الزاوية البودشيشية وصراع المشيخة: حين تتحول الروحانية إلى إرث دنيوي

آخر الأخبار

الزاوية البودشيشية وصراع المشيخة: حين تتحول الروحانية إلى إرث دنيوي

رصد المغرب/نعيم بوسلهام 

تشهد الساحة الصوفية في المغرب هذه الأيام جدلًا واسعًا على خلفية الصراع المحتدم بين الإخوة داخل الزاوية البودشيشية بعد وفاة شيخها السابق جمال القادري بودشيش، وهو صراع يكشف – بما لا يدع مجالًا للشك – عن مفارقة صارخة بين الخطاب الروحي الذي ترفعه الطرق الصوفية، وبين الممارسة الواقعية التي تحكمها منطق السلطة والجاه والامتيازات.
الصوفية، التي طالما قدّمت نفسها كطريق للتزكية ووسيلة للسمو عن ملاذ الدنيا وشهواتها، تظهر اليوم في المغرب على حقيقتها الاجتماعية والسياسية؛ حيث تحوّلت الزوايا إلى مؤسسات ذات نفوذ اقتصادي وعلاقات متشابكة مع دوائر السلطة، بل إلى مجال للتوريث العائلي والصراع حول القيادة.
هذا المشهد لا يمكن فصله عن جوهر القضية التي تناولها المفكر الإسلامي محمد قطب في كتابه الشهير “لا إله إلا الله عقيدة وشريعة ومنهاج حياة”، حين أكد أن التوحيد في الإسلام ليس مجرد ذكر باللسان أو طقس روحي، بل هو إعلان شامل يقتلع من النفس كل ولاء لغير الله، وينفي كل صور الوساطة بين العبد وربه. إن انحراف بعض الطرق الصوفية، بما في ذلك الزاوية البودشيشية، يتجلى في تكريس وساطة الشيخ، حتى يصبح “المربّي” في نظر الأتباع أقرب إلى معبود روحي، يتلقى الهبات، وتُنسب إليه البركات، ويُقدّس أكثر مما يُقدّس الشرع.
يقول محمد قطب: “إن كلمة لا إله إلا الله ليست كلمة تُقال باللسان، بل هي ثورة شاملة على كل سلطان غير سلطان الله”. وعندما تتحوّل الزوايا إلى مراكز نفوذ، وتصبح بيعة الشيخ طاعة عمياء، فإننا أمام إعادة إنتاج الجاهلية بثوب ديني، حيث يتغذّى التقديس البشري، ويُهدر جوهر التوحيد.
إن الصراع على المشيخة في البودشيشية ليس خلافًا عابرًا بين إخوة، بل هو دليل على فقدان الأصل الرسالي للتصوف، الذي كان في بدايته حركة إصلاحية روحية، قبل أن يتحوّل إلى أداة للجاه والمصالح. فلو كانت الزاوية تقوم على الإخلاص لله وحده، لما كانت المشيخة تُطلب ولا تُتنازع عليها.
هذا الحدث يطرح تساؤلات جوهرية أمام المجتمع المغربي:
• هل ما زالت الطرق الصوفية تمثل روح الإسلام الأصيلة؟
• أم أنها تحوّلت إلى هياكل بشرية تتنازع على النفوذ تحت غطاء الدين؟
• وأين موقع مبدأ “لا إله إلا الله” من هذه الممارسات التي تضع الشيخ وسيطًا بين العبد وربه؟
الواقع أن الإسلام، كما يؤكد محمد قطب، جاء ليحرر الإنسان من كل صور الاستعباد، سواء كانت سياسية أو روحية، وليعيد العلاقة مباشرة بين العبد وخالقه، بلا وسيط ولا شيخ ولا زاوية. أما حين تصبح الزوايا أدوات للتوريث والصراع العائلي، فإننا أمام نموذج لانحراف خطير يُفرغ الدين من روحه، ويحوّله إلى سلعة في سوق الولاءات.

إن ما يجري في الزاوية البودشيشية اليوم ليس مجرد حادثة عائلية، بل هو إنذار بضرورة مراجعة الخطاب الصوفي في المغرب، والعودة إلى أصل التوحيد الذي يجعل الولاء لله وحده، بعيدًا عن قداسة الأشخاص وأوهام البركة. فـ”لا إله إلا الله” ليست مجرد ورد صوفي، بل هي عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، كما قال محمد قطب، وكما يقتضي الإسلام في صفائه الأول.

إرسال التعليق