آخر الأخبار

التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي

التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي

رصدالمغرب / عبدالفتاح الحيداوي


1. المقدمة

لطالما ارتبط مفهوم الجهاد، في سياقه الحديث، بحركات عابرة للحدود تسعى لتحقيق أهداف عالمية، كان أبرزها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن. ومع ذلك، شهد العقد الماضي تحولاً ملحوظاً في استراتيجيات وأولويات العديد من الجماعات الجهادية، حيث بدأت تولي اهتماماً متزايداً للقضايا المحلية والوطنية. هذا التحول، الذي يمكن وصفه بالانتقال من “الجهاد العالمي” إلى “الجهاد المحلي”، يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحركة الجهادية ككل. هل يشير هذا التغير إلى تراجع نفوذ الأيديولوجية العالمية، أم أنه مجرد تكتيك تكيفي يسمح لهذه الجماعات بالبقاء والازدهار في بيئات متغيرة؟

تركز هذه الدراسة على ثلاث حالات دراسية رئيسية: سوريا، مالي، والصومال، حيث تجسد كل منها جوانب مختلفة من هذا التحول. في سوريا، تحولت جبهة النصرة، الفرع السابق للقاعدة، إلى هيئة تحرير الشام، التي تركز بشكل متزايد على ترسيخ حكمها في إدلب. في مالي، تُظهر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، على الرغم من ولائها للقاعدة، تركيزاً قوياً على الديناميكيات المحلية. وفي الصومال، تُظهر حركة الشباب، رغم طموحاتها العالمية، انخراطاً عميقاً في الصراع الداخلي وفشل الدولة.

تهدف هذه الدراسة إلى التعمق في فهم هذه الظاهرة من خلال تحليل العوامل الدافعة للتحول، ودراسة التكيفات الأيديولوجية والعملياتية للجماعات الجهادية في سياقاتها المحلية، وتقييم دلالات هذا التحول على مستقبل الجهاد العالمي.

2. من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي: سياق التحول

يمثل التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، تتأثر بمجموعة من العوامل الجيوسياسية، الأيديولوجية، والعملياتية. تاريخياً، برز مفهوم الجهاد العالمي مع صعود تنظيم القاعدة في أواخر القرن العشرين، والذي ركز على استهداف “العدو البعيد” (الولايات المتحدة وحلفائها) بهدف إضعافهم وإجبارهم على الانسحاب من الأراضي الإسلامية. كانت هذه الاستراتيجية تقوم على فكرة أن إضعاف القوى الكبرى سيؤدي تلقائياً إلى انهيار الأنظمة المحلية التي تعتبرها القاعدة “مرتدة” أو عميلة.

ومع ذلك، أظهرت أحداث العقدين الماضيين، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أن استراتيجية الجهاد العالمي واجهت تحديات كبيرة. أدت الحملات العسكرية الدولية لمكافحة الإرهاب إلى إضعاف القدرات التنظيمية للقاعدة، مما دفع بعض فروعها وحلفائها إلى إعادة تقييم أولوياتها. في الوقت نفسه، أدت الصراعات الداخلية في دول مثل سوريا، مالي، والصومال إلى ظهور فراغات حوكمية أمنية، مما وفر بيئة خصبة للجماعات الجهادية لترسيخ وجودها محلياً.

يمكن تلخيص العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا التحول فيما يلي:

2.1. الضغط العسكري والأمني

أدت العمليات العسكرية المستمرة ضد الجماعات الجهادية ذات التوجه العالمي إلى تشتيت قياداتها وإضعاف قدرتها على التخطيط والتنفيذ لعمليات كبرى عابرة للحدود. هذا الضغط دفع هذه الجماعات إلى التكيف والتركيز على البقاء من خلال الاندماج في الصراعات المحلية.

2.2. فشل استراتيجية “العدو البعيد”

رغم الحضور الإعلامي والرمزي الكبير لاستراتيجية “العدو البعيد” التي تبنتها القاعدة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، فإن هذه المقاربة لم تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة المتمثلة في إسقاط الأنظمة “المرتدة” أو إقامة “الخلافة الإسلامية” المنشودة. وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على استهداف القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، باعتبارها الداعم الأساسي للأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، مع الاعتقاد أن ضرب مصالح الغرب في عقر داره سيؤدي إلى انسحابه من المنطقة، ومن ثم سقوط تلك الأنظمة من الداخل. غير أن الوقائع التاريخية أثبتت عكس ذلك. فقد أدت هجمات 11 سبتمبر 2001 إلى نتائج عكسية تماماً، من أبرزها إطلاق الحرب العالمية على الإرهاب، وتفكيك قواعد القاعدة في أفغانستان، وامتداد النفوذ العسكري والأمني الغربي في عدد من الدول الإسلامية، لا سيما العراق واليمن والصومال.

كما فشلت هذه الاستراتيجية في تحقيق تعبئة شعبية داخل المجتمعات الإسلامية، حيث بقيت القاعدة ومشتقاتها كيانات نخبويّة معزولة عن الحواضن الاجتماعية. وأسهمت السياسات الأمنية المشددة، والتعاون الاستخباراتي الدولي، في تصفية أو اعتقال عدد كبير من القيادات المؤسسة للحركة الجهادية العالمية. ونتيجة لهذا الفشل البنيوي، شهدت البيئة الجهادية تحولات نوعية، تمثلت في بروز تيارات جديدة أعادت ترتيب أولوياتها، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، الذي أعاد توجيه جهوده نحو ما يُعرف بـ”العدو القريب”، مركزًا على احتلال الأراضي وبناء نموذج سلطوي محلي في العراق وسوريا.

ولم يقتصر النقد على التحولات الميدانية، بل ظهر داخل التيار الجهادي نفسه نقاش فكري حاد حول جدوى استهداف “العدو البعيد”، كما يتجلى في كتابات أبو مصعب السوري، وبعض مراجعات الجماعات الجهادية في مصر واليمن. هذا الفشل التراكمي أفضى إلى تصدع النموذج الشبكي العالمي الذي مثلته القاعدة، وصعود نماذج ميدانية مناطقية تتبنى رؤى أكثر براغماتية في العلاقة مع الأنظمة والمجتمعات.

وتشير هذه التحولات إلى مأزق تنظيمي وفكري عميق في مشروع الجهاد المعولم، وفقدان القدرة على التوفيق بين الطموح العالمي والواقع المحلي، وهو ما يُعدّ أحد أبرز أسباب تراجع القاعدة أمام منافسيها الجدد.

2.3. الفراغات الحوكمية والأمنية

في الدول التي تعاني من ضعف الدولة أو انهيارها، وجدت الجماعات الجهادية فرصاً لملء الفراغ الأمني وتقديم الخدمات الأساسية للسكان، مما ساعدها على بناء قاعدة دعم شعبية واكتساب شرعية محلية. هذا الجانب مهم بشكل خاص في حالات مثل سوريا والصومال.

2.4. المظالم المحلية

تستغل الجماعات الجهادية المظالم المحلية، مثل الفساد، التهميش، والقمع، لتجنيد المقاتلين وكسب التعاطف. من خلال التركيز على هذه القضايا، تتمكن هذه الجماعات من تقديم نفسها كمدافع عن حقوق السكان المحليين ومصالحهم.

2.5. التكيف الأيديولوجي

شهدت بعض الجماعات الجهادية تحولاً في خطابها الأيديولوجي، حيث قللت من التركيز على الأهداف العالمية وركزت بدلاً من ذلك على القضايا المحلية، مثل تطبيق الشريعة في مناطق سيطرتها أو الدفاع عن مجتمعات معينة.

لا يعني هذا التحول بالضرورة نهاية للجهاد العالمي، بل قد يكون شكلاً من أشكال التكيف والبقاء. فبعض الجماعات قد تستخدم التركيز المحلي كقاعدة لتعزيز قوتها قبل العودة إلى الأهداف العالمية، أو قد تعمل كوكلاء للقوى الجهادية العالمية في مناطق معينة. كما أن التداخل بين المحلي والعالمي لا يزال قائماً، حيث يمكن للأيديولوجيات العالمية أن تلهم وتوجه الحركات المحلية، والعكس صحيح.

3. دراسات الحالة: التحول نحو الجهاد المحلي

لتعميق فهمنا لظاهرة التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي، سنقوم بتحليل ثلاث حالات دراسية رئيسية: سوريا، مالي، والصومال. تمثل كل حالة سياقاً فريداً وديناميكيات مختلفة، ولكنها تشترك في الاتجاه العام نحو ترسيخ الوجود الجهادي على المستوى المحلي.

3.1. سوريا: هيئة تحرير الشام والبحث عن الشرعية المحلية

تُعدّ حالة هيئة تحرير الشام (HTS) في سوريا مثالاً بارزاً على التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي. كانت جبهة النصرة، السلف لهيئة تحرير الشام، فرعاً رسمياً لتنظيم القاعدة، وبالتالي كانت جزءاً لا يتجزأ من الحركة الجهادية العالمية. وقد استمدت شرعيتها في البداية من هذا الارتباط العالمي، مما ساعدها على التجنيد وجمع الأموال وتبرير عملياتها.

أسباب التحول:

1.الضغط الدولي والمحلي: واجهت جبهة النصرة ضغوطاً متزايدة من المجتمع الدولي، الذي يصنفها كمنظمة إرهابية، ومن الفصائل المحلية التي كانت ترغب في رؤية جماعة ذات توجه سوري بحت. هذا الضغط دفعها إلى محاولة فك ارتباطها الظاهري بتنظيم القاعدة [1].

2.بناء الشرعية المحلية: أدركت هيئة تحرير الشام أهمية كسب دعم السكان المحليين في المناطق التي تسيطر عليها. ولتحقيق ذلك، بدأت في تقديم الخدمات الاجتماعية (مثل إدارة المدارس والمستشفيات)، وفرض شكل من أشكال الحكم الإسلامي المحلي (بما في ذلك المحاكم الشرعية وتطبيق الشريعة)، واستخدام الدعاية لتصوير نفسها كمدافع عن السنة في سوريا [2].

3.التركيز على الأهداف المحلية: بدلاً من التركيز على الأهداف العالمية لتنظيم القاعدة، حولت هيئة تحرير الشام تركيزها نحو إنشاء إمارة إسلامية في سوريا. هذا التحول في الأهداف يعكس رغبة في ترسيخ وجودها وسلطتها داخل الحدود السورية [3].

4.التواصل مع العشائر والشخصيات الدينية: سعت الجماعة إلى توسيع قاعدة دعمها من خلال بناء علاقات مع الفاعلين المحليين، مما يعزز من شرعيتها في الأوساط المحلية [4].

تُظهر حالة هيئة تحرير الشام أن التحول نحو الجهاد المحلي يمكن أن يكون استراتيجية للبقاء والتكيف في بيئة معقدة. ومع ذلك، فإن هذا التحول لا يعني بالضرورة نهاية للتهديد الجهادي، بل قد يشير إلى تطور في طبيعته، حيث تركز الجماعات على ترسيخ سلطتها محلياً بدلاً من السعي لتحقيق أهداف عالمية. يبقى التحدي في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع هذه الجماعات التي تتخلى عن الخطاب العالمي. كما أن هذا التحول يعكس براغماتية متزايدة لدى هيئة تحرير الشام، حيث تسعى للتكيف مع الواقع الميداني والسياسي، وتغيير صورتها من جماعة إرهابية عالمية إلى قوة محلية تسعى للحكم وتقديم الخدمات [5]. هذا التطور يشير إلى أن الجماعات الجهادية يمكن أن تتحول من فكر الثورة المسلحة إلى فكر الدولة والتنظيم المدني، مما يجعلها أكثر قدرة على البقاء والتأثير في بيئاتها المحلية [6].

اقتباس من مصدر:

“تَحَوُل هيئة تحرير الشام إلى الجهاد المحلي، وقصر عملياتها داخل سوريا، ومحاربتها للحركات التابعة لتنظيم الدولة والقاعدة يشير إلى تغيرات مهمة تهدف إلى الاعتراف بها وحذفها من قائمة الإرهاب.” [1]

“إن الانتقال من فكر الثورة المسلح إلى فكر الدولة والتنظيم المدني يمثل أحد أهم السمات التي ميّزت قيادة هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع.” [6]

3.2. مالي: جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وتحديات الحكم المحلي

في منطقة الساحل الأفريقي، وتحديداً في مالي، تُعدّ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) مثالاً آخر على التكيف الجهادي نحو التركيز المحلي. على الرغم من أن JNIM أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة، إلا أن عملياتها وأهدافها تركز بشكل كبير على الديناميكيات المحلية والإقليمية في منطقة الساحل.

أسباب التحول/التكيف:

1.الفراغ الأمني والحوكمي: تعاني مالي ودول الساحل المجاورة من ضعف كبير في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى فراغ أمني وحوكمي استغلته الجماعات الجهادية لترسيخ وجودها. وقد سمح سوء الإدارة في ظل المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر لاحقاً للجماعات المسلحة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بالازدهار [7].

2.المظالم المحلية: تستغل JNIM المظالم المحلية، مثل الصراعات العرقية، والفساد الحكومي، وغياب الخدمات الأساسية، لتجنيد المقاتلين وكسب دعم السكان. تقدم الجماعة نفسها كبديل للحكومة المركزية الضعيفة، وتوفر نوعاً من العدالة والخدمات في المناطق التي تسيطر عليها [8].

3.التكيف مع البيئة الاجتماعية: أظهرت JNIM قدرة على التكيف مع الهياكل الاجتماعية المحلية، بما في ذلك العشائر والقبائل، من خلال بناء تحالفات معها أو استغلال الانقسامات القائمة. هذا التكيف يساعدها على ترسيخ وجودها وتوسيع نفوذها [9].

4.التركيز على “العدو القريب”: على الرغم من ولائها للقاعدة، فإن JNIM تركز عملياتها بشكل أساسي على القوات الحكومية والقوات الأجنبية المتواجدة في المنطقة، بدلاً من استهداف الغرب مباشرة. هذا التركيز على “العدو القريب” يعكس استراتيجية براغماتية تهدف إلى السيطرة على الأراضي وبناء نفوذ محلي [10].

تُظهر حالة JNIM أن الجماعات الجهادية يمكن أن تحافظ على ولائها لأيديولوجية عالمية (القاعدة في هذه الحالة) بينما تتبنى استراتيجيات وأهدافاً محلية. هذا التكيف يسمح لها بالبقاء والنمو في بيئات معقدة وغير مستقرة. كما أن العنف الشديد ضد المدنيين من قبل القوات الحكومية وحلفائها، أدى إلى إثارة الغضب تجاه الحكومة، وهو ما عمل لصالح الجماعة التي شهدت زيادة في أعداد المجندين في صفوفها [7].

اقتباس من مصدر:

“رجحت تقارير أن أعداد القتلى في منطقة الساحل تضاعفت ثلاثة مرات مقارنةً بعام 2020، عندما وقع أول انقلاب عسكري في المنطقة في مالي. وسمح سوء الإدارة في ظل المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر لاحقاً للجماعات المسلحة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بالازدهار، وفقاً لمحللين.” [7]

“وفي الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني 2024 ومارس/ آذار 2025، أشارت تقارير إلى أن القوات الحكومية وحلفائها الروس يتحملون مسؤولية مقتل 1486 مدنياً في مالي، أي ما يقرب من خمسة أضعاف ضحايا العنف الذي تمارسه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وفقاً لتقرير للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية. وأدى العنف الشديد ضد المدنيين إلى إثارة الغضب تجاه الحكومة، وهو ما عمل لصالح الجماعة التي شهدت زيادة في أعداد المجندين في صفوفها.” [7]

3.3. الصومال: حركة الشباب والاندماج في الصراع الداخلي

تُعدّ حركة الشباب في الصومال مثالاً آخر على جماعة جهادية ذات طموحات عالمية في الأصل، لكنها أصبحت مندمجة بشكل عميق في الصراع الداخلي والسياسات المحلية. على الرغم من ولائها لتنظيم القاعدة، فإن عمليات حركة الشباب تركز بشكل كبير على السيطرة على الأراضي، وفرض الشريعة، ومحاربة الحكومة الصومالية والقوات الأفريقية المتواجدة في البلاد.

أسباب التحول/التكيف:

1.انهيار الدولة والفراغ السلطوي: عانت الصومال من عقود من عدم الاستقرار وانهيار مؤسسات الدولة، مما خلق فراغاً سلطوياً استغلته حركة الشباب لترسيخ وجودها. وقد تمكنت الحركة من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي وتقديم شكل من أشكال الحكم في تلك المناطق [11].

2.المظالم المحلية والقبلية: تستغل حركة الشباب المظالم القبلية، والفساد الحكومي، وغياب العدالة لتجنيد المقاتلين وكسب الدعم. تقدم الحركة نفسها كقوة منظمة قادرة على فرض النظام وتطبيق الشريعة، مما يجذب بعض السكان المحليين الذين سئموا من الفوضى [12].

3.التمويل الذاتي والاقتصاد المحلي: تعتمد حركة الشباب بشكل كبير على مصادر التمويل المحلية، مثل الضرائب، والابتزاز، والسيطرة على الموارد الطبيعية، مما يقلل من اعتمادها على الدعم الخارجي ويعزز من استقلاليتها وقدرتها على العمل محلياً [13].

4.التركيز على “العدو القريب”: على الرغم من خطابها العالمي، فإن حركة الشباب تركز جهودها العسكرية بشكل أساسي على الحكومة الصومالية، والقوات الأفريقية (AMISOM/ATMIS)، والقوات الأجنبية المتواجدة في الصومال. هذا التركيز على “العدو القريب” يعكس استراتيجية براغماتية تهدف إلى السيطرة على البلاد [14].

تُظهر حالة حركة الشباب أن الجماعات الجهادية يمكن أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي المحلي، حتى لو كانت تحتفظ بولاءات أيديولوجية عالمية. هذا الاندماج يجعلها أكثر مرونة وقدرة على البقاء في وجه الضغوط الخارجية. كما أن قدرتها على التكيف مع البيئة الصومالية المعقدة، بما في ذلك العلاقات القبلية والسياسات المحلية، مكنتها من الحفاظ على نفوذها على الرغم من الحملات العسكرية المتواصلة ضدها [15].

اقتباس من مصدر:

“حركة الشباب الإسلامية أو حزب الشباب أو حركة الشباب المجاهدين أو الشباب الجهادي أو الشباب الإسلامي هي حركة إسلام سياسي قتالية صومالية تنشط في الصومال، تتبع فكرياً لتنظيم القاعدة وتهدف حسب زعمها لتطبيق الشريعة الإسلامية.” [11]

4. دلالات التحول: نهاية الجهاد العالمي أم عهد جديد؟

يثير التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحركة الجهادية وتأثيراتها على الأمن الإقليمي والدولي. هل يشير هذا التحول إلى نهاية فعالة للجهاد العالمي الذي تبنته تنظيمات مثل القاعدة، أم أنه مجرد مرحلة جديدة في تطور هذه الظاهرة، حيث تتكيف الجماعات الجهادية مع الواقع المتغير لتواصل سعيها لتحقيق أهدافها؟

4.1. تراجع الأيديولوجية العالمية وتأثيرها

يشير التركيز المتزايد على القضايا المحلية إلى تراجع في جاذبية الأيديولوجية الجهادية العالمية التي كانت تدعو إلى صراع شامل ضد الغرب و”العدو البعيد”. فبعد سنوات من العمليات العابرة للحدود التي لم تحقق أهدافها المعلنة، بدأت الجماعات الجهادية تدرك أن البقاء والازدهار يتطلبان التكيف مع الحقائق المحلية. هذا التراجع لا يعني بالضرورة اختفاء الأيديولوجية العالمية تماماً، بل قد يعني أنها أصبحت أقل مركزية في استراتيجيات الجماعات اليومية، وأكثر مرونة في تطبيقها لتناسب السياقات المحلية [16].

4.2. تعزيز القدرة على البقاء والتكيف

من الواضح أن التحول نحو الجهاد المحلي قد عزز من قدرة الجماعات الجهادية على البقاء في وجه الضغوط الدولية. من خلال الاندماج في الصراعات المحلية، وتقديم الخدمات، واستغلال المظالم، تتمكن هذه الجماعات من بناء قاعدة دعم شعبية، وتجنيد المقاتلين، وتأمين مصادر تمويل محلية. هذا التكيف يجعلها أكثر مرونة وأقل عرضة للضربات الخارجية التي تستهدف القيادات المركزية أو الشبكات العالمية [17].

4.3. تحديات جديدة للأمن الإقليمي والدولي

على الرغم من أن التركيز المحلي قد يقلل من التهديد المباشر على الدول الغربية، إلا أنه يخلق تحديات جديدة للأمن الإقليمي والدولي. فبدلاً من مواجهة تنظيمات عالمية، تواجه الدول الآن جماعات جهادية متجذرة محلياً، تسيطر على الأراضي، وتفرض حكمها، وتشكل تهديداً مباشراً على استقرار الدول الهشة. هذه الجماعات قد تعمل كقواعد خلفية لتنظيمات عالمية، أو قد تلهم أفراداً للقيام بعمليات إرهابية في مناطق أخرى [18].

4.4. براغماتية الجماعات الجهادية

يعكس هذا التحول براغماتية متزايدة لدى الجماعات الجهادية. فبدلاً من الالتزام الصارم بالأيديولوجية، أصبحت هذه الجماعات أكثر استعداداً للتكيف مع الظروف المتغيرة، وتغيير تكتيكاتها، وحتى تعديل خطابها الأيديولوجي لتحقيق أهدافها. هذه البراغماتية تجعلها أكثر خطورة، حيث يمكنها التكيف مع أي بيئة والبحث عن فرص جديدة للنمو والتوسع [19].

4.5. دور العوامل المحلية في تشكيل الجهاد

تؤكد دراسات الحالة أن العوامل المحلية تلعب دوراً حاسماً في تشكيل طبيعة الجهاد. فالمظالم الاجتماعية، والفساد، والفراغات الأمنية، والصراعات العرقية، كلها عوامل تساهم في نمو الجماعات الجهادية وتكيفها. هذا يعني أن مكافحة الإرهاب يجب أن تركز ليس فقط على الجانب العسكري، بل أيضاً على معالجة الأسباب الجذرية التي تغذي هذه الظاهرة [20].

في الختام، لا يمكن القول إن التحول إلى الجهاد المحلي يمثل نهاية للجهاد العالمي بالمعنى المطلق. بل هو تطور طبيعي لظاهرة معقدة تتكيف مع التحديات والفرص الجديدة. قد يكون هذا التحول بداية لعهد جديد من الجهاديين المحليين ذوي الجنسيات المختلفة، ويتطلبون استراتيجيات مكافحة إرهاب أكثر شمولية وتكيفاً.

5. الخلاصة

تُظهر هذه الدراسة أن التحول من الجهاد العالمي إلى الجهاد المحلي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تطور استراتيجي يعكس قدرة الجماعات الجهادية على التكيف مع التحديات والفرص المتغيرة. ففي حين أن الأيديولوجية العالمية قد تراجعت في أهميتها اليومية، إلا أن التركيز على القضايا المحلية قد مكن هذه الجماعات من ترسيخ وجودها، وبناء قواعد دعم شعبية، وتأمين مصادر تمويل مستدامة. هذا التحول لا يعني نهاية للتهديد الجهادي، بل يشير إلى تحول في طبيعته، حيث أصبحت الجماعات الجهادية أكثر تجذراً في بيئاتها المحلية، مما يجعلها أكثر مرونة وقدرة على البقاء.

إن دراسات الحالة في سوريا، مالي، والصومال توضح أن هذا التحول يتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك الضغط العسكري، وفشل استراتيجية “العدو البعيد”، والفراغات الحوكمية، والمظالم المحلية، والتكيف الأيديولوجي. هذه العوامل تدفع الجماعات الجهادية إلى إعادة توجيه جهودها نحو السيطرة على الأراضي، وتقديم الخدمات، وبناء الشرعية المحلية.

6. المراجع

[1] “الجهاديون الجدد ونموذج طالبان” – Carnegie Endowment. URL: https://carnegieendowment.org/sada/2021/12/the-new-jihadists-and-the-taliban-model?lang=ar

[2] “سوريا. هيئة تحرير الشام، عن إعادة تموضع إيديولوجي” – Orient XXI. URL: https://orientxxi.info/magazine/article7877

[3] “هيئة تحرير الشام”.. من العولمة الجهادية إلى المحلية السياسية … – عربي21. URL: https://arabi21.com/story/1650278/%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9

[4] “المجموعات الجهادية: قدرتها على التكيّف واستحالة اندثارها” – MECouncil. URL: https://mecouncil.org/ar/blog_posts/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%91/

[5] “الجولاني من السلفية الجهادية إلى البراغماتية السياسية..” – عربي21. URL: https://arabi21.com/story/1647640/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%88-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A8%D9%87

[6] “هيئة تحرير الشام”.. من العولمة الجهادية إلى المحلية السياسية … – عربي21. URL: https://arabi21.com/story/1650278/%D9%87%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9

[7] “ما هو تأثير الانقلابات العسكرية على جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟” – BBC News عربي. URL: https://www.bbc.com/arabic/articles/cy8nlmm282eo

[8] “في الساحل الأفريقي، حرب إيديولوجية بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية” – Orient XXI. URL: https://orientxxi.info/magazine/article8273

[9] “المجموعات الجهادية: قدرتها على التكيّف واستحالة اندثارها” – MECouncil. URL: https://mecouncil.org/ar/blog_posts/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%91/

[10] “في الساحل الأفريقي، حرب إيديولوجية بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية” – Orient XXI. URL: https://orientxxi.info/magazine/article8273

[11] “الشباب (تنظيم صومالي)” – ويكيبيديا. URL: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_(%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A)

[12] “الشباب (تنظيم صومالي)” – ويكيبيديا. URL: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_(%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A)

[13] “الشباب (تنظيم صومالي)” – ويكيبيديا. URL: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_(%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A)

[14] “الشباب (تنظيم صومالي)” – ويكيبيديا. URL: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_(%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A)

[15] “الشباب (تنظيم صومالي)” – ويكيبيديا. URL: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8_(%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85_%D8%B5%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A)

[16] “المجموعات الجهادية: قدرتها على التكيّف واستحالة اندثارها” – MECouncil. URL: https://mecouncil.org/ar/blog_posts/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%91/

[17] “المجموعات الجهادية: قدرتها على التكيّف واستحالة اندثارها” – MECouncil. URL: https://mecouncil.org/ar/blog_posts/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%91/

[18] “المجموعات الجهادية: قدرتها على التكيّف واستحالة اندثارها” – MECouncil. URL: https://mecouncil.org/ar/blog_posts/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%83%D9%8A%D9%91/

[19] “الجولاني من السلفية الجهادية إلى البراغماتية السياسية..” – عربي21. URL: https://arabi21.com/story/1647640/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D9%85%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%88-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%83%D8%A8%D9%87

[20] “فهم الحوكمة الجهادية: التعامل مع مجموعة متنوعة من المشاكل” – Washington Institute. URL: https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/fhm

إرسال التعليق