آخر الأخبار

الصين تضرب أمريكا في قلبها. فهل انتهى عصر الهيمنة الأمريكية؟

الصين تضرب أمريكا في قلبها. فهل انتهى عصر الهيمنة الأمريكية؟

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


في ساحة الحرب الاقتصادية الكبرى لا تسمع أصوات المدافع، بل ترتفع فيها أسعار المعادن، وخلف الهدوء الظاهري تدور أشرس معركة في القرن الحادي والعشرين، حيث الصين هذه المرة لم تطلق رصاصة واحدة، لكنها وجهت ثلاث ضربات استراتيجية كفيلة بزعزعة عرش الاقتصاد الأمريكي.

السلاح الأول هو أن الصين تمتلك أكثر من 440 مليون طن من المعادن النادرة، أي ما يعادل نصف احتياطي العالم وقرابة 23 ضعف ما تملكه الولايات المتحدة، حيث هذه المعادن ليست مجرد مواد خام، بل هي أساس الصناعات الحديثة، لكل من الذكاء الاصطناعي، والسيارات الكهربائية، والأنظمة الدفاعية، والأقمار الصناعية، والهواتف الذكية.

وعندما أشعلت إدارة ترامب الحرب التجارية، ردت بكين بسلاح صامت لكنه فتاك، وذلك بقيود تصدير على سبعة من أهم المعادن النادرة مثل الغاليوم والجرمانيوم والنيوديميوم، حيث هذه الخطوة تعني ببساطة شل قدرة واشنطن على تصنيع الرقائق والطائرات والأسلحة الذكية، لأن كل جهاز متطور في العالم يحتاج على الأقل إلى ذرة من هذه المعادن الصينية، وهكذا فهمت أمريكا أن الصين لا ترد بالنار، بل تتحكم في المستقبل.

والسلاح الثاني هو الضربة الأشد، ولإنها لم تأت من الخارج، بل من قلب الحقول الأمريكية، ولأنه في لحظة واحدة أعلنت بكين وقف استيراد الذرة وفول الصويا واللحوم من الولايات المتحدة، وهي سلع تشكل شريان الحياة لولايات الوسط الأمريكي، القاعدة الانتخابية الأهم للرئيس ترامب.

هذا القرار كان زلزالا اقتصاديا في الريف الأمريكي، حيث توقفت الطلبات، وامتلأت الصوامع بالمحاصيل، وانهارت الأسعار، وتحول موسم الحصاد إلى كابوس، حيث فقد المزارعون نصف دخلهم تقريبا، وارتفعت الصرخات، لمن نبيع؟ ومن ينقذنا؟

والصين في المقابل لم تخسر شيئا يذكر، فهي تمتلك مخزونات ضخمة من فول الصويا تكفيها حتى عام 2026، وتعتمد على واردات بديلة من البرازيل والأرجنتين، حيث واشنطن وجدت نفسها أمام أزمة سياسية واقتصادية خانقة، إذ ضربت الصين بذكاء القاعدة الشعبية التي يعتمد عليها ترامب، دون أن تطلق طلقة واحدة.

السلاح الثالث هو السيطرة على التجارة العالمية، فبينما كانت أمريكا منشغلة بتوسيع نفوذها العسكري، كانت الصين تبني شبكة عنكبوتية من العلاقات التجارية، و بهدوء أصبحت الشريك التجاري الأول لـ 60 دولة حول العالم، في حين تراجعت أمريكا لتكون الشريك الأول لـ 30 دولة فقط.

أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق التي ربطت آسيا وأوروبا وإفريقيا بشبكة هائلة من الموانئ والسكك الحديدية، وجعلت من بكين محور التجارة العالمية، حيث تملك الصين اليوم أكبر أسطول شحن تجاري في العالم وتدير أكثر من 100 ميناء في آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

لم تعد المسألة تجارة فقط، بل سيطرة على مفاتيح الاقتصاد العالمي، فمن يملك البحر يملك التجارة، ومن يملك التجارة يكتب القواعد، والصين اليوم لا تحتاج حربا لتشل اقتصادا، فيكفي أن تؤخر شحنة أو ترفع رسما، فتنهار سلاسل توريد وتتعطل مصانع بأكملها.

السلاح الرابع والغير المعلن، ففي ظل تراجع الثقة بالدولار الأمريكي، استخدمت الصين سلاحا أعمق. وهو الذهب، لأنه وفقا لتقارير بلومبرغ، جمعت بكين خلال العقد الأخير أكثر من 2300 طن من الذهب، وأنشأت أول خزنة ذهبية خارجية في هونغ كونغ تابعة لبورصة شنغهاي للذهب، حيث الهدف واضح، وهو تحويل الصين إلى مركز عالمي لتخزين وتسعير المعدن النفيس، بدلا من لندن ونيويورك.

وفي الوقت نفسه، خفضت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية من أكثر من تريليون دولار إلى نحو 730 مليارا، وواصلت شراء الذهب شهريا، حيث بهذه الخطوات، تبني بكين نظاما ماليا موازيا، يجعل اليوان والذهب بديلين عن الدولار في التسويات الدولية، حيث عالم جديد يتشكل.

وفي عام 2025، تجاوز الناتج المحلي لدول بريكس بلس (الصين، روسيا، الهند، السعودية، الإمارات، مصر، البرازيل، إيران) مجموع اقتصادات دول G7 للمرة الأولى في التاريخ، فلم تعد هذه مجرد تحالفات، بل نواة لنظام عالمي جديد لا تهيمن عليه واشنطن.

العالم يتغير بسرعة، و الهند تنافس على المركز الرابع اقتصاديا، وروسيا تربط طاقتها بالصين والهند دون دولار، وتحالفات الجنوب العالمي تتعاظم، و لم تعد القوة تقاس بعدد الدبابات، بل بمن يتحكم في التكنولوجيا والمعادن والموانئ والغذاء والذهب.

الحروب القديمة كانت تبدأ بالدبابات، أما هذه فبدأت بسيارة كهربائية وميناء صيني، والولايات المتحدة ما زالت تملك السلاح، لكن الصين تملك المستقبل، ولم تطلق رصاصة واحدة، لكنها أعادت رسم خريطة القوة في العالم، فربما لم ينتهِ العصر الأمريكي بعد، لكن العالم الذي عرفناه انتهى بالفعل.

إرسال التعليق