
السلفية الجهادية المغربية: بين التبعية الخارجية والفراغ التنظيمي
رصد المغرب/الحيداوي عبد الفتاح
شهدت الساحة الجهادية المغربية في العقدين الأخيرين ظهور تيارات متشددة تبنت أفكار السلفية الجهادية، لكنها تميزت بغياب بنية تنظيمية محلية قوية. فلم تكن هناك قيادات محلية قادرة على توجيه هذه الجماعات وتأطيرها فكرياً وعملياً، مما جعلها تعتمد بشكل كبير على مراجع وقيادات خارجية. هذا الاعتماد الخارجي جعلها جزءاً من تيار عالمي، لكنه أيضاً تركها ضعيفة التنظيم، فبات السجن هو “المحضن” الذي كشف عن حجم الخلافات والانقسامات بين أفرادها.
على عكس بعض الحركات الجهادية الأخرى التي تمتلك بنية تنظيمية هرمية واضحة، ظهرت السلفية الجهادية المغربية في صورة خلايا متناثرة تعتمد على مصادر خارجية في التلقين والتوجيه. فبدلاً من وجود مرجعية محلية تقوم بعملية التربية العقدية والحركية، كانت هذه الخلايا تتبنى أفكاراً وقيادات من تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش”، وتنزل منشوراتها وكتبها دون تمحيص أو تكييف مع الواقع المغربي.
هذا التبني الخارجي جعل أفراد هذه الجماعات يبايعون قيادات بعيدة جغرافياً وفكرياً، دون أن يكون هناك تواصل مباشر أو تخطيط استراتيجي محكم. كما أن افتقادهم لتكوين حركي وعقدي متين جعلهم عرضة للتشتت الفكري، خاصة عندما واجهوا الاعتقال والمحاكمة.
عندما تم اعتقال العديد من أفراد هذه الخلايا، تفاجأوا بحجم الاختلافات الفكرية والتنظيمية بينهم. فغياب الإطار الموحد والمرجعية المحلية أدى إلى تباين الآراء وتباعد المواقف، حتى داخل السجون نفسها. بعضهم التزم بمنهج “القاعدة”، بينما تحول آخرون إلى تبني أفكار “داعش”، في حين تخلى بعضهم عن الفكر الجهادي تماماً بعدما اكتشفوا تناقضاته وضعف أسسه.
أصبح السجن، الذي كان يُفترض أن يكون مكاناً للتأمل، بمثابة “محضن” جديد كشف عن هشاشة البنية الفكرية والتنظيمية لهذه الجماعات. فبدلاً من أن يتوحدوا تحت راية واحدة، زادت الخلافات بينهم، مما أضعف تماسكهم وقدرتهم على التأثير.
تجربة السلفية الجهادية المغربية تقدم درساً مهماً حول مخاطر الاعتماد على التوجيه الخارجي دون وجود قيادة محلية قادرة على صياغة رؤية متوازنة. كما أنها تظهر أن غياب التكوين العقدي والحركي الجاد يجعل هذه الجماعات عرضة للانهيار عند أول اختبار.
لذلك، فإن فهم هذه الظاهرة يتطلب تحليلاً نقدياً لدور العوامل الخارجية في تشكيل الفكر الجهادي المحلي، وأيضاً قراءة الواقع المغربي بخصوصيته، بعيداً عن التبعية العمياء للتيارات الجهادية العالمية. فبدون ذلك، ستظل هذه الجماعات أسيرة التبعية والفراغ التنظيمي، مما يجعلها غير قادرة على الصمود أمام التحديات الأمنية والفكرية.
إرسال التعليق