المافيا التي تحدث عنها أوريد، عندما تتداخل الدولة مع الفساد في بنية واحدة

آخر الأخبار

المافيا التي تحدث عنها أوريد، عندما تتداخل الدولة مع الفساد في بنية واحدة

رصد المغرب / عبدالكبير بلفساحي

في مغرب اليوم، لا تمر أسابيع دون أن تطفو على السطح قضية فساد جديدة، لكن وتيرة الصدمة تراجعت أمام جدار التطبيع مع العبث، من أستاذ جامعي بدرجة “ماستر مزور”، إلى برلمانيين يتابع ثلثهم بتهم تتعلق بجرائم الأموال، ومن مائة ألف موظف شبح يتقاضون أجورا دون عمل، إلى ملفات اختلاس وسرقة موصوفة لأملاك الدولة بآلاف الهكتارات بتواطؤ بين المنتخبين والمسؤولين المعينين، فقد تتكون ملامح ما هو أبعد من مجرد سلسلة فضائح، إنها بنية مافيوزية متكاملة.

فتقرير وزارة الداخلية لسنة 2023 كشف عن تسجيل أكثر من 637,000 قضية جنائية، لكن المؤلم في هذا الرقم ليس ضخامته فحسب، بل أن القضايا الكبرى المرتبطة بالمال العام والفساد المؤسساتي تمر غالبا دون محاسبة حقيقية أو صارمة، في المقابل يتابع المواطنون محاكمات صغار الجناة في قضايا السرقة أو النصب البسيط، بينما يتم التغاضي عن المتورطين في نهب الثروات أو العبث بسيادة القانون.

إن هذا الواقع ليس مجرد انطباع شعبي، بل سبق للناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي والمفكر حسن أوريد أن وصفه بدقة في كتابه “من أجل ثورة ثقافية في المغرب”، حيث قال بالحرف: “نحن أمام بنية مافيا، لا مجرد وقائع فساد متناثرة”، وهنا أوريد لم يكتف بتوصيف الوضع، بل دعا إلى تفكيك جذور هذه الثقافة التي تجعل من الريع والزبونية واللاقانون قاعدة، والمحاسبة استثناء.

وفي قلب هذه المنظومة المتشابكة، يبرز تواطؤ بعض أفراد الجسم القضائي، حيث يتهم بعضهم بالتساهل أو حتى التستر على مختلسي المال العام، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ظاهرة “السطو المؤسساتي” على أراضي الدولة وتحويلها لفائدة لوبيات محمية، فإننا أمام واقع يهدد ليس فقط الثقة في المؤسسات، بل يضرب فكرة العدالة والحق في العمق.

وما يزيد الطين بلة أن الجامعات المفروض أن تكون معاقل للعلم والنزاهة، أصبحت بدورها بؤرا للفساد، بدءا من الشواهد المزورة، وانتهاءا بتورط بعض الأساتذة في شبكات محسوبية وبيع نقاط وولوج للمسالك العليا.

إننا باختصار أمام وضع لم يعد بالإمكان ستره أو تجميله، وضع يحتم إطلاق مسار إصلاحي جذري، يبدأ من إرادة سياسية حقيقية لفك الارتباط بين النفوذ واللا محاسبة، ويمر عبر إعادة الاعتبار لمؤسسات الرقابة، وانتهاءا بثقافة عامة تقدس القانون لا الأشخاص.

لقد حان الوقت لاعتبار ما نعيشه ليس أزمة مؤقتة، بل عطب بنيوي يحتاج إلى ثورة ثقافية، كما نادى بذلك أوريد، تضع نهاية لزمن الإفلات من العقاب وتعيد للدولة هيبتها ومصداقيتها.

إرسال التعليق