
الميزان التجاري بين تونس ودول الجوار في شكل أرقام تكشف مفارقات السياسة والمواقف
رصد المغرب /
في خضم التوترات الإقليمية والتجاذبات السياسية التي تطبع العلاقات المغاربية، تبرز أرقام الميزان التجاري التونسي لسنة 2023 كمرآة صادقة تكشف الكثير من المفارقات التي لا تناقش غالبا في وسائل الإعلام، أو يتم التستر عليها من طرف بعض الفاعلين السياسيين.
فبين تونس والجزائر ، هناك عجز تجاري وقيود مشددة، فقد بلغ العجز التجاري لتونس مع الجزائر حوالي 1.41 مليار دولار سنة 2023، وهو رقم ثقيل يعكس اعتمادا كبيرا على الواردات الجزائرية، خصوصا في مجال الطاقة، و لكن اللافت في هذا السياق أن السلع التونسية تواجه قيودا صارمة للدخول إلى السوق الجزائرية، في صورة حواجز جمركية وإدارية تجعل من الصعب على الشركات التونسية النفاذ بمرونة إلى هذه السوق.
وفي المقابل، تسجل تونس فائضا تجاريا مع المغرب بقيمة 106 ملايين دولار، و المغرب يطبق اتفاق التبادل الحر مع تونس دون عراقيل تذكر، ولم يفرض أي حواجز جمركية أو إدارية تعيق دخول المنتجات التونسية، وبالرغم من هذا السلوك الإيجابي اقتصاديا وسياسيا، إلا أن المغرب لا يسلم من حملات تشويه متكررة في الخطاب السياسي أو الإعلامي لدى بعض الأطراف التونسية، كالمطالبة بعزل المغرب من الاتحاد المغاربي، والتشكيك في وحدته الترابية، وكذلك وصمه بالعمالة للخارج أو التبعية للغرب،
كل هذا يحدث في وقت تواصل فيه تونس جني مكاسب اقتصادية مباشرة من العلاقة مع المغرب، سواء من خلال التجارة أو انفتاح المغرب على المنتوجات التونسية دون مقابل سياسي أو شروط مسبقة.
فوسط تناقض صارخ، مطلوب حد أدنى من الإنصاف، وليس هناك أحد يدعو إلى إلغاء اتفاق التبادل الحر، ولا إلى قطع العلاقات الاقتصادية، لكن من الإنصاف السياسي والأخلاقي أن يتم احترام بلد لم يسئ لتونس، وفتح أبوابه لمنتجاتها دون فرض قيود.
فإذا كانت بعض الدول تحقق فائضا تجاريا مع تونس وتفرض في نفس الوقت عراقيل على صادراتها، بينما أخرى تراكم عجزا وتحترم قواعد التعاون والندية، فالمطلوب على الأقل عدم شيطنة الطرف الأخير أو تحميله أوزارا لا علاقة له بها.
إن المسألة هنا ليست تجارية فقط، بل أخلاقية أيضا، حيث يجب التفريق بين الخلافات السياسية والحقائق الاقتصادية، وإذا كان المغرب يوفر لتونس منفذا تجاريا واقتصاديا دون شروط، فمن باب أولى أن يتم احترام هذا الدور وعدم الانسياق وراء حملات لا تخدم مصلحة الشعوب المغاربية، التي هي الخاسر الأكبر في ظل انسداد الأفق المغاربي المشترك.
إرسال التعليق