حديث عن مصطفى الوالي كمؤسس للبوليساريو ، يقول بأن مصطفى كان قوميا ووحدويا في تفكيره ، ومثلما كان يدعو إلى تحرير الصحراء من إسبانيا ، كان يدعو كذلك إلى تحرير سبتة ومليلية من الإسبان. لذلك كان عنده أمل ذات يوم في أن يقنع الوالي بالعودة إلى وطنه الأصلي المغرب ،لكن وفاة الوالي كانت حائلا دون تحقيق هدفه. إلا أن الطود يقول بكون الوالي ورفيق دربه الوليد العروسي ، كانت وفاتهما من طرف بتدبير جزائري ن وليس من طرف الموريتانيين كما جاء في رواية استشهاد الوالي ، حيث بعد مرور 40 عاما على اغتيال الوالي الرﯕيبي بدأ نفض الغبار كما يقول الطود عن تورط مسؤولين كبار في الدولة الجزائرية في تصفيته لأنه لم يكن راض عن المسار الذي أرادت أن ترسمه له الجزائر وليبيا اللتين دفعهما الخلاف السياسي مع الحسن الثاني إلى التفكير في دعم أي طرف من شأنه المساس بوحدة المغرب الترابية . وقد ألتقى “الرﯕيبي ” الوالي السيد عندما استقر بالجزائر عدد من أصدقائه وأصدقاء الطود المشتركين ، فأكد لهم أنه لم يستطب الإقامة في أي بلد غير المغرب ، لذلك مات رحمه الله وهو يحمل هذه القناعة التي لم تكن بأي حال من الأحوال لترضي الجزائر حسب ما ورد على لسان الطود. (المساء عدد 24.2253/12/2013 . كرسي الإعتراف – بهاء الدين الطود-مقال: مؤسس البوليساريو قتل لأنه يفكر في العودة إلى المغرب .)
إرسال التعليق