
الكلاب الضالة في المغرب بين مطرقة الإبادة وسندان كأس العالم. هل هي أزمة أخلاقية أم ضرورة صحية؟
رصد المغرب / لبنى موبسيط
في خضم استعداد المغرب لاحتضان بطولة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، تفجرت موجة غضب دولية بسبب تقارير تتحدث عن حملات واسعة لقتل الكلاب الضالة في عدد من المدن المغربية، وهو ما وصفته منظمات حقوق الحيوان بأنه “عمل وحشي لا مبرر له”.
بينما ترى السلطات أن الكلاب الشاردة تشكل تهديدا صحيا وجماليا، خاصة في المدن الكبرى التي ستستقبل الزوار والمشجعين خلال الحدث العالمي، حيث تصف منظمات حقوق الحيوان هذه الخطط بأنها “إبادة ممنهجة”، تتعارض مع القوانين المحلية والالتزامات الدولية، وتهدد بإلحاق ضرر كبير بصورة المملكة عالميا، فما الذي يحدث على أرض الواقع؟.
بحسب تقارير إعلامية ومنظمات مثل Tierbotschafter السويسرية والتحالف الدولي لحماية الحيوانات (IAWPC)، يتم قتل الكلاب باستخدام التسميم وإطلاق النار، أو نقلها إلى منشآت يتم فيها التخلص منها بطرق مؤلمة وغير إنسانية، في بعض الأحيان عبر الحرق، ويؤكد شهود عيان أن هذه العمليات ازدادت منذ إعلان استضافة المغرب لكأس العالم، كما انتشر مؤخرا مقطع فيديو صادم من شمال أكادير يظهر كلبا مصابا يسحب جثته على الأرض وسط نظرات عابرة من المارة، وهو ما زاد من تعميق مشاعر الغضب وسط ردود فعل دولية، وصمت الفيفا وتحركات المنظمات.
وأبرز نشطاء حقوق الحيوان، مثل جين غودال، حيث طالبوا الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بالتدخل الفوري، معتبرين أن صمته يمثل “تواطؤا غير مباشر” في ما يعد “إبادة جماعية صامتة” للحيوانات، وذلك في رسالة موقّعة من عدة منظمات أوروبية (منها Eurogroup for Animals وFOUR PAWS وLa SPA)، طلب من الفيفا استخدام نفوذه للضغط على السلطات المغربية لاعتماد البدائل الأخلاقية، مثل برنامج القبض والتعقيم والتلقيح والإطلاق (TNVR)، بدلا من اللجوء إلى القتل الجماعي، وكل ذلك وسط جدلية الصحة العامة مقابل الرفق بالحيوان.
الحكومة المغربية تبرر هذه الإجراءات بخطورة داء السعار، حيث يتم تسجيل عشرات الحالات سنويا، خصوصا في المناطق الحدودية مثل مليلية، ولكن الخبراء يوضحون أن القضاء على الكلاب الملقحة يعزز المشكلة بدلا من حلها، إذ تملأ كلاب غير ملقحة الفراغ، مما يزيد من خطر تفشي المرض، والبديل المقترح من قبل المنظمات الحقوقية والبيطرية هو دعم شامل لبرنامج TNVR، الذي يعد معتمدا من قبل منظمة الصحة العالمية، ويثبت فعاليته في مختلف دول العالم، لتبقى العقبة الكبرى هو التمويل والالتزام.
وتشير تقديرات المنظمات إلى أن تطبيق برنامج TNVR على المستوى الوطني في المغرب قد يتطلب تمويلا يتراوح بين 60 و180 مليون يورو، لكن جمعيات مثل SPA du Maroc تقول إن الكلفة يمكن خفضها إلى الثلث بمساعدة أطباء بيطريين متطوعين، إذا توفر الدعم الحكومي والتنسيق المؤسسي.
وبعيدا عن القضايا الأخلاقية، يرى بعض الخبراء أن استمرار المغرب في تنفيذ هذه السياسات قد يضعه تحت ضغط دولي، وقد يسيء إلى صورته كدولة مضيفة لحدث عالمي يسوق للقيم الإنسانية والتضامن والتعايش، لأن ما يحدث ليس مجرد صراع بين الإنسان والحيوان في الفضاء الحضري، بل هو اختبار حقيقي لمدى انسجام المغرب مع التزاماته اتجاه حقوق الحيوان والصحة العامة وصورته الدولية، فهل ترفع الفيفا البطاقة الحمراء؟.
ورغم كل ذلك، لا تزال الفيفا تلتزم الصمت الرسمي، مكتفية بالتصريح أنها على تواصل مع السلطات المغربية، حيث أن هناك مراقبين يرون أن استمرار تجاهل هذه القضية قد يدخل المنظمة في أزمة علاقات عامة، ويدعو البعض إلى ربط استضافة أي حدث دولي بمعايير واضحة لحقوق الإنسان والحيوان على حد سواء.
وفي السنوات الخمس القادمة، يملك المغرب الفرصة “وربما الواجب” لتصحيح المسار، عبر اعتماد سياسات فعالة وإنسانية في التعامل مع الكلاب الضالة، بما يعكس قيم الرحمة والتنمية المستدامة، بدلا من ترك “أجندة 2030” تلطخ بدماء الحيوانات.
إرسال التعليق