الضحية متهم والجلاد مستأسد: CNSS بين فشل الحماية ووقاحة التهديد

الضحية متهم والجلاد مستأسد: CNSS بين فشل الحماية ووقاحة التهديد

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

“ضربني وبكى، وسبقني وشكا” مثل شعبي مغربي تحول فجأة إلى مرآة تعكس مأساة حقيقية تعيشها مؤسساتنا. و هذه المرة، ليست نكتة ولا عبارة شعبية تطلق في المجالس الساخرة، بل واقع رسمي جاء موقعا باسم مؤسسة من المفروض أنها ملاذ أمني واجتماعي لملايين المغاربة . الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS).

فبدلا من أن تخرج هذه المؤسسة باعتذار علني وواضح إلى المواطنين بعد تسريب فضيحة بيانات شخصية حساسة لمؤمنين اختاروا أو أجبروا على الانخراط تحت جناحها، اختارت الهجوم والتهديد… نعم، CNSS هدد من تم انتهاك خصوصيتهم!

فمن المعتاد أن نرى السلطات تتعقب من يسرب أسرار الدولة، أو من يتجسس على الأمن القومي، ولكننا أمام سابقة خطيرة ، التهديد بالمتابعة القضائية لكل من نشر أو تحدث عن التسريبات، لا عن المتسبب فيها! هل أصبح الحديث عن التقصير جريمة؟ هل من الطبيعي أن يتم تجريم تداول الحقيقة بدل محاسبة من تسبب في الكارثة؟

هذا البيان الذي أصدره CNSS جاء في لهجة خشنة، محملة بعبارات التخويف، تحاول أن تدفع الجميع إلى الصمت، تماما كما تفعل الأنظمة التي تهرب من المحاسبة خلف “هيبة المؤسسات ، فالملايير الضائعة والحماية الوهمية هو ما لا يمكن تجاهله،  و هو كذلك الحجم الهائل من الأموال التي تم ضخها عبر السنوات لتطوير بنية تحتية رقمية آمنة تحمي معطيات المغاربة. فالميزانيات التي خصصت لأنظمة الحماية الرقمية وحدها تعد بالملايير. صفقات معلنة وأخرى غامضة، مع شركات يفترض أنها رائدة في الأمن السيبراني، لكن النتيجة كارثية.

فأين ذهبت هذه الأموال؟ و من الذي راقب مدى جدية تنفيذ تلك المشاريع؟ و من هي الشركات التي رست عليها صفقات “حماية المواطنين”؟ و لماذا لم يفعل دور الوكالة الوطنية للأمن السيبراني في المراقبة؟ ، كلها أسئلة تستحق جلسة استماع برلمانية طارئة، لا بيان تهديد فارغ.

فالمعطيات المسربة تشير إلى أن البيانات لم تسرب فقط من متدرب هاو أو موظف غاضب، بل تم تداولها في أسواق بيانات دولية سوداء، حيث تباع هوية الإنسان المغربي بأقل من ثمن فنجان قهوة في الدار البيضاء ، و من هنا يجب أن نرفع الصوت ، هل تواصلت CNSS مع الجهات السيبرانية الدولية؟ هل قدمت طلبا لتجميد البيانات على الإنترنت؟ هل حذرت ضحاياها أنهم أصبحوا عرضة للاستغلال المالي والابتزاز الرقمي؟ الجواب، للأسف، هو الصمت أو التهديد.

و الخطير في بيان CNSS ليس فقط تهديده المباشر، بل الرسالة غير المعلنة التي بعث بها إلى الصحفيين، و الباحثين، و النشطاء الرقميين ، مفادها : لا تتحدثوا، ولا تكتبوا، ولا تحققوا… وإلا! وكأننا في جمهورية الخوف الرقمي ، أليست هذه محاولة واضحة لاغتيال الدور الرقابي للصحافة؟ ألم ينص الدستور المغربي في الفصل 28 على حرية الصحافة؟ من الذي أعطى الحق لمؤسسة عمومية، ممولة من جيوب المواطنين، أن تكمم أفواههم؟

فالمسؤول عن هذه المؤسسة ليس فوق القانون. أو يتنصل من مسؤولية مدنية تتمثل في تقصير مصلحي و فشل في حماية البيانات والمجب للمسائلة القضائية ، لا أن يصدر التهديدات. فأموال الحماية ليست مزحة. وكل درهم صرف دون نتائج ملموسة، هو شبهة فساد. و المواطن ليس العدو. بل الضحية. والعدو هو الإهمال، والتستر، والتسيب الإداري. كذلك الشفافية هي الطريق الوحيد للثقة. فالصمت يزيد الشكوك، والتهديد يزيد العار.

خلاصة من المسؤول المقصر ؟ ومن يحاسب من؟ ، فإذا كنا نريد دولة قانون فعلية، فالمحاسبة يجب أن تبدأ من القمة لا من القاع. ومن أصدر البيان عليه أن يقف أمام لجنة برلمانية، ومن وقع الصفقات عليه أن يوضح، ومن فشل في حماية بيانات الناس عليه أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والجنائية. أما من تحدث وكشف وكتب، فهو ببساطة يؤدي دوره في حماية مجتمع. يراد له أن يبقى ساكتا، حتى حين يسرق وهو حي.

إرسال التعليق